بعد أن تمكن العبادي من إبعاد سيف الإصلاح الصديء عن رقبته بمظروفه المغلق، ها هم الآن يحاولون الإجهاز عليه مرة أخرى بشكل صريح ومكشوف. الكورد تحفظوا على مغلفه المختوم. زعيم المجلس الإسلامي الأعلى وهو واحد من أقوى حلفائه، ، سارع، بعد إعادة تسميته زعيماً لكيانه السياسيى لأربع سنوات قادمة، الى القول هذا اليوم (الأحد): أن الحكومة المستقلة يجب أن يترأسها مستقل. منطق سليم لا سبيل الى الطعن فيه كفكرة على الأقل، علما أنه هو نفس الموقف الذي اعلنه القيادي المجلسي بيان جبر صولاغ عندما دعا العبادي قبل حوالي شهرين الى تشكيل حكومة التكنوقراط. أي أن المجلس كان منذ البداية قد صمم على أن يشمل التغيير رئيس الوزراء بهدف إنهاء إحتكار حزب الدعوة للسلطة في عهد الجمهورية الثانية.إتحاد القوى ردّ مقترح العبادي بتورية مفضوحة عندما اشترط أن يكون التغيير شاملاً، فمن أين يأتي العبادي بالتغيير الشامل؟، أما زعيم التيار الصدري، المتصدي بشكل شخصي ومباشر لطلب الأصلاح، فقد هدد بسحب الثقة من العبادي في حالة فشل الأخير بالحصول على تصديق البرلمان لكابينته الإصلاحية العتيدة، وهو حساب صريح بذنب غيره، لأن زعيم التيار الصدري يعلم قبل الجميع أن مثل هذا التصديق ليس بيد العبادي وليس متيسرا ولا يمكن تحقيقه إلا بمعجزة.يبدو أن العبادي نفسه كان على يقين وهو يقدم مظروفه المصمت الى البرلمان أن التغيير بهذه الطريقة غير ممكن، وأن مارثون تشكيل الحكومات الطويل والمألوف بعد 2003 لا يمكن أن يختزل بمظروف، غير ان العبادي أدار الأزمة بشئ من الدهاء غير المعهود، بعد أن تناهى إليه من خلال حزبه، أو ربّما استشف بقراءته للوضع من حوله، أنه قد أصبح وحزبه هدفاً لحلفائه.أولاً، أنقذ العبادي السيد مقتدى الصدر من “الخيمة-الخنقة” التي وضع نفسه فيها. لقد أصبح السيد مقتدى بتياره الذي يعبر عن نبض الفقراء والمسحوقين كما يقال، وحيدا في الساحة أمام سد منيع من البيروقراطية ومراكز القوة الفاسدة، لا يستطيع أن يظهرَه ولا يستطيع له نقباً ، وأصبح منظر الخيمة بائساً عندما خرقوا موعده ووعيده، بقصد على ما يبدو مرتين خلال اسبوع واحد، كأنما ليبرهنوا له ولتيّاره أنه لا يملك السطوة والحيلة التي تمكنه منهم، ولهذا سارع السيّد الى اقتناص فرصة عملية إيصال البريد التي قام بها العبادي ليأمر أتباعه بإنهاء الإعتصام ويعود الى النجف دون أن يعلم ما الذي أودعه العبادي لدى الجبوري سليم.ثانيا، حقق العبادي وحزبه الداعم الوحيد لمظروفه المغلق حقيقة المقولة الشهيرة: إشتدي يا أزمة لتنفرجي، وأية أزمة كانت تلك التي التفت على رقبته؟. لقد أدرك العبادي أن هناك تواطؤاً لإزاحته والتخلص منه، وربما تقويض أجنحة حزبه وتقليم أظافره. رأينا كيف هدأت شائعات التفاعلات داخل الحزب وإئتلافه السياسي الذي يقوده، دولة القانون، وخبت جذوتها، ليس حباً بالعبادي وإنما لإدراكهم أن العبادي ربما كان آخر دعوجي في سدة الحكم، في هذه المرحلة، إذا سحب البساط من تحته رجليه، ولو أن الحزب كان واثقاً من إمكانية إعادة تسويق المالكي أو الدفع بالرجل الثاني، علي الأديب، الى الواجهة لما تردد في الإنضمام الى الجبهة المضادة للعبادي، تشفياً على الأقل.