23 ديسمبر، 2024 5:40 ص

معارض مدى الحياة / الحلقة /  2

معارض مدى الحياة / الحلقة /  2

تقدّمت من السيارة واذا بها الفريق الركن أياد فتيح الراوي ومعه آمري ألوية الحرس الجمهوري … المهم أدّيت التحية وقدّمت نفسي وتصافحنا ثم سألني عن الموقف في الجبهة فصعدنا الى المرصد الحديدي لأشرح له المحاور التي عادة تسلكها الدوريات ( الهمرات ) الأمريكية والسعودية وبينما كنت أشرح له صعد رجال حرس الحدود السعودي على سطح مخفر عليمه ولوّحوا بأيديهم لنا فقال أحد ضباط الحرس الجمهوري العميد الركن محمود : ( ملازم أول كامل ذول السعوديين ينادوك أشِّر لهم بيدك )…… فلم أفعل وفكّرت حينها لو أشرت لهم سيتهمني بخيانة الوطن والعمالة للسعودية وأُعدم حينها في الجبهة دون محاكمة !!!  وإن لم أفعل سيتهمني بعدم إطاعتي للأوامر العسكرية !!! فأنشغلت مع الفريق الركن أياد بشرح الموقف فكرر العميد الركن محمود قائلاً : ( كامل أخوتنا السعوديين ينادونك رد عليهم ) فردّ عليه الفريق الركن : ( كف يا عميد ركن محمود كافي لا تلح  ). ، فصمت  ثم قال مخاطباً الفريق الركن أياد 🙁  سيدي حِنّا نطلع من هين ونگصها گصاصة ونترك حضيرة تنشغل ويّ هذا المخفر  وحنّا نطلع ونضرب طوگ على كل قوات التحالف ونجيبهم أسرى لبو عدّاي )……….  فردّ الفريق الركن : ان شاء الله  ان شاء الله ……. عندها علمت سبب غرور القائد الضرورة وفرعنته !!!!!! ثم نزلنا من المرصد وغادروا المكان لأستطلاع بقية قواطع الجبهة  ……. وأستمر التصعيد والتهديد وبانت علامات الحرب  !!!!! وفي 15/1/1991جائني آمر الفوج بصحبة آمر اللواء جالباً معه   (  2 كيلو رز ، 1 علبة معجون 500 غرام  ، قليل من البصل  وقليل من الصمون الصلب الأسود اللون المصنوع من نوى التمر والذرة وعيدان السنابل ولم يُكسر الا بمطرقة !!!) المهم قال آمر الفوج : نقيب كامل ان شاء الله ماكو حرب لكن لو صارت أريدك تدبّر حالك وتخلي هاي الأرزاق تكفيكم شهر تحسباً لحصار عليكم !!!! قلت : ولا يهمك سيدي . شكرني ثم غادر …. فناديت على رئيس عرفاء السرية وقلت له : قل للطباخين صادق ورحيم يطبخا كل الأرزاق الآن ويوزعا الطعام على جميع الجنود  !!!! فأندهش وقال : نعم سيدي ….  ، وتم ذلك وأكل الجنود حتى شبعوا ودعوا لي بالخير ، ثم أجتمعت برئيس عرفاء السرية عصريوم 16/1/1991 وقلت : اسمع رحيم قضينا 8 سنوات في حرب ايران وخسرنا 3 ملايين من خيرة الشباب العراقي والآن تنازل لهم القائد الضرورة عن كل شيء وكأن شيئاً لم يكن وكنا كقطع شطرنج بيد صدام يحرّكنا متى وكيفما يشاء فينقلنا من القاطع الجنوبي للوسط ثم للشمال والآن على جبهة السعودية وغدا على جبهة سورية ثم تركيا …… المهم قررت أن أختار الحرية استنادا لقوله تعالى ((ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا )) س.النساء/97 صدق الله العظيم  …..،  وُلدت لأكون حرّاً فأصبحت عبداً ودرستُ وتخرّجت لأكون مدرساً فأصبحت ضابطاً ….. أما الآن فقد يسرالله تعالى لنا أمرنا وما هي الا عبور الحدود فأما أن نكون او لا نكون …. لقد قررت الأنطلاق هذه الليلة …… تنهّد رحيم ثم قال : ( والله ثم والله يا سيدي كل السرية متفقين على الهروب الى السعودية لكننا أوقفنا التنفيذ بسبب طيبتك معنا والكل قال نموت وما نترك آمر سريتنا ) !!!! قلت : بارك الله فيكم ، اذاً نتوكل على الله هذه الليلة ونغادر بهدوء دون أن يعلم عناصر استخبارات الفيلق والفرقة واللواء والفوج ( الذين كانوا في ملجأ ضمن قاطع السرية ) ومع بدأ العمليات الجوية تحرّكنا بإتجاه الحدود بعيداً عن المخفر لتجنب التصادم معهم ، توقفنا عند الحدود وأكتمل عدد السرية ناقص عناصر الأستخبارات …… أجتمعت بهم قبل عبور الحدود وقلت : ( أخوان عبور الحدود يعني الكثير … يعني الغربة ….يعني فراق الوطن وهجرته …. يعني فراق الأهل والأقرباء والأصدقاء …. يعني المجهول وقد يكون الموت والنهاية  فأنا تركت أباً شيخاً كبيراً أنهكه الدهر وفساد الحكومات ، وأماً عجوزاً صارعت الدهر بقساوته ، وزوجةً حاملاً بشهرها السادس وطفلة وطفل كالورود  وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا فمن يقدر يأتي معي ومن لم يستطع معي صبرا فليقف جانباً . ) قال الأغلب : نحن معك سيدي ، لكن البعض تردد لظروفهم العائلية …. قلت اذاً علينا أن نودعكم فسلمنا عليهم متمنين لهم السلامة وطلبت منهم  أن يتركوا الموضع الدفاعي ويهربوا الى أهلهم ولا يكونوا حطباً لمعركة أم المهالك وقائدها المغرور فعاهدوني بفعل ذلك ، ثم دخلنا أرض السعودية في الساعة 2:30 ليلاً متوكلين على الله في ظلمة ليل وفي صحراء قاحلة ودون دليل سوى الله وريح شمالية بطيئة ، فقلت : شباب تذكّروا ان سيرنا باتجاه الريح ……… ومشينا على الأقدام في الصحراء لساعات تاركين المخفر السعودي خلفنا ، وبعد سير عدة ساعات في الصحراء وطلوع الفجر وهدوء الريح وكثافة الضباب تهنا وأضعنا الأتجاه فطلبت من العريف رحيم أن ينادي ويطلق صفارته ففعل وطلبت من المراسل أن يخلع فانيلته ويلوّح بها وفعل هو الآخر لكن دون جدوى وأقترب الوقت من العاشرة صباحاً فأنقشع الضباب وبانت معالم الصحراء وبحثنا عن أي طريق وبعون الله ومن استعان بغير الله ذلّ ، عثرنا على طريق ترابي فمشينا به باتجاه العمق السعودي وفي الساعة 11:00صباحاً تقريباً وبفضل الله شاهدنا عجلة مسلحة برشاشة ثقيلة تابعة لقوات الحدود السعودية متجهة نحونا فلوّحنا لهم بأيدينا فتفاجأ السائق وأنحرف بسيارته عن الطريق وصعد مساعده على الرشاشة وبدأ يرمي بأتجاهنا !!!

((  يتبع  ))
      [email protected]