23 ديسمبر، 2024 5:14 ص

معاداة الاجانب وتزايد خطر اليمين المتطرف

معاداة الاجانب وتزايد خطر اليمين المتطرف

هل كانت العنصرية سبب موت الصبي العراقي ـ الايزيدي أركان حسين خلف؟ في مدينة “سيله” Celle الالمانية بالقرب من محطة القطار مساء 7 أبريل 2020، عندما هاجمه “دانييل س” فجأة بسكين.. هكذا بدا السؤال المركزي بعد مرور اكثر من اسبوعين على الحادث في وسائل الاعلام.

بعد ساعات قليلة على وفاته في المستشفى، متأثرا بإصاباته الخطرة. قالت أخت أركان لصحيفة (يني أوزغور بوليتيكا ـ الكردية): “لقد عبرنا المياه في عام 2014 وغرقنا هنا في الدم”.. وكانت عائلة الشاب التي هربت من إرهاب الميليشيات الجهادية “الدولة الإسلامية” ضد السكان الأيزيديين في منطقة سنجار شمال العراق، قد وصلت في عام 2015 إلى ألمانيا مع أبنائهم “ثلاث بنات وثلاثة أولاد” عبر تركيا واليونان واستقروا في سيله.

وقالت والدته وهي تتألم، في مقابلة مع تلفزيون RTL الالماني، إنه لأمر فظيع أن ترى طفلا محبا للمرح تنتهي حياته هكذا!.. “أنا أم وقد فقدت ابني.. لكنني لا أفهم لماذا هذا الفعل”. ووصف فرد آخر من الأسرة أركان بأنه “مرح ودافئ”. وبحسب RTL ، فإن الأسرة اشارت الى رغبتها في عمل جنازة كبيرة تتناسب مع التقاليد العراقية. لكن ذلك غير ممكن بسبب جائحة الاكليل – وستكتفي فقط، القيام بوداع في مجموعة صغيرة. وتأمل ان تتضح الحقيقة قريبا.. الجريمة في Celle مرعبة بكل المعايير، اثارت مشاعر المارة في مكان الحادث الذي طعن فيه “اركان”، على مختلف اجناسهم، ووضعوا الزهور والشموع.

أعلن مقر الشرطة في سيله والمدعي العام في لونيبورغ، كما ذكر البيان الصحفي المشترك في 8 أبريل ـ نيسان، أن التحقيق السابق “لم يقدم” بأي حال من الأحوال دليلا على خلفية سياسية أو دافع عنصري ضد الأجانب، وان أمر الاعتقال تم للاشتباه في القتل غير العمد. لكن الجمعيات الايزيدية اتهمت بعد ذلك مكتب المدعي العام “بالتهور” لتشكيكه بخلفية عنصرية محتملة للجريمة، حينما اشار قبل الأوان الى احتمال أن المتهم مدمن مخدرات و “غير طبيعي عقليا”. فيما أكد النائب العام “لارس جانسن” على ان التحقيق في الدافع وراء الجريمة جاري “في جميع الاتجاهات” وهذا من شأنه أيضا “فحص” البيئة الشخصية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي للجاني.

قام الصحفيون مباشرة بعد وقوع الحادث في مدونة Störungsmelder “مسجل الأعطال” على موقع Zeit – Online بالبحث عن الدوافع الحقيقية للجريمة. اثناء ذلك، صادفوا “ثلاثة حسابات للقاتل دانيال س على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يدل على قربه من المنظمات المتطرفة اليمينية”. ووجدوا من بين أصدقائه على الإنترنت، هناك العديد من “النازيين الجدد واليمين المتطرف” من بينهم. وبحسب المدونة، فان من بين أمور أخرى، يُظهر التقرير لقطة Screenshot معادية للسامية ورسوم صليب معقوف في أحد مواقع الويب التي زارها. وأكدت الشرطة بان صاحب الحساب المشتبه به هو المحتجز دانيال.

