عرفت اللامركزية على انها درجة عدم تركيز السلطة , أي ان السلطة يتم تشتيتها وتوزيعها بين السلطات المركزية والمستويات السياسية المختلفة أي على مستوى صعيد الدولة كافة أي انها كمفهوم شامل وعام هي نقل السلطة من المستويات التشريعية كانت او التنفيذية أي من المستويات الحكومية المركزية الى المستويات الحكومية المحلية الدنيا . حيث يتصل نظام اللامركزية السياسية بالتنظيم الدستوري للدولة و يقوم على حساب الوحدة التشريعية و التنفيذية و القضائية فيها و يتمثل هذا النظام بالولايات و المقاطعات و الأقاليم في الدول المتحدة اتحادا مركزيا أو الدول ذات النظام الفيدرالي . و يتناسب نظام اللامركزية السياسية في الدول الكبيرة الحجم ذات القوميات و الديانات و اللغات المتعددة و يؤكد الفقهاء أن الولاية في اللامركزية السياسية تسهم في إدارة الدولة و تقاسمها مظاهر السيادة بالرغم من أنها تفقد شخصيتها من الناحية الخارجية لمصلحة الدولة الاتحادية التي تحتفظ بتمثيل جميع الولايات أو المقاطعات لدى الدول المستقلة الأخرى فاللامركزية السياسية تعني تفويض السلطة السياسية أو نقلها من كيانٍ إلى آخر وتكون عموماً من كيانٍ أعلى إلى كيانٍ أدنى ويتمّ ذلك غالباً بتخويل السلطات الدستورية المحلية الصلاحيات اللازمة للقيام بوظائف أو مهام معينة أوكلت إليها. وهي تستند أساساً على مفهوم نقل الوصاية وهو يفترض أن تحظى الكيانات المحلية بسلطة سنّ التشريعات . اللامركزية السياسية كأحد مظاهر تنوّع النظم السياسية تقترب من الفيدرالية حيث يكون للإقليم اللامركزي سلطة التشريع أي يستلزم وجود سلطة تشريعية محلية (برلمان محلّي) وسلطة قضائية وبالتالي سلطة تنفيذية تكون وسيلة لتنفيذ ما يصدر عنهما (حكومة محلية). ويُعتَمَد هذا النظام السياسي اللامركزي في الدول التي تتّسم بتنوّع ثقافي أو أثني على نحوٍّ خاص بغية تحقيق توازن بين مصالح المكوّنات المختلفة للدولة عبر ضمانات دستورية تحيل دون طغيان مكوّن على آخر خاصّة في حالة تباين التناسب بين حجم هذه المكونات. اما اللامركزية الادارية فتعني توزيع الوظائف الإدارية للدولة بين الحكومة المركزية و بين هيئات محلية أو مصلحية لها شخصية معنوية مستقلة و لكنها تعمل بإشراف و رقابة من الحكومة المركزية فالمركزية هي الأساس والأصل واللامركزية هي الفرع ، فإذا كانت المركزية هي تجميع كافة الصلاحيات في يد هيئة واحدة في جميع أنحاء الدولة فإن اللامركزية الإدارية هي نقل بعض الصلاحيات إلى هيئات مستقلة لتمارسها بالحدود التي يسمح بها القانون دون أن تفقد الهيئة المركزية رقابتها على الهيئات المستقلة المنشأة و دون أن تفقد الدولة ترابطها و وحدتها . من جهة اخرى فان فاللامركزية الإدارية هي تقنية لتنظيم الإدارات تقوم على توزيع الاختصاصات داخل المؤسسة نفسها أو انطلاقاً من الإدارة المركزية نحو إداراتها اللاممركزة وذلك في تعارضٍ مع مفهوم التمركز كنظامٍ إداريٍّ تتكثّف فيه سلطة اتخاذ القرارات في قمّة هرم الدولة أو المؤسسة، وبهذا المعنى تكون اللامركزية الإدارية هي نظامٌ للإدارة المحلية أو للإدارة الذاتية مع الإبقاء على وحدانية السلطة السياسية وخاصّة وحدانية
سلطة التشريع. ويتيح هذا النظام مرونة وسهولة في اتخاذ القرارات الإدارية من قبل مؤسسات أو أشخاص على دراية وخبرة أفضل بالأمور والشؤون المحلية من سلطات المركز والقائمين عليها. ويمكن اعتماد هذا النظام لاعتبارات عديدة مختلفة من اقتصادية أو جغرافية أو ديمغرافية.
