23 ديسمبر، 2024 7:08 ص

 معارض مدى الحياة الحلقة/ 9

 معارض مدى الحياة الحلقة/ 9

زارتنا بعض العوائل العراقية فأخبرت زوجتي زوجة أحدهم بالسر ثم أخبروني أن الوالدين قد رحلا الى الخلود . حمدت الله وبعد أن هدأْت  سألت زوجتي كيف حدث ذلك ؟ قالت : في سنة  1995 توفي الوالد وفي اليوم الثالث والأخير من العزاء توفيت الوالدة فبقي العزاء كما هو وأستمر . حمدت الله على كل شيء ثم أخبرتني بمداهمة الأمن والأستخبارات لبيت أهلها لأنها عاشت معهم بعد رحيلي وأنهم أخبروهم في 1996  بأنتمائي لمعارضة الضباط بقيادة اللواء الركن عبد الأمير عبيس وأني سافرت الى كندا ويعلمون كل شيء عني !!!  .  بدأت حياة جديدة ، عمل شاق ومسؤولية أكبر وثلاثة طلاب علم في الأبتدائية  فبحثت عن عمل ذي دخل أكبر وبعون الله حصلت على اجازة سياقة التاكسي وباشرت العمل !!!! أتصلنا بأهلها ببغداد يوماً فأخبرونا أن الأمن قد داهموا بيتهم وأعتقلوا أخاها حيدر ( المحرم ) بعد عودته من الأردن ولم يعلموا عنه شيئا !!!! وبعد أشهر وبدفع الرشاوي أطلقوا سراحه بعد أن نال قسطا من التعذيب الوحشي في أمن بغداد والأمن العامة ،وأستمرت حياة الشقاء والغربة بمتابعة أخبار العراق والبعث على جهاز الستلايت ، وجاء عام  2003 يحمل معه بشرى سقوط الصنم في 9 نيسان ، فبدأت أتخيّل كيف العراقيون سينهضون ببناء العراق وسأمشي في شوارع حبيبتي بغداد وأتمتع بالنظر الى السماء لأرى نهاية أعلى البنايات فيها ورأيتها في تخيلي أجمل من دبي  !!! وفعلاً توكلنا على الله وحجزت 5 تذاكر وحزمنا حقائبنا وسافرنا بعد شهرين من السقوط وبعد رحلة طيران طويلة وصلنا عمان وفي عمان أستاجرت سيارة ( دولفين / سائقها من ديالى ) متجهين الى الحبيبة بغداد وفي مخفر الحدود العراقي طريبيل بانت علامات التغيير للأسوأ حيث الأفواج من العائدين أولهم عند شباك تأشيرة الدخول وآخرهم عند الشارع الخارجي مع دور الرشوة الفعال لمنح التأشيرة عالسريع ، وخلال انتظاري في المخفر الحدودي شاهدت سيارات حمل ( تريلات ) عراقية تفرّغ حمولتها من أجزاء أرصفة الشوارع المعدنية وأعمدة كهرباء الضغط العالي في سيارات حمل أردنية وأمام المخفر ومنتسبيه !!!!  لم يخطر ببالي أن شعبي سرق بلادي !!! قادني الفضول لمعرفة ما شاهدت فسألت سائقنا لكونه سالكاً للطريق يومياً فقال هؤلاء عراقيون يفككون أعمدة الضغط العالي وأرصفة الشوارع المعدنية ويفرغوها هنا في سيارات أردنية لتنقلها بدورها الى اسرائيل لبيعها هناك !!!!  وبعد التأشيرة غادرنا المخفر وبعد مسافة أنطلق السائق بسرعة جنونية سألته : خير ان شاء الله ؟ قال : سيارة ارهابيين تطاردنا !!! قلت : انتبه ولنا رب يحمينا وأنزل الله سكينته على قلبي حينها وبعد أن بعدت المسافة بيننا وبينهم توقفوا فحمدنا الله . وأستمر السائق في السير على الطريق السريع المتضرر نتيجة القصف والمقطّع بالكتل الكونكريتية في بعض الأماكن لتخفيف السرعة  ، كانت رحلة موت أتمها الله بالسلامة ووصلنا سيطرة بغداد الغربية في الصباح وأجتزناها بعد ساعات لتوقف وانتظار السيارات على جانبي الطريق لحين وقت فتح السيطرة !!! وصلنا الأهل وكان أول لقاء بهم بعد  13 سنة من الفقدان والغربة ، زارني الأقرباء وسألوني عن فترة الفقدان فقصصت لهم ما حدث وتعجبوا وقالوا سمعنا حينها بالأذاعات لجوء ضابط مع وحدته ولُمناه وقلنا كيف يخون الوطن ؟ قلت لهم اولاً  : أن صدام ظلم العراق والعراقيين وظلم الكويت والكويتيين وربنا قال (  ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون )  وثانياً :  أن صدام خان الوطن في تنازله لايران وللسعودية عن أراضي عراقية ،  فخيانة من يخون الوطن هي وفاء للوطن . وفي اليوم التالي تجولت في بغداد ورأيت الدبابات والعجلات الأميركية وهي تسحق شوارع بغداد بوحشية وتحيلها الى خراب مولدة أنقاض وأتربة وشاهدت عجلات الهمر واستهتار سائقيها الأمريكان في شق طريقهم بضرب ما يصادفهم من سيارات مدنية  !!! ، وبعد أيام ذهبت الى النجف لقراءة الفاتحة عند قبري الوالدين فتوقفنا عند مسجد الكوفة دخل أخي وابن عمي لزيارة مسلم بن عقيل بينما أنتظرتهم في الخارج ، وفي هذه الأثناء أذّن مؤذّن : ( بيان…بيان …أخواني مجاهدي جيش المهدي الحضور فوراً الى مسجد الكوفة ) ، وما هي الا دقائق واذا بأحد مجاهدي المهدي قادم بدشداشة لم ترى الماء دهورا  وحافي القدمين وصف الرصاص بحرف   x  على صدره وظهره وبيده رشاشة ( بي كي سي ) ، سألت عن سبب الدعوة للطواريء فقالوا للذهاب الى كربلاء لحماية المرقدين !!! ذهب الشباب وحاولوا احتلال المرقدين لنهب ما بهما من أموال لكن أنصار السيستاني كانوا  لهم بالمرصاد فقتلوا وجرحوا العديد منهم حسب اعلان مستشفى كربلاء  ، وبعد أيام ذهبت الى البصرة لزيارة بعض الأقرباء فرأيت أن أعمدة الكهرباء الضغط العالي قد أختفت من جانبي الطريق من بغداد الى البصرة فسألت أقربائي الذي يمتلك أرضاً زراعية يمر فيها خط الكهرباء فأجاب أن شباباً مسلحين ، بأرقى سيارات يرافقون سيارات الحمل مع عمال فككوا الأعمدة وحملوها وهددونا بالقتل لو أعترضنا ولا حول لنا ولا قوة الا بالله فسكتنا !!!! وقفت على قاعدة أحد أعمدة الضغط العالي الكونكريتية فلم أجد فيها شيئا ،  ثم عدت الى بغداد المحتلة وما طاب لي العيش تحت الأحتلال وكرهت صدام وأمريكا وكلابها فرسان الدبابات العملاء وعدنا الى كندا بخيبة أمل ، وبعد فترة أعلنوا الأنتخابات وشاهدت على الفضائيات الحكيم وأنصاره يرشون الجهلة بأجهزة منزلية  ، ومقتدى وأنصاره يرشون شيوخ العشائر بأموال  ، والمالكي وأنصاره يرشون الدواب بسندات أرض مزورة ،  وابراهيم الجعفري وأنصاره يرشون الصم البكم العمي في بيوتهم ألبسة داخلية  !!!! وفتحوا مركزاً انتخابياً في مدينتنا وأنتخبنا بأغلبية جاهلة في الداخل والخارج قائمة المنافقين ( 555  ) وعاثوا في العراق فسادا . وفي  2008 أتصلت ببغداد فقالوا الأمور أفضل من قبل فسافرنا مرة أخرى وما رأيت تغييراً سوى كثرة دماءاً !!! قالوا التعيين للتدريس في وزارة التربية في الأعظمية ، ذهبت واذا بزوّار الأربعينية يتقاتلون من أجل الوصول الى شباك صغير جداً لأستلام الوثائق من المتقدمين ، تركته ودخلت البناية من بابها مع ابن عمي ( مدرس ) ودخلت الذاتية فرأيتها أمتلأت بموظفين يجلسون على الكراسي وعلى الطاولات وجلوساً على الأرض يشربون الشاي والسبح في أيديهم ، ثم دخلت الصادرة والواردة فكانت أدهى وأمر !!!! وعدنا مرة أخرى الى كندا وبدأت حياة المعارضة لمن عارض صدام ثم لبس ثوبه وسار على نهجه بل أسوء منه ، وبدأت الكتابة ضد عصابة جعلت بلدي الأول بالفساد والآخر بالعلم  بين دول العالم  !!!! وفي 2011 / 2 / 4  دعوت على المواقع الألكترونية الى يوم الغضب وحددت الموعد في 2011  /  2  / 25 وبدأ الأسناد الأعلامي من المواقع الشريفة وكتّابها آنذاك وخصوصا موقع كتابات  وفعلاً  ثار الشباب   في  25 / شباط  وهزّوا أركان الخضراء ومن فيها وأرعبت اللصوص حينما تسلق الشباب جدران الخضراء !! لكن المرجعية والصدر خذلا الشباب الثائر آنذاك بإعطائها صبغة بعثية وقُمعت بالسلاح وأستشهد من أستشهد وجُرح من جُرح برصاص المالكي  فحكمهم الى الله والله خير الحاكمين . وفي نفس العام 2011 زرت بغداد لوحدي ( one way ) فلاحظت الدمار والخراب من عطل حزام الحقائب في المطار الى قذارة وزارة الصحة والأنفجارات التي كنت قريبا من أثنتين منها عشرات الأمتار ، وفي مساء يوم ألتقيت بشخص إسمه حيدر الخفاجي ( أبو طيبة ) ألتقيت به بواسطة ابن أخي ، جلسنا في إحدى مقاهي السيدية وبعد حديث معه ذكر لي أنه رجل أعمال وأن شريكه في عمان سرق منه (  30 مليون دولار  )  وأختفى !!! عجبت لعدم مبالاته !!! وفي اليوم التالي أتصل بي ودعاني للعشاء في مطعم الشاطيء في محيط الكاظمية  وصلنا بنفس الوقت وعرّفني على شخص قائلاً  : أقدم لك السيد حسين مدير مكتب الجلبي في الكاظمية ، سلمت عليه ورحّب بي ، ثم تناولنا العشاء وكان السمك المسقوف دفعت الحساب فقال صاحب المطعم الحساب مدفوع ، جلسنا ودار الحديث وطلب مني مساعدته بتجارة الحنطة الكندية لجودتها فقلت : ان شاء الله ،  ثم قال حيدر لسيد حسين : مولاي أبو علاوي شلون بقضية صاحبنا كلما أطالبه بالفلوس يتملص شلون آخذهن منه  ؟ قال السيد حسين  : تريدني أعلسه ؟ وداعتك أمحيه من الوجود .  بس أول مرة راح أحچي وياه فإذا انطاك خير على خير واذا رفض نعلسه !!! أستغربت من أسلوب لم أسمعه ولم أره حتى في زمن صدام وأيقنت أني في بلد المافيات والميليشيات والعصابات واللاقانون  فأشتريت تذكرة عودة  عالأنترنت وفي المطار أعطيت جوازي لملازم أول لغرض المرور الى الطائرة ، نظر الضابط في جوازي وفي وجهي وفي الكمبيوتر الذي أمامه وقال : لحظة هسه راجعلك ، أخذ الجواز ودخل إحدى الغرف وبعد نصف ساعة عاد لي ليقول : الله وياك أستاذ توصل بالسلامة !!! لم أسأله لماذا وكيف وسبب التدقيق لأني آمنت أن العراق بلا حكومة ولا سيادة منذ 1991 فلماذا لوم الصغار ؟؟ المهم وصلت كندا وسردت كل ما رأيت في ثلاث مقالات بعنوان  ((  الى كافة المغتربين : حذاري حذاري حذاري من العودة للوطن إلّا لأجل التغيير !!!!!!!!/ ( 1 ) و( 2 ) و ( 3  ) ومقالة الى السيد وزير الصحة ( لا صحة في وزارتك  ) ، ثم شن حملة اعلامية ضد نوري المالكي وحزبه الفاسد قبل انتخابات 2014 وقد آتت ثمارها في الأنتخابات والحمد لله ، وأستمرت معارضتي بالكتابة ولا زالت وقد حكم القدر عليّ بمعارضتي مدى الحياة أو أن يُحدث الله أمراً كان مفعولا  !!!! فلا ختام  وفي المستقبل ((  يتبع   ))
 aliraqi1991@hotmail .com