مجلس ساكسونيا السفلى للاجئين طالب بأن يكون التحقيق في الجريمة “شاملاً وغير منحاز”، وان يراعي السياقات الاجتماعية.. كثيرا ما رأينا في الماضي أن أعمال العنف بدوافع عنصرية تتم تغطيتها في البداية تحت ذريعة “فعل مخالف” لفرد مرتبك عقليا، ويتبين فيما بعد أن العنصرية كانت القوة الدافعة وراء الجريمة على خلفية حالات اجتماعية. في السنوات الأخيرة، نجحت بعض مجموعات المجتمع المدني مثل شبكة “جنوب هايده ضد تطرف اليمين”Südheide gegen Rechtsextremismus في الكشف عن حقيقة الخلفية للأعمال التي تم الإعلان عنها بأنها غير سياسية. في ضوء بحث الهجوم الإرهابي على “هنرييته ريكر” Henrietta Reker المرشحة لمنصب رئيس بلدية “كولن” بسكين صيد أصابها واربعة مواطنين آخرين، بجروح خطرة قبل يوم واحد من انتخابها في اكتوبر 2015. تصرف القاتل وحده – لكنه كان جزءا من المشهد النازي الجديد في بون في التسعينيات من القرن الماضي. يأتي هذا التقييم في ضوء أبحاث الإرهاب، حيثما ادعى الجاني “فرانك”، أنه يريد إنقاذ “المسيح”، وإنه عاطل عن العمل منذ فترة طويلة، ويعيش في ظروف محفوفة بالمخاطر.

في 19 فبراير ـ شباط ، قتل “توبياس” Tobias Rathjen خلال هجوم ارهابي لاسباب عنصرية عشرة أشخاص في هاناو، تسعة منهم من جذور المهاجرين. تم إصدار جزء تمهيدي من التقرير النهائي لمكتب التحقيقات الخاصة، والذي كان يتعارض مع اطروحة التطرف العنصري. تحت ذريعة: لم يكن لدى الجاني موقف متطرف يميني. كشفت جريمة القتل الوحشية هذه، عن بُعد جديد للإرهاب اليميني في ألمانيا. ومع ذلك، لا الشرطة ولا حماية الدستور يشتبهون في وجود دافع يميني متطرف وراء هذه الأفعال وغيرها كرسوم الصليب المعقوف ـ شعار النازية الهتلرية، الإهانات العنصرية، الاعتداءات، هجمات الحرق العمد.. يقول “أرمين بفال تراوغبر” Armin Pfahl-Traughber سياسي وعالم اجتماع الماني، مئات من ضباط الشرطة يحققون في الاتجاه الخاطئ لسنوات. لكن مسلسل القتل المخطط والموجه للأفراد يمثل جودة جديدة للإرهاب اليميني، وسط ظروف ستبق غامضة.

ويبدو ان جرائم اليمين على خلفية معاداة الأجانب، وتصاعد العنف اليميني المتطرف وحرق منازل طالبي اللجوء وشعارات الكراهية اليمينية في ألمانيا سيما في مدينتي هاله Halle وهاناو Hanau يتزايد بشكل ملحوظ. حيث أفادت السلطات بأن جرائم اليمين المتطرف في ألمانيا بالنسبة للعام 2019 قد تزايد، فقد تم تسجيل ثلاث جرائم قتل أكثر من العام السابق، اضافة الى جرائم الدعاية اليمينية والعنف والتحريض. وعلى أثر المتغيرات الجيو ـ اجتماعية، السياسية والاقتصادية، وتفاقم نزوح اللاجئين واستقرارهم خلال الاعوام الاخيرة في المانيا، ازداد الاقبال على إيديولوجيا ونظريات “المؤامرة” Verschwörungstheorie لليمين المتطرف، كما اتسعت اعمال العنف ضد الاجانب.. وبمبادرة ملفتة، طلب الباحث الشهير في الإرهاب بروفيسور “بيتر نيومان” Peter Neumann من السلطات أن تكون أكثر يقظة عندما يتعلق الأمر بنشر المحتوى اليميني المتطرف والمحتوى النظري للتطرف على الإنترنت. وفي منتصف مارس 2020، حظر وزير الداخلية “هورست سيهوفر” Horst Seehofer لأول مرة احدى المنظمات “مواطنين الرايخ” Reichsbürger اليمينية، كما تم انتقاد أحد المدافعين البارزين عن نظريات جمعية “مواطنين” علنا. وفقد المغني المعروف “خافيير نايدو” Xavier Naidoo وظيفته كعضو هيئة تحكيم في محطة التلفزيون RTL في برنامج “ألمانيا تبحث عن نجم” Deutschland Sucht den Superstar بعد ظهور مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، يعبر عن تفهمه لنظرية “المؤامرة” وظواهرها.

