5 نوفمبر، 2024 8:48 ص
Search
Close this search box.

مظاهر التربية الخاطئة تعكس اثارها السلبية في تصرفات الاجيال

مظاهر التربية الخاطئة تعكس اثارها السلبية في تصرفات الاجيال

فكرة الكتابة لهذا الموضوع كانت حينما تعرض احد رموز الاعلام العراقي قبل عدة اشهر لحادث اعتداء مُشين على يد مُنتسبي الاجهزه الامنية المُكلفة لحماية المواطن في العراق. ولم تكن نيتي حينها في استهداف تلك الاجهزة أو من كانت تقف وراءها، ولا في مُطالبة الجهات المختصة بالاقتصاص من الافراد البائسين لتلك المفرزة ، كما فعل العدد القليل من وسائل الاعلام التي اشارت الى تلك الحادثة كعمل غير مألوف. مُناقضاً بذلك الحقيقة؛ أن مثل تلك الاعتداءت هي الصفة الغالبة على تصرفات غالبية الافراد في معظم بلدان العالم الثالث ومنها العراق. حيث المرء يُدرب على تَقمص الادوار المختلفة التي تُفرض عليه حسب اختلاف الظروف. فتارة تراه يتمثل في دور الجلاد الذي يحاول الاقتصاص من ضحيته بابشع وسيلة وتارة يكون هو الضحية فيستجدي الرحمة! ولكن رغبتي للكتابة في هذا الموضوع كانت للاشارة الى العلاقة المباشرة بين الاساليب التربوية الخاطئة المتبعة في تلك البلدان ومظاهر التخلف مع نتائج تصرفات الافراد اللا مسئول. وانه في تلك الظواهر التربوبية البالية تكمن اسباب سوءاستغلال السلطة، الانخراط في صفوف الارهاب، التدخل الاحمق في شؤن القضاء، وفي تتابع المهوسين بالحكم والمتغطرسين في تلك البلاد، لنبش خيراتها والاستهتار بآهلها.

وفي البداية أردت تبويب الموضوع في عدة مداخل اتناول فيها بالتناوب، المظاهر الوراثية والبيئية والاجتماعية والتربوية كل على حدا. مُنوها الى تأثيراتها المُباشرة وغَير المباشرة على تصرفات الافراد واهميتها في استقرار وتقدم المجتمع. وان اُسنِد ما اعرض بادلة مُستقاة من الابحاث المستمرة التي تجريها الدول المتقدمة في تلك المجالات ودأبت جادة بترسيخ مفاهيمها في المجتمع منذ بدايات القرن الماضي. و اقتبس من اعمال بعضٍ الاسماء البارزة التي ادخلت مفاهيم جديدة اليها واحدثت  طفرات عليها. منهم دراون مثلاً في نظرية الشهيرة في التطور، وفرويد في الأنا الشهيرة وجبسون في الادراك والعالم الروسي يوري في النظام البيئي وبولبي وميلان في علم الاجتماع و اركسون وغيرهم كثيرين، اللذين تملكوا الشجاعة في الغوص في بحور كانت مجهولة حتى لوقت قريب نسبيا. فخرجوا بمفاهيم جديدة جريئة مناقضة لمألوف المجتمع في طريقة تفسيرهم للدواخل البشرية و تحليلاتهم للعقل الباطن، في مثيراتها ومتئثراتها. مركزين على اهمية السنين الاولى من نشئة الطفل الى حياته المستقبلية.