من هنا فقد يختلط ويتداخل لدى كثير من الناس مفهوم اللامركزية السياسية بمفهوم اللامركزية الادارية وهما في الحقيقة امران مختلفان، فاللامركزية السياسية لا توجد في الدول المركبة التي تتوزع فيها السلطة والقوة والسيادة والحكم بين العديد من المراكز القانونية والسياسية طبقاً للصيغة الدستورية والسياسية التي تقوم عليها مثل هذه الدولة وهي – اي اللامركزية السياسية- لا توجد في الدولة الموحدة او الدولة البسيطة التي تقوم على فكرة الدستور الواحد والسيادة الواحدة والحكومة الواحدة تشريعاً وتنفيذاً وقضاءً، وابرز مثال على نماذج الدولة المركبة هو انموذج الاتحاد الفيدرالي -الاتحاد المركزي-، ومن اهم وانجح صور الاتحاد الفيدرالي ((الولايات المتحدة الامريكية)) ففي هذه الدولة هناك الحكومة المركزية ولها دستور هو الدستور الاتحادي واختصاصات وصلاحيات الحكومة المركزية تتمثل فقط فيما هو محدد في الدستور الاتحادي وتدور حول ما هو عام للاتحاد المركزي من أمن ودفاع وسياسة خارجية واحدة وهوية وشخصية دولية واحدة واما ما عدا ذلك فهو يدخل ضمن اختصاصات ولاياتها الخمسين التي تتشكل منها هذه الدولة، ولكل ولاية دستورها الخاص وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ولها حاكمها الخاص الذي هو بمثابة رئيس لهذه الدويلة، والعلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية تتحدد حسب الدستور الاتحادي والدساتير المحلية، وفي حالة ظهور أي تضارب في الصلاحيات بين اية ولاية والحكومة المركزية او بين ولاية وولاية أخرى فان المحكمة الفيدرالية العليا هي التي تبت وتفصل في الامر وحكمها فوق الجميع.
وفيما يتعلق باللامركزية الادارية فهي توجد في كل الدول المركبة منها والموحدة على السواء ووجودها في الدول المركبة هو من قبيل تحصيل الحاصل لان اللامركزية السياسية فيها تشمل اللامركزية الادارية واما بخصوص وجود اللامركزية الادارية في الدول الموحدة فهو يرتبط في وقتنا الحاضر باتجاه اغلب الدول والمجتمعات السياسية المعاصرة نحو الديمقراطية والمشاركة بمفهومها الموسع السياسي والاداري والاجتماعي والاقتصادي وبرغبة اكثر للدول الموحدة في توزيع الوظيفة الادارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين الهيئات المحلية الاقليمية أو المصلحية المرفقية تمارس سلطاتها مستقلة في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخدمية بوجه عام وفي الحدود المرسومة لها من قبل المشرع وتحت رقابة ووصاية الادارة المركزية .
حيث تعتبر اللامركزية السياسية من الانظمة الناجحة في الحكم وهي احدى سمات النظام الديقراطي , فقد اخذت الدول المتقدمة تميل الى اتباع اللامركزية لانه
اصبحت معلماً من معالم تقدمها بعد أن كان النظام المركزي هو السائد فيها . أن فوائد اللامركزية السياسية في نظم الحكم انها تعمل على عدم الاستئثار والتفرد بالسلطة وكذلك تزيد من فرص المشاركة السياسية في الحكم من قبل افراد المجتمع وتساهم في تعزيز الوحدة الوطنية في الدول المتكونة من شرائح اجتماعية وقوميات مختلفة . ان الهدف من الاخذ بنظام اللامركزية في اغلب الاحيان هو لتحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد والتي تسعى من خلالها تحقيق بعض الغايات من اهمها زيادة فعاليات توصيل واداء الخدمات العامة وزيادة الاستغلال الاداري من خلال تقليل التدخلات الادارية المركزية والسماح بزيادة المشاركة المجتمعية في الشؤون العامة وزيادة العدالة في توزيع الموارد وزيادة التنمية المجتمعية وزيادة درجة الشفافية والمحاسبة للبيروقراطيين والممثلين المنتخبين للمؤسسات السياسية .
ان اللامركزية هي حق من حقوق الانسان وهناك وثائق اشارت الى العلاقة المتداخلة مابين الديمقراطية وحقوق الانسان من جانب واللامركزية السياسية من جانب اخر ومن الامثلة على ذلك المادة (21) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي نصت على ” ان لكل شخص حق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة ” , وبالاضافة لهذه الوثائق العالمية فأن ثمة وثائق اقليمية عديدة قد اشارت الى ان كلا من الديمقراطية واللامركزية هما من ضمانات حقوق الانسان كالمادة (20) من الاعلان الامريكي لحقوق وواجبات الانسان . ان اللامركزية السليمة تحتاج الى مجتمع مدني قوي ليحميها فهو القطاع القادر على مراقبة اطراف الحكم المحلي المختلفة وهو القادر على القيام بدور المدعم والوسيط بين المواطنين من ناحية واجهزة الحكم المحلي المنتخبة والتنفيذية من جهة ثانية , كما ان منظمات المجتمع المدني يمكنها ان تلعب دور محوري في تقييم جودة الخدمات التي تقدمها الاجهزة المحلية للمواطن , كما يمكنها توفير آلية للشكوى ورصد وتوثيق الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يتعرض لها المواطن .