ليس هناك رضا على العبادي من أية جهة، لأن الرجل في الواقع لم يفعل شيئاً ولم يتقدم الى الأمام خطوة واحدة في أي ملف وانحدر بالبلد الى هاوية الإفلاس في طريقه الى درك التشرذم والتقسيم ، وربما كان التوافق عليه وتسمية رئيسا لمجلس الوزراء بديلاً عن المالكي، هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه الجميع.تخلت عنه مراكز القوة والمال التي كانت تدعم سلفه، ومن يستطيع أن يسبر عباب العراق المظلم بلا عدة وعدد؟، أمّا شركاؤه فقد استغلوا الوضع لتعويمه وتحقيق المكاسب بدلاً من دعمه وإسناد ظهره المكشوف، فكان أن لجأ العبادي الى ركنين، إعتقدهما مكينين، لكنه ربما لحقته خيبة كبرى في النهاية بسببهما.تبنّى لازمة الإصلاح ومن ثمّ قفل حكومة التكنوقراط بإلحاح سمج رغم يقينه أن الإصلاح الذي يسعى له صعب المنال إن لم يكن مستحيلاً حتى ولو اقتصر على تغيير بعض الوجوه، محاولا بذلك أن يتغدّى بخصومه قبل أن يتعشوا به، ومن ثمّ لاذ بحضن الأمريكان – ربما بسبب خلفيته الإنكليزية- يستمد منهم القوة وتعويض الدعم الذي خسره، إلا أن فاتورة الأمريكان كانت حساسة للغاية وخطيرة وأصابت العبادي بمقتل.إشترط عليه الأمريكان الحد من نشاط الحشد الشعبي الذي ينظرون اليه كميليشيات طائفية، بل وعملوا من خلال العبادي بالذات على إبعاده وقطع التمويل عنه لحساب تقوية الجيش وتشكيل أفواج الدفاع الوطني التي ينظر اليها الحشد الشعبي بدوره ، ، على أنها ليست سوى ميليشيا طائفية أيضاً ، بل وذات وشائج مع الإرهاب ، تهدد نفوذه وتجعل نسيج المجتمع العراقي في خطر كبير، وهو، إذا أخذنا منطق الأمريكان في الإعتبار، موقف مفهوم.جاء رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في مكتب المرشد الإيراني الاعلى الى العبادي وقدّم له عرض الفرصة الأخيرة بإعادة تبني الحشد الشعبي والرجوع الى حضن “الأم الحنون” غير أن العبادي كان قد وصل مع الأمريكيين الذي أخذوا بزمام المبادرة في الرمادي والموصل، الى نقطة اللارجعة، فلا هو بقادر على إدارة ظهره للأمريكيين ولا هو براغب في تبني خط إيران وحلفائه لأن من شأن ذلك أن يصل بالأمور الى الصدام، أو الى مفترق طرق غير قابل للإلتقاء من جديد.
ذلك ما استعدى عليه ايران وتسبب في إرتخاء الموقف الساند للمرجعية التي أصبحت تركز على الإصلاح فقط دون أن تكون مع او ضد العبادي، وحياد المرجعية في الواقع نوع من الإستغناء عن الخدمات، أما الحلفاء فقد وجدوها فرصة لإنهاء احتكار حزب الدعوة للسلطة، بينما يتربص الشركاء من بعيد لنهش ما يمكن أن تصله أظافرهم وقضم ما يمكن أن تناله أسنانهم والتهام ما تسعه بطونهم، وإن غداً لناظره لقريب، ولك الله تعالى يا عراق الخير[email protected]