كعادتنا في الاختلاف ، اختلفنا حول ترشيح الشاعر مظفر النواب لجائزة نوبل للاداب ، البعض تصور ان الجائزة هي مؤامرة على الشاعر ، وان هناك جهات تريد ان تربطه بالقوى الامبريالية التي ظل يناصبها العداء حتى هذه اللحظة ، فيما امتلات صفحات الفيسبوك بالسخرية من الجائزة واصحابها . منذ انطلاقتها الاولى عام 1901 منحت نوبل للاداب الى انواع من الادباء ، البعض استحقها عن جدارة وتميز مثل نيرودا وماركيز وهمنغواي وشولوخوف ونجيب محفوظ وصموئيل بيكت ، والبعض لم تصلنا اعماله فاعتقدنا انه كاتب مغمور ، وان هناك مؤامرة تقودها الماسونية ، مثلما توهم جنابي عندما منحت الجائزة للروسية سفيتلانا اليكسييفيتش ، في ذلك الوقت ضربت كفا بكف وتساءلت مع نفسي : لماذا يتآمر الامبرياليون في السويد فيمنحون الجائزة لامرأة تكتب قصصا صحفية عن الماضي ، وزادت شكوكي بنوايا الاخوة في ستوكهولم حين خرجت علينا الفائزة لتقول انها لم تتوقع الفوز ولهذا لابد ان تشكر السويد على هذا الخبر الرائع،. .لكن شكوكي تبخرت عندما حصلت على كتبها فقرأتها بمتعة ودهشة ، خصوصا روايتها ” ليس للحرب وجه أنثوي ” عن ضحايا الحروب من النساء ، تحفة ادبية مثل تلك التحف التي صدرت عن مآسي الحروب ، التي عرفناها من خلال “صوت الرجل”. فنحن جميعًا أسرى تصوُّرات “الرجال” وأحاسيسهم عن الحرب،. أمَّا النساء فلطالما كان هناك اصرار على يلذن بالصمت.، من يتذكر نساء الموصل اليوم ؟!.
العام الماضي منحت الجائزة إلى المغني الأميركي وكاتب الأغاني بوب ديلان الذي كان مثلنا قد اصابته الحيرة وهو يسمع اسمه يتردد في الفضائيات ، فقال للصحفيين وهو ” يهرش ” مقدمة رأسه :” أن احتمال حصولي على الجائزة كان بالنسبة لي مثل احتمال صعودي إلى القمر.
فهل كان مظفر النواب بحاجة الى ان يحلم بالصعود الى القمر ؟ كنت اتمنى قبل ان يقرر اتحاد الادباء ان يبحر بالنواب صوب عاصمة نوبل ، ان يطالب الحكومة بتسمية ساحة عامة باسم مظفر النواب يتوسطها نصب كبير لهذا الرمز العراقي تكريما له ، وهذه النصب هي التي تعيد للأوطان توهجها وتربح لها حروبها ضد الظلم والاستغلال ، وتكون شاهداً على تاريخها. ففي باريس لايزال فولتير يذكّرهم بسنوات التعصب وقيمة التسامح ، وفي برلين يجلس ماركس مستغرباً كيف استطاعت الرأسمالية ان تجعل جميع الذين يعيشون على أراضيها مواطنون متساوون بالحقوق والواجبات. فيما لندن خرجت عن المألوف وأصر برلمانها ان يضع في ساحته الرئيسية تمثالا للمهاتما غاندي .
كنا نأمل في بغداد بعد أن تسلمها قادة ” ثوريّون ” أن يدركو جيدا ان طريق التغيير عُبِّد بتصميم ومثابرة وعمل ، رموز هذا البلد ، الجواهري ، وغائب طعمة فرمان وأبو كاطع ، وجواد سليم ، وحقّي الشبلي ومظفر النواب الذين حلموا بعراق متطور .
رموز البلدان يجب ان تكرمهم بلدانهم ، قبل ان تطلب من نوبل واخواتها ان تمنحهم جائزة . فهم الجزء الاهم من مجد الشعوب والبلدان. اما المؤامرة ” النوبلية ” فهي بالتاكيد نكتة تضاف الى نكات كثيرة يتداولها هذه الايام السيد نوري المالكي عن ” اللحمة الوطنية ” .