أنشأ الراهن العراقي المتميز بالفوضى والاختلاط ، أطروحاته الجديدة التي بدأت تأخذ مكانها في إدراكنا الفكري والسياسي وتحتل حيزها في الأوساط الشعبية، وأصبحت هذه الأطروحات تنافح عن مضمونها ومعطياتها من خلال عناوين خطيرة تريد أن تلغي الحقوق التاريخية لصالح الحقوق الراهنة الطالعة من هذا الواقع السياسي البائس وهذه المرحلة التراجعية ، وهذا باعتقادي من أخطر الممارسات وأشدها ضرراً على مجتمعنا ووحدته وطريقة نظرته وأسلوب تمسكه بحقوقه التاريخية والوطنية.
فإن تنشأ معادلات سياسية ضاغطة يُراد لها تفهماً وتلاؤماً واستيعاباً من نوع مرحلي وتكتيكي أو تنشأ ظروف سياسية عاصفة في الحياة الوطنية وتحتاج إلى انحناء تكتكي ومرونة إزاءها لكي تتم عملية احتوائها وتغير مسار ووجهة أضرارها ومخاطرها والسيطرة على اندفاعاتها ، هو شيء بالمعنى الاستراتيجي يختلف تماماً عن السقوط في الدوامة وبدء التفكير بالتباسات وعقم الموقف الوطني العام وحجم انهياراته أو تزعزع النظرة إلى الحق التاريخي والوطني المؤكد في العقل الجمعي ، والموقف من الحق الطارئ والراهن الذي تنتجه المعادلات السياسية المستجدة ، لابد أن يحتل مكانه المناسب في الإدراك والتفكير السياسي العراقي لكي لايصبح الحق الراهن طريقاً أو شكلاً جديداً من أشكال التخلي عن الحقوق التاريخية والوطنية وإلغائها ، ويمهد بالتالي إلى سلسلة من عمليات التفريط والاستسلام . ولقد لاحظنا في الموقف السياسي السابق قبل 9 / نيسان ، الذي كان مؤسساً على الاختلال في موازين القوة واللاعقلانية السياسية ، وإغفال الحق التاريخي والوطني ، والإحباط السياسي المطلق أمام اطروحات الآخر من أجل تمرير انتصار وهمي تكتيكي هزيل أو الاستمتاع بلحظة سياسية صوفية يتواجد فيها القاتل المعتدي مع الضحية في عتمة مدججة بالشبهات ومحاطة بالمهاوي والمطبات.
ومع أن الشواهد التاريخية تقدم دلالات واضحة على فشل مثل هذه التصورات والرهانات السياسية إلا أن بعض العراقيين لايريدون أن يشغلوا عقلهم بهذه المقارنات التاريخية لكي تتسنى لهم خصوصية وفرادة في طريقة تطويع الحقوق التاريخية أو لجمها ، وفي – دهلزة – موقف سياسي تتركز غاياته على تحقيق هدنة وحياد وركود اجتماعي وسياسي وخلق مناخات لتذوق طعم ومنافع التراجع السياسي وتأكيده في العقل والوجدان ، ومن أجل تزيين الحاضر الجديد والمستقبل الذي يمكن أن يعوض أو أن يكون بديلاً للحقوق والتطلعات الوطنية والتاريخية.
لقد كانت الوقائع تشير إلى وجود بدائل في داخل الواقع السياسي العراقي ، ولكن لاأحد من القيادات الفكرية والسياسية للحاضر العراقي أراد أو عمل على إخراج هذه البدائل من ركودها وتقوقعها ، وعندما أُغفلت هذه البدائل لم يبق أمام هذه القيادات سوى التفكير بخلق مناخات لاتهتم كثيراً بالحقوق التاريخية والوطنية وقداستها في العقل الجماهيري الجمعي وتركز معظم تفكيرها بالآني والحقائق الراهنة والمعادلات السياسية المبرمجة أمريكياً وصهيونياً وايرانيا .
وقد نستوعب وندرك أبعاد أي تراجع سياسي قد يظهر في الواقع العراقي ونتحمل سوءاته ولكننا لن نستوعب فكرة مقايضة التاريخ والأوطان بموقف سياسي ولد وترعرع في الأنابيب الأمريكية والصهيونية وحتى الايرانية ، شاذاً واصطناعياً من أجل طمس الحقوق التاريخية والوطنية وخنق الولادات الجديدة وإلغاء أسئلة العراقيين.
[email protected]