في أول يوم طُرد فيه المدعو نوري المالكي من الرئاسة، وتم تنصيب رفيقه في حزب الدعوة،حيدر العبادي، بديلا عنه عام 2014، والمئات من الكتاب العراقيين والعرب والكرد والعجم، وربما الألاف منهم، رقصوا فرحا، وشكروا الله على زوال تلك الطامة الكبرى عن صدور قرائهم، وتفاءلوا بأن الخلف، وهو الذي جيء به باسم القضاء على الفساد والمفسدين،سيبدأ بفتح ملفات اللصوص الكبار المغلقة، في أقرب وقت، ويعيد العدالة إلى مجراهاالذي كان، والذي ينبغي أن يكون، وتمنوا أن يَصدُق في وعوده الإصلاحية، ولو بأقل ما يتيسر منها وما تسمح به الظروف .
أما سبب ذلك الفرح فهو لأن هذا المالكي، في ثماني سنوات من حكمه، ألحق بالحجر والبشر في العراق والمنطقة ما لم يفعله إبليس ولا نيرون وهولاكو. فقد خرب الهواء والماء والغذاء والدواء، وقتل واعتقل، وهجر ودمر، بما لا طاقة لأحد على مسح آثاره في عشرات السنين.
ثم كان، بأفعاله وأقواله، أكثر فارسية من الفرس، وأشد حماسة لخدمة الإمبراطورية الفارسية العظمى حتى من المرشد الأعلى علي خامنئي نفسِه.
أما العراق فلم يكن وطنَه الذي أطعمه من جوع وآمنه من خوف، بل كان في يقينه وإيمانه قطعةَ أرضٍ تم غزوها واحتلالها، وحلالٌ وواجبٌ نهبُها وإذلالُ أهلها، وإجبارُهمعلى دفع الجزية لإيران، من أرضهم ومياههم وأرزاقهم وأرواح أبنائهم، عن يدٍ وهمصاغرون.
وبسبب هيمنة المليشيات الإيرانية على الدولة والحكومة والقضاء فقد كافأه رفاقه المجاهدون، بعد طرده من الرئاسة، بتنصيبه نائبا لرئيس الجمهورية، لا ليفعل شيئا يكفر به عن إساءاته العديدة للعراقيين، ولