مقدمة
الفكر هو عمل العقل في الوصول الى المجهول من خلال المعطيات والقرائن وقواعد العلوم العامة. ويعتبر من نتاج الانسان وهو ما يميز البشر عن الحيوان، حيث يتمثل الفكر للمنطق العقلي، ويعتبر كذلك من نتاج التراكمية الايجابية ونتاج الانسان على مر العصور، ولكل فرد فكره الخاص الذي يمايزه عن غيره من ابناء جلدته ، وحتى عن اشقائه واقاربه، حيث وقد يشترك فيه بعدة امور مع اشخاص اخرين ، لكن وكما سالفت توجد امور كثيرة تعتبر من خصائصه الفكرية ، حيث ان الطرف الذي يتربى ويعيش بين اكنافه لا بد ان تكون متباينة ومختلفة مع أي شخص اخر، وحيث ان القاعدة المنطقية العقلية تشهد ان الفكر المستنير هو من نتاج العقل الرزين ونتاج التربية السليمة وحصيلة البحث العلمي ومحاولة الاحاطة بالامور.
وللفكر المستنير العديد من الاثار فمنها الذي يمكن الانسان من فهم الامور فهما علمياً لا يتجزاء ولا يبتعد عن الواقع ، وهو الذي يقود صاحبه الى بر الامان، والفكر وكما ذكرت هو نتاج العقل لذا فهو من خلق الله الذي به يثييب وبه يعاقب من خلال ادراك الصالح والطالح من الاعمال ، اضافة الى ان الفكر المستنير هو الذي يحل المشاكل من خلال تحديد الاسباب ويحدد الحلول ، فعلى سبيل المثال عندما يصاب المرى بمرض عضوي ، يقوم الطبيب اولا بتحديد اسباب المرض وبعدها ينتقل الى وضع الدواء لهذه العلة.
اولا: الدين الاسلامي منهج رباني
v الدين الاسلامي ولكونه رسالة كونية خالدة وشاملة لجميع شؤون الفرد واكثر من ذلك، فلا يوجد امر اوقضية او مسألة لا يوجد للاسلام فيها حكم، وقبل الخوض في وزن الفكر الاسلامي نرى من الواجب ايضاح امرين؛ الاول هو فهم الاسلام كدين سماوي صالح للتطبيق في كل زمان ومكان ، الامر الثاني هو ان الاسلام منهج رباني يحتوي في عمقه حلولا لكل قضايا البشرية . السبب في ايراد هذين الامرين هو تجنب المقارنة بين الاسلام وواقع المسلمين ، شتان بين الاسلام كمنهج للحياة وبين الواقع البعيد كل البعد عن ابسط مقومات الدين المحمدي، ولكي لا نطعن في مقدرة الدين الاسلامي في حل او ايجاد حلول لكل القضايا والمشاكل التي ترهق البشرية وعلى مر العصور ومنذ رحيل مؤسس المنهج المحمدي (صلوات الله عليه وآله).
v الشريعة الاسلامية تبحث وكما يدعي المسلمون في كل شؤون الفرد ابتداء من اول ما يقابله من العائلة من الابوان بشكل خاص الى اقصى ما يصل اليه الفرد من مناصب وادوار اجتماعية وسياسية وللرسالة الاسلامية خصائصها التي تميزها عن سائر رسالات السماء ، وسماتها التي جعلت منها حدثا فريدا في التاريخ ومن هذه الخصائص:
1. ان هذه الرسالة ظلت سليمة ضمن النص القرآني ، دون ان تتعرض لأي تحريف بينما منيت الكتب السماوية السابقة بالتحريف ، وافرغت من كثير من محتواها.
قال تعالى اسمه”إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”/ الحجر9.
2. إن بقاء القرآن نصاً وروحاً ، يعني أن نبؤة محمد (صلوات الله عليه وآله) لم تفقد اهم وسيلة من وسائل اثباتها، لان القرآن وما يعبر عنه من مبادى الرسالة والشريعة كان هو الدليل الاستقرائي والذي سيبقى ما دام القرآن باقياً.
3. ان مرور الزمن –كما عرفنا- لا ينقص قيمة الدليل الاساس على الرسالة الاسلامية ، ولكن ليس هذا فقط ، بل انه ايضا يمنح هذا الدليل ابعاد جديدة من خلال تطور المعرفة البشرية واتجاه الانسان الى دراسة الكون باساليب العلم والتجربة والبرهان، وليس ذلك فقط ، لان القرآن الكريم سبق الى الاتجاه نفسه، وربط الادلة على الصانع الحكيم ، بدراسة الكون والتعمق في ظواهره، ونبه الانسان الى ما في هذه الدراسة من اسرار.
ويجد انسان العصر الحديث ، يجد اليوم في ذلك الكتاب الذي بشر به رجل امي في بيئة جاهلة قبل مئات السنين اشارات واضحة الى ما كشف عنه العلم الحديث ، حتى لقد قال المستشرق البؤيطاني (اكنبري) استاذ اللغة العربية في جامعة اكسفورد عندما اكتشف العلم دور الرياح في التقليح:
“إن اصحاب الابل قد عرفوا ان الرياح تلقح الاشجار والثمار قبل ان يتوصل العلم في اوربا الى ذلك بعدة قرون”
وفي ذلك اشارة الى ما ورد في القرآن الكريم “وأرسلنا الرياح لواقح”/الحجر22.
4. ان الاسلام رسالة شاملة لكل جوانب الحياة وعلى هذا الاساس استطاعت ان توازن بين مختلف تلك الجوانب وتوحد اسسها وتجمع في اطار صيغة كاملة بين الجامع والجامعة والمعمل والحقل ولم يعد الانسان يعيش في حالة من الانشطار بين حياته الروحية وحياته الدنيوية.
ثانيا : فهم الاسلام كمنهج رباني
ولتوضيح الامر الثاني الذي اشرنا اليه في صدر البحث الا وهو فهم الاسلام كمنهج رباني يحتوي في عمقه حلولا لكل قضايا البشرية ، فلنا ان نورد ما ذكره السيد الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه الموسوم “الاسلام يقود الحياة” ، ما نصه:
(هل الاسلام منهج للحياة ؟ ، يردد المثقفون الغربيون والمستغربون ان الاسلام دين وليس انتصار، وانه عقيدة وليس منهجا للحياة وانه علاقة بين الانسان وربه ولا يصلح ان يكون اساسا للثورة الاجتماعية.
وللجواب على هذه الاشكالات :
v الاسلام ثورة لا تنفصل فيها الحياة الاجتماعية عن العقيدة ولا ينفصل فيها الوجه الاجتماعي عن المحتوى الروحي ومن هنا كان ثورة فريدة على مر التاريخ.
v يعتبر التوحيد من اصول الدين الاسلامي ، وهو جوهر العقيدة الاسلامية ومن خلال مبدأ التوحيد يتحرر الانسان بالاسلام من عبودية غير الله –لا آله الا الله- وهذا هو التحرير الداخلي.
v وكنتيجة للتحرير الداخلي ، يتقرر تحرير الثروة والكون من أي مالك سوى الله، وهذا هو تحرير الانسان من الخارج، ومن هنا كان الاسلام ثورة اجتماعية على الظلم والطغيان وعلى الوان الاستغلال والاستعباد.
v وعلى هذا المبدأ كان الانبياء يحملون مشعلا يستقطب وعلى الدوام المعذبين في الارض والجماهير البائسة التي مزقتها اساطير الالهة المزيفة روحياً وشتتها الجاهلية الفكرية ووقعت فريسة اشكال مختلفة من الاستغلال والظلم الاجتماعي.
v تميزت الثورة التي حمل لوائها الانبياء عن باقي الثورات ، كونها نادت الى تحرير الانسان من الداخل وحثت على التحرير من الخارج، واطلقت على التحرير الاول بالجهاد الاكبر وعلى التحرير الثاني الجهاد الاصغر، كون التحرير الثاني لا يتحقق الا بعد تحقق التحرير الاولوالذي هو اصعب واكبر من الثاني.
v من اثار هذا التمايز هو ان هذه الثورة لم تضع مستغلا جديدا في موضع مستغل قديم، ولم تضع شكلا اخر من الطغيان في موضع ذلك الطغيان. كونها في الوقت الذي حررت به الانسان من الاستغلال فانها حررته من منابع الاستغلال نفسه.
v من اثار هذه الثورة انها لم تكن صراع طبقي، حيث خاض الانبياء هذا الصراع بعيدا عن الطبقية ، بل كان ثورة انسانية ، وكما ذكرنا سعى الى التحرير الداخلي تمهيدا للتحرير الخارجي، ومن التحرير الداخلي تتدفق في النفوس الخيرة كوامن الخير والعطاء.
ولذا يعتبر الاسلام منهج للحياة ينبع من باطن الفرد لتظهر اثاره على الخارج ليكون الانسان مصداقا للاستخلاف الالهي في الارض “اني جاعلك في الارض خليفة”)
ينتهي كلام السيد الشهيد محمد باقر الصدر / كتاب الاسلام يقود الحياة (ص2-5)