19 ديسمبر، 2024 12:08 ص

مظلتان لشخص واحد الأب بنسخته الرديئة ..

مظلتان لشخص واحد الأب بنسخته الرديئة ..

أمل جرّاح في روايتها (خذني بين ذراعيك ) 
وفؤاد التكرلي في روايته (بصقة في وجه الحياة )                                                       (*)
(تعسا لمن تخلق أنثى) هذا ما كتبته الأديبة سميرة عزام في قصة قصيرة لها ..وتدفقت التعاسة في حياتها لتتألق نصوصا أدبية جميلة ومن رماد تعاسة الأنثى ..تدفقت أشجار مكتظة بأجراس الينابيع ..يحق للمرأة ان تكتب كل شيء لكن ليس للنشر!!  لكن مانفع الكتاب الذي ينشر للمرأة بعد وفاتها؟! بعد وفاة زوجة توفيق الحكيم ، نشر لها الحكيم قصة ً قصيرة ً من قصصها !! مالذي سيحدث لو كانت القصة منشورة وهي على قيد الكتابة ..؟! لماذا حرمها من فرحة النشر الأول …؟! هل يخاف..؟ يغار..على زوجته ؟! من المستنقع المسلفن بالأدب في الوسط الأدبي ..؟
(*)
أمل جرّاح روائية مثلث الإبداع فهي شاعرة وناقدة وصحافية ،ولدت في جنوب لبنان / مرجعيون 1945وبتوقيت حرب 1948 في فلسطين ، أنتقلت مع أسرتها الى موطن أبويها : سوريا. تزوجت الروائي ياسين رفاعية..وفي 1968، أعلنت مجلة الحسناء ورئيس تحريرها ،الشاعر أنسي الحاج عن مسابقة أدبية في الشعر والمسرح والرواية والقصة القصيرة ،بعد عرض النصوص على لجنة مؤلفة من : غادة السمّان / جبرا إبراهيم جبرا/ يوسف الخال / رفيق خوري : فازت الاسماء التالية : في الشعر تفوز الشاعرة سنية صالح على مجموعتها( حبر الإعدام) ، تحجب جائزة المسرحية، وتفوز بالقصة القصيرة ، سلوى صافي، على مجموعتها (حديقة الصخور) وفي الرواية تفوز أمل جراح على روايتها (خذني بين ذراعيك ) .. لكن هذه الرواية لم تنشر !! وحتى بعد أن قلّمت المؤلفة مخالب الرواية لم تنشرها !! ربما أدى هذا التقليم إلى تمسيخ النص الأم ، فالمؤلفة لا تريد لروايتها التحنيط بل السماء الفسيحة ، وتريد روايتها خالية من المكياج الاجتماعي ،لذا حذفت ..وألبست مفرداتها الزي الذي تتقبله أنظمة الذائقة الأدبية المؤتلفة إجتماعيا ، ثم سرعان ما أعادت روايتها لسيرتها الأولى، وإلى مكانها الأول من مكتبتها الخاصة ..،الآن وبعد أثنين وأربعين عاما وتحديد في 2010 صدرت الرواية بنسختها الأصلية عن دار الساقي وبعنوان صادم (الرواية الملعونة)..وبعد رحيل الروائية أمل جرّاح في 2004كأن موت المؤلفة منح الرواية حياة ً كانت مؤجلة ..!! وكأن الموت سيتصدى للأذي الذي سيلحق المؤلفة أمل جرّاح ، في حالة نشر الرواية وهي على قيديّ الحياة / الكتابة ..
(*)
الموضوعة التي تناولتها الروائية أمل جرّاح في ستينات القرن الماضي ، تناولها القاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي في روايته (بصقة في وجه الحياة ) العلاقة المحرّمة بين الأب / الإبنة ..وبشهادة التكرلي (في حزيران 1948حين بدأت بكتابة ،،بصقة في وجه الحياة ،، كنت طالبا في السنة الثالثة بكلية الحقوق العراقية ../ ص8)..ثم يتذرع التكرلي بإفتقاده للنضج القصصي آنذاك (فقد جاءت ،،بصقة في وجه الحياة ،، ثمرة فجة قطفت قبل أوانها، ويجب أن تؤخذ على هذا الاعتبار../ 9-10) ثم يغمزنا بالعين الثالثة ،معتبرا ان كتابة هذه الرواية ضمّدت جرحا نرجسيا ً في طالب الحقوق فؤاد التكرلي ..(لقد كانت لي عملا من أعمال التوازن الشخصي وترميم ماتخرب من ذاتي بسبب ظروف إحاطتني ووجهت لذاتي الوجودية خاصة ، ضربات متتالية ../ 10)..ثم ينتقل التكرلي لتعداد الحرمانات التي واجهته ، ليصف لنا بعدها تعميما يتهرب من خلاله عن الإفصاح عن خيبة شخصية واجهته ..(حدث لي بداية سنة 1948 تخريب حياتي كبير تبعه إحباط أكبر منه فرحت أهمل حضور دروسي في الكلية وأفضل عليها نوما صباحيا لذيذا…/11).. السنة المثبّة تعني (وثبة كانون ) بتوقيت توقيع (معاهدة بورتسموث) بين العراق وبريطانيا ، وتضرجت بغداد بالشهداء والجرحى،أثناء التظاهرات ..أما القاص فؤاد التكرلي في تلك الفترة فكان منشغلا بذاته (كنت أمام حل وحيد، طريق مفرد ، هو الكتابة، وهكذا فعلت في ذلك الوقت  في ذلك الحزيران من سنة 1948../13) ثم يعلن (أنهيت هذا النص في آب 1949../13) أين قيمة هذا النص الركيك / الفج بشهادة القاص والروائي فؤاد التكرلي :(هذا إذن نص نادر استثنائي في مسيرتي الكتابية وهو الوحيد الذي عنيت بتقديمه لأنه برغم فجاجته الفنية وسوقيته أحيانا وركاكة لغته) يبدو أن قيمة هذا النص هي خارج النص وداخل نفس التكرلي وحده (لايزال يذكرني  ليس بعالمي الذي اندثر بالكامل بل بوضعي النفسي المأزوم آنذاك وبالطريقة الصحيحة الفذة التي اتبعتها للخروج دون أذى كبير جدا من هذه الأزمة ذات الجوانب المتعددة التعقيد ../14) عن أي وضع نفسي يحدثنا القاص والروائي ؟! نحن أمام كلام مغلق ..ربما لوكانت هناك سيرة ذاتية بقلم التكرلي لإنفتحت مغاليق هذا الكلام ..ومن جانب آخر تبقى لهذا العمل قيمته الخاصة للكاتب نفسه وهي قيمة علاجية لحالة نجهلهانحن القراء ..
(*)
الروايتان  تقدمان لنا الأب بنسخة أخرى ، ترفضها أنظمة الوعي الاجتماعي وتلعنها الأديان ..
(*)
لكن في الأدب علينا أن نصغي لهذا التابو لا لنعاضده، بل لنفكك شفرته . 
————————————————————————–

 *المقالة منشورة في طريق الشعب /16/ 10/ 2016
*أمل جرّاح / الرواية الملعونة / دار الساقي / بيروت / ط1/ 2010
*فؤاد التكرلي / بصقة في وجه الحياة / منشورات الجمل / كولونيا / ط1/ 2000