الأرض تتمزق، والشعب يتفرق، وسيف الكلام يشحذ طاعته العمياء للحاكم المتسلط، لما يقارب عقداً من الزمن، في عراق ما بعد سقوط الطاغية المقبور، وبما أن الأفعال السياسية الفاشلة المتكررة، تؤدي الى ضربات قاتلة، فقد خرجت التظاهرات مؤيدة من قبل المرجعية الرشيدة، وهي تطالب وبإصرار على محاربة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، وتوفير الأمن والخدمات، وإجراء الإصلاحات التي من شأنها إنقاذ العراق، من الهدر والترهل في مؤسساته المليونية!
لا نريد للمسيرة أن تتوقف أو تعرقل، كما حذرت المرجعية من ذلك، فبرغم فداحة الخسائر البشرية والمادية، لا بد للشعب من الإستمرار في الحياة، ويجب الإنتهاء من عصر الخوارج المجانين، حتى أن العرش الملون بالجريمة سينتهي، ويعلن إعتزاله حالما تتفق القلوب والضمائر، على إشاعة الحب، والتسامح، والتعايش في عراق الصمود والتحدي، حينها سنكتب تأريخنا، كما كتبته أجساد المسيرة الحسينية، التي انتصرت فيها الدماء على السيوف!
المحاكمة العادلة الواجب تحقيقيها، هي ثمن الأرواح التائهة والمفقودة، أيام الطائفية المقيتة، ومواكب الشهداء وهم يرتمون في أحضان دجلة، رغم أنهم على وشك الدخول لعالم الأعراس، لتلقي بهم في ماء الحياة، وهي ثمن سقوط المدن وحضاراتها، فلقد دفن النبي يونس عليه السلام في حوته (إزالة مرقده)، والمعري رهين المحبسين، ففي محبسه الأول (المرض)، والثاني (هدم تمثاله) لذا سينتفض الدين، والدم، والمئذنة، والشعر على حد سواء.
ما بين صفير حكومة الفشل، التي لم تدرك أن العراقيين، لن يسكتوا عن الفاشلين والمفسدين، وسينهضون مطالبين بحقوقهم، بعدما أخذ العنف والفقر ما أخذ، بسبب مواقف متفردة ليست محسوبة، وبين زئير المرجعية الرشيدة، التي صدحت بصرختها المدوية: غيروا الوجوه الكالحة، ووحدوا الخطاب، ورصوا الصفوف، وكافحوا الفساد، فالشعب سيدون سفره المشرق، ليثبت عراقيته، وأصالته، ووحدته، ولن يسمح لأحد بأن يسلبه ملامحه، وموروثه المتجذر في عمق التأريخ.
المظاهرات فتحت باباً موصداً لزمن طويل، من اللهاث وراء لقمة العيش، ورفض مطلق للإنصياع للباطل والحقد، ورفضت مغادرة الحياة، لتحاسب حكومة العسل المر، والخريف الأحمر، فالمتظاهرون الأحرار أعلنوا المواجهة حتى الرمق الأخير، لتحقيق ما يصبون إليه، وسيروون للأجيال القادمة حكايات بيضاء خالدة، عن معركة لا تهدأ أبداً، لأنها معركة الوجود، وعليه فأبواب الامل تفتح أشرعتها بوجه العراق، لأن النصر هو جل ما يتمناه المتظاهرون الآن!