موضوع الإرهاب وخطر التطرف اليميني، على الأقل بعد اكتشاف الحركة القومية الاشتراكية السرية NationalsozialistischenUntergrunds ) NSU) وهي منظمة إرهابية نازية جديدة في ألمانيا، تم تشكيلها في حوالي عام 1999 لقتل أشخاص على أساس خلفية “هجرة” ودوافع عنصرية وكره الأجانب، يشكل ظاهرة عالمية منظمة، أكثر خطرا من أي وقت مضى. وهناك العديد من التساؤلات العالقة: من أين يحصل الجناة على المساعدات المالية واللوجستية، وما هو تصورهم للأشياء؟ وكيف يخلص المتطرفون اليمينيون من الملاحقة قانونيا؟ والسؤال الاهم: كيف يتم إنشاء الإحصاءات الرسمية للأفعال الإجرامية والعنيفة لليمين على نطاق واسع؟

إحصائيات حول ما يسمى بحق الجرائم ذات الدوافع السياسيةPolitischmotiviertenKriminalität rechts (PMK) معقدة للغاية ويصعب فهمها في بعض الأحيان. ومع تكرار الحدث كل بضعة أشهر، ووجود اهتمام كبير لدى المؤسسات المختصة ووسائل الاعلام والمعاهد للحصول على معلومات وبيانات دقيقة حول جرائم أقصى اليمين، لا يمكن على سبيل المثال لصحيفة أو وكالة أنباء رصد أرقام جديدة من حين لآخر، حول الهجمات على منازل اللاجئين، أو الجرائم المعادية للسامية أو الدعاية المعادية للإسلام.
ويسود الارقام والاحصائيات الكثير من الارتباك والتناقض.. وعلى الرغم من تطوير الإحصاءات الرسمية وتسجيلها من قبل السلطات الفيدرالية الالمانية وسلطات أمن الدولة على مدى عدة عقود. فانها اصبحت في غضون ذلك، معقدة للغاية، وأحيانًا يصعب فهم خفاياها الدقيقة حتى بالنسبة للخبراء.

تأسست الجماعات الإرهابية المتطرفة اليمينية بأعداد كبيرة في جمهورية المانيا الفيدرالية بعد الحرب العالمية الثانية – عندما أصبحت هزيمة ألمانيا هتلر مع تقدم أعمال التخريب وراء الخطوط الأمامية في برلين، أكثر وضوحا، لينشروا الخوف والرعب ومنع السكان في المناطق المحررة من العمل مع الحلفاء.
ومنذ إعادة توحيد ألمانيا في أكتوبر 1990 حتى نهاية 2019، مات وفقا لبحث أجراه صندوق ضحايا العنف CURA التابع لمؤسسة أماديو أنطونيو ـAmadeu Antonio 198 شخصا نتيجة أعمال العنف. وكثيراً ما كان الجناة ينضمون الى جماعات يمينية متطرفة ويتبعون سلوكاً عنصرياً أو عداء “للمثليين” أو مناهضة المشردين. في كثير من الأحيان، لم يكن لديهم أيضا خلفية يمينية متطرفة واضحة، لكنهم يتصرفون على أساس رؤية عالمية يمينية منتشرة. وشملت هذه القائمة جميع حالات القتل التي حدثت بعد فحص شامل لمصادر الدوافع اليمينية والعنصرية المتطرفة، فيما إذا كانت هناك مؤشرات معقولة لهذا الافتراض. وفي السبعينيات والثمانينيات وحدها قتل أكثر من عشرين شخصا. وفي 9 أكتوبر 2019، قتل مجرم واحد شخصين في هاله.

في البيان المؤلف من 24 صفحة والذي نشره “توبياس” على الإنترنت قبل وقت قصير من فعله، تحدث عن منظمة سرية تتلاعب بعقول الناس تعلقت أفكارها في دماغه. لكنه كتب أيضا أمرا خطرا مرتبط بسلوكه وتاثره بتلك الايدولوجيات: أن بعض “الجماعات الطائفية والأعراق والثقافات” كانت بالاساس مدمرة من جميع النواحي، وبالتالي يجب “تدميرها بالكامل.. وأضاف فصلاً عن الأجانب وأوهام إبادتهم في وقت متأخر.

** عن قصد تم الاشارة للاسماء والمصطلحات باللغة الالمانية لغرض الفائدة.