انطلقت مظاهرات كبيرة في الأنبار والموصل وصلاح الدين وبعض الأقضية والقصبات في غرب العراق، ولست في صدد الحديث عن تسييسها فكل الفعاليات والنشاطات ذات طابع سياسي بما فيها الشعائر الدينية ولدى الأطراف كلها… وهذا ليس عيبا فلا بأس أن توظف كل المنابر للتعبير عن هموم العراقيين، واستخدامها للمطالبة بالحقوق الضائعة ومحاربة الظلم والفساد والمفسدين وهذا لعمري هو هدف الثوار في العالم وهدف المبشرين بالأديان سواء كانت السماوية أو غير السماوية لم أجد دينا لا ينشد الفضيلة والخير ويحارب الأشرار والظالمين ولا يريد العدالة الاجتماعية. ولكن العيب حين توظف لمصالح شخصية أو طائفية أو عرقية أو حزبية ضيقة. وأن تتحول هذه التظاهرات إلى مسرح للمنافسة والتسقيط، ويدخل فيها القاصي والداني مما لا تربطه بالعراق سوى فكرة السيطرة والتقسيم وخلق الفوضى وعدم الاستقرار، وأن تكون مرتعا للحالمين بعودة النظام الدموي السابق، الذي قتل وغيب وسرق واضطهد دون كلل أو ملل وزج العراق في أتون ثلاثة حروب مدمرة ووفر المستلزمات والمبررات الكافية لغزو الوطن. وخلق أجيالا من اليائسين، وأضعف روح الوطنية لدى الكثيرين التي كانت سمة بارزة لدى الشعب العراقي بشهادة التصدي للأجنبي وخوض حروب لصالح القضايا العربية والتضامن مع الشعوب المظلومة في العالم، ومحاربة الأنظمة الفاسدة وتقديم التضحيات الجسام … ولا شك أن مجرد رفع صورة رمز من رموز النظام السابق وعلمه تعد استفزازا للمواطنين وبخاصة أولئك الذين لم يندمل جرحهم بعد … وبالمقابل علينا أن لا نصادر حق الآخرين في المطالبة بالخدمات ورفع الظلم والتمييز القومي أو الطائفي وتصحيح مسار العملية السياسية. وهذا عيب فادح، والموقف الوطني الشريف يطالب كل مواطن عراقي التصدي له.
وبالمقابل خروج مظاهرات مناوئة، للطرف الآخر وترفع شعارات طائفية أيضا، أو تأييد لشخصيات تتحمل الإخفاقات والنواقص وهي جزء كبير من الأزمة فكأنها تصب الزيت على النار، نحن بحاجة إلى مظاهرات معتدلة تناصر المطالب العادلة وتسعى لنزع فتيل الفتنة، وتحافظ على وحدة العراق؛ أرضا وشعبا ونحتاج إلى فوارس؛ أحزاب أو شخصيات عابرين للطائفية والعرقية، ومن الوطنيين – من الجهات كلها – المشهود لهم بذلك حقا لا من القوالين وراكبي الموجات وموظفي الشعارات لصالح أجندات ذاتية مصلحية لا تخدم البلد والمواطن. نحتاج إلى من يكون هدفه المطالبة الجادة بتنفيذ مطالب الجماهير. وإجبار الحكومة على خلق أجواء صالحة للحوار من خلال تقديم تنازلات مبدئية تصب في مصلحة المواطن وتكون وحدة العراق فوق كل اعتبار. وأن لم تفلح الجهود عليها أن تستجيب لعين العقل وتتوجه لانتخابات مبكرة بعد توفير كل مستلزمات نجاحها، وفي أولها سن قانون انتخابي عادل يمنع تشكيل ائتلافات على أساس عرقي أو طائفي، وتتنافس الأحزاب بمسمياتها ثم يتكون- بعد النتائج- تحالف لتشكيل الحكومة من الأحزاب الفائزة (بعضها أو كلها) كما يحدث في العالم المتمدن.
وعين العقل عندما يقرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية لتسلم مطالب المتظاهرين المشروعة وتصنيفها حسب الاختصاص. وتعد خطوة بالاتجاه الصحيح، ولكي تحقق ضرورتها ينبغي ألا يكون هدفها تهدئة الموقف وقتيا، إنما من واجبها البحث الجدي لإيجاد حلول حقيقية وواقعية، تفيد أصحابها المتظاهرين وغيرهم في عموم العراق.