وسواءٌ اجتمعَ الاتفاق مع كل مكنونات تلكَ النظريات او تم دحض بعضها، الا ان الحقيقة التي لا يمكن انكارها هو انه تم الاقرار على ان تلك الابحاث الاولية مهدت من الطرق الواسعة لظهور مدارس عديدة مختلفة في ارائها ومتشعبة في فوائدها. فحثت على التربية المبكرة واهمية الاهتمام على والكيفة التي يفكر البشر، واثر المؤثرات المختلفة على ذلك. وفي امكانية بلورة تلك المؤثرات لأتقاء نتائجها السلبية. ومن بعض أشهر الامثلة للمدارس التي اقتبست من تلكَ الاعمال المهمة، تبنتها او طورتها، مثلا لا حصراً هي مدرسة العالم السويدي بياجيت الذي ترك بصماته القيمة في كيفية قرآة مايجول في عقل الطفل منذ ايامه المبكرة وذلك بمراقبة نظراته وتحركاته. و بذلك قد خرج بتفسيره الرائع لمراحل التطور المعرفي التي يمر بها الاطفال خلال سنينهم الاولى.  ثم واطسن في نظريته السلوكية … و لوكمان و مونيشون وغيرهم الذين ربطوا بين جميع مايعانه الفرد من من مشاكل وامراض (العضوية منها ام غيرها) كناتج محصلة تفاعله مع المحيطين به، وكذلك روجرز في دراساته المتعلقة بالفامنزم. وهناك الالاف من الاسماءغيرهؤلاء اضافت الى هذه النظريات، ساهمت في تحسينها او ناقضتها. لان علماء تلك المجتمعات امنت في امكانية التغير وادركت بأن ذلك لن يتم بين ليلة وضحاها، بل عملية تحتاج الى جهود مستمرة ومظنية. فاثمرتها واعية على اهمية العوامل المدرجة اعلاه.

ونكون قد أجحفنا مثل الغربين لو انكرنا تعاليم رسالة الاسلام والنبي القروي الامي، الذي ائتم انبياء الاقوام الاخرى جميعا حين اُسريَّ به من المسجدِ الحرام الى المسجد الاقصى في نهجه.  حيث وضع اسسا وقواعد في تحسين المجتمع بداء من حُسن التعامل مع الطفلِ والشيخ؛ اليتيم والمسكين؛ والمرآة الام والاخت والزوجة؛ ومع السائل والاسير والعبد؛ الجار القاطن والعابر، و المسلم واهل الكتاب؛ الحيوان والجماد.  وغيرها من المفاهيم التي توصل اليها واقرَّ اهميتها عُلماء الغرب بعد اكثر من الف ونيف من الاعوام.  ومع هذا نجد ان اغلبية المجتمعات الاسلامية فضلت الالتصاق في مظاهرها العشائرية البالية وابت من تركها او تطويرها فشوبت لغير العارف بها حتى مفاهيم تلك الرسالة الجليلة بالضنون.  فلا يزال الذكران في تلك المجتمات مرغمون في ابداء الخضوع لشيوخهم وكل من يزيدهم قوة اونفوذا.  خضوعا خارج مقايس الطاعة المباحة ضمن السلم الوظيفي او المرتبي او الاخلاقي. … ولا تزال المرآة(الام والاخت والزوجة) في تلك المجتمعات تعاني من الامرّين كما عانت امها في عصور الجهالة.  فهي مهانة في بيت ابيها ومنذ لحظة دخولها بيت الزوج تتحول الى اسيرة لتلبي رغبات ومطاليب سيدها المستأسد المتجبرفي البيت…

ولا غرابة من ان نجد بأن المواطن العادي مثلاً يدفع من قوت اطفاله لأدامة  ديوانية ذلك العالة المتسلط بمختلف اسمائه، سواءُ ء كان شيخا متسلطا، معمما، شرطيا في الامن او برلمانيا عضوا في الحكومة.  او حين  يساهم في ارسله وذريته الى مضاجع الدول المتقدمة للاستجمام اوالدراسة او للعلاج. حيث يُصرَف عليهم مصاريف تكفي لبناء مستشقيات ومدارس في الوطن، يكفيهم والفقراء اللذين يَصرفون عليهم

وجدير بالذكر ان لنفسية الوالدين في اكباتها ومعاناتها المتراكمة اثار لايحمد عقباه في تكوينة  شخصية اطفالهم  المستقبلية. حيث ان الجنين ومنذ اللحظات الاولى من دورة حياته وهو يجادل من اجل البقاء، يتأثر من تلك الاكبات المتشنجة والظروف القاهرة المصحوبة بالآلام والاوجاع المزمنة التي يستقبلها من والديه. وبالاخص من حاضنته المتمثلة بآمه. حيث انها تغذيه بها مع الغذاء المحمول له من دمها. وهي بذاتها غالبا ماتكون اضعف الاطراف التي تعاني من تلك العوامل القمعية وبلا هوادة. كناتج لتعرضها الدائم الى مفاهيم مجتمعية قهرية وخاطئة. حيث ان المحيط تفرض عليها من الاوامر البالية والتي قد لاتتفق مع وعيها وادراكها ولكن عليها أن تتقبلها و تكبتها في دواخلها شأت أم ابت كما فعلت أمها من قبل.

وأنه في جملة تلك المظاهر الاجتماعة المترسخة والأساليب التربوية البالية وعدم الاكتراث في التنشئة المبكرة للفرد، تكمن سلوك الافراد اللامسؤل ونتائجها العكسية على نموا وتقدم المجتمع.  واقتبس من الباحثة الانكليزية  دبرا اليكوك في تشبيهتها لتكوينة الافرد على شكل حلقات تماثل حلقات جلدة البصل، وادعائها انه قد ترسخت تحت كل جلدة من تلك العوامل المؤثرة في سلوكية الفرد،  متأثرةَ في كيفية تعامل وقبول الاخرين له.  و ربماهذه تكفي كدلالة عل ان اي محاولة جادة لتطوير المجتمع يجب أن يبدأ من التعامل السليم مع الفرد وتحسين تربيته منذ اللحظات الاولى من بدء تكوينه.  ففيها تكمن سرّ امكانية تحسين بقية العوامل الاخرى ومنها البيئية والوراثية والاجتماعية ايجابيا.
 
وما اعنيه بالأساليب التربوية السيئة، هي تلك الطرق المتبعة في تربية الطفل  والتي يتأثر بها في مراحل حياته المختلفة، من كل من هم على اتصال مباشر او غير مباشربه.  بدءاَ من مجتمعه الصغير المتمثل بالوالدين وافراد اسرته المحيطين به.  وتأثيرات بعضهم على البعض الاخر على  حسب اختلاف درجة القرابى والقربة بينهم. انتهاءا الى تلك الارهاصات التي يتعرض لها الطفل من محيطه الخارجي او المجتمع الاوسع المتمثل بالمدرسة والمنطقة او المحلة الذي يتربى فيها.  وأنه للمؤسسة العلمية او التعلم المباشر من المدرسة خصوصا الدور الاهم وابلغ الاثر في كل ذلك.  لانها وجدت اساسا من اجل تربية الطفل وتهيئته على اسس وقواعد علمية صحيحة وسليمة لا يرتقيها الشكوك ولا الضنون.  بينما يُحذى بالمعلم في مجتمع مثل العراق كقدوة بل رسول يقتدى به الطالب في مراحل حياته المختلفة وفي طريقة تصرفاته وتعامله مع الاخرين. فما بالك لو انَ هذه المؤسسة العلمية هي نفسها مشوبة، متهرئة وبالية وترتكز على ركائز قديمة ومتعفنة.  وأغلب من في ادرتها متخلفون عاجزون عن تطوير انفسهم فكيف بهم في مصائر الاجيال.  وان ذلك المعلم الرسول ليس الا فقاعة او وغف مخادع واول مايتعلمه الطفل منه هو في كيفية الاخضاع و كيفية الخضوع للآخر بفرض القوة.  وان سرقوة المعلم واحترام الطفل له يكمن في عصاه قبل علمه.  ويتحاشاه خشية من تعرضه للاستماع لكلمات نابية وتعليقات متداولة مستمرة يستخدمها في احباطه وتجريحه كأستخدام رجل الشارع الغير المؤدب له!

واذا كان المعاملة اللفظية النابية واستعمال القوة شيء وارد مع الطالب الصحيح المعافى ليخلف اثارا سلبية ونتائج جانبية ونفسية عليه.  فما بالك مع الطالب الذي يعاني من عوق جسدي او يعاني من صعوبة في التعلم حين يحشر للمقارنة العلمية الغير العادلة مع من لا يوازونهم في الكفائة من اقرانهم في قابلياتهم ومؤهلاتهم العقلية والبدنية!

منوها بان الابحاث المقارنة تركز الى مدى بلاغة الاثار النفسية السيئة التي تتركها مثل تلك المعاملات اللفظية الغير سليمة على شخصية الفرد.  والتي تفوق في  اثارها تلك الناجمة من استعمال قوة العضلات حين التعامل مع الطفل او حين  حثه على التعلم.  و السؤل المحير هو، هل ان المربي (الوالدان) اوالمعلم على وعي ودراية على تلك الاضرار الذي يخلفها سوء معاملتهم  تلك مع الاطفال. فاذا كان الجواب بنعم وهو يصر عليها حينها يجب توبيخه ومحاسبته، واما اذا لم يكن عارفا بها فيجب توجيهه و تدريبه. لان عقبة ذلك ليس على الطفل فحسب بل المجتمع ككل. لان الطفل حين تعرضه لمثل تلك المعامل يسجل تفاصيلها الدرامية في دماغه بلا دراية او وعي و لكنه يتقبلها على قناعة انها مقبولة.  و لاشك من انه سوف يكررها كلما ارتقى في مراحله اما مَخضوعا يتقبل  مثلها او مُخضعا يفجر غضبه في كل من هو تحت امرته، سواء كان اهل بيته او المحيطين به، ظننا منه على انها الطريقة المثلى للتعامل بين الافراد. فذلك الاب والمعلم والضابط والرئيس القاسي قد نشأ على ذلك المنوال من التربية ويكررها على انها صحيحة.

والى هذا الحد انهي الكتابة في هذا الموضوع الذي كنت قد اهملته كل هذه الشهور،  من دون الخوض في تفاصيلها الدقيقة او التبويبات الذي اشرت اليها اعلاه. ضانا انه لن يجدي نفعا في مجتمع لايزل يحن الى العشائرية و ينادي في ترسخ تشريعاتها، و طفح فيه كيل الاشرار اللذين يحاولون في ابقائها على ردائتها، كئيبة ملوثة صالحة لاستثماراتهم.  والخص ما كتبت بان معانات مجتمع مثل العراقي يكمن في ردائة الاساليب المتبعة في تربية اجياله.  فلا يزال استخدام القوة و الكلمات النابية هي الصفة المثلى للتعامل بين شرائح المجتمع المختلفة. و لاتزال المؤسسات التعليمة من ابنية ومعدات وكوادر متخلفة ومهملة.  ولاتزال الانثى تعامل معاملة لاتليق بانسان ومحرومة من حقوها التي اقرها لها دين الاسلام والاعراف الدولية.  و بدوري اناشد المثقفين الخروج من قوقعتهم والقيام في دورهم و واجباتهم تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه.  مثلهم في ذلك مثل المثقف في الدول التقدمة  الذي لم ييأس من ترديات القرون الوسطى، و واظب في البحث المستمر للارتقاء بمجتمعه الى واقع افضل.. و حث الحكومة في تحديث المؤسسات التربوية والاهتمام بتنشئة الطفل و الحقوق المقرة للمرآة.

ملاحظة مهمة:  لم اعني كل معلم او ولي امر في كل ما ذكرت اعلاه بل ان لكل قاعدة شواذ، وانه هنالك منهم من يستحق تقبيل اليد، ومع ذلك فانه يشارك الرديء جريمته حين يسكت عنه اويغض البصر عن فعلته. واندب ايضا ذلك الولي الذي يوكل مصير اطفاله لمدرسة من دون متابعة ما يتعرضون له فيها من احباطات ولايتدخل في منعها او ايقافها

أحدث المقالات

أحدث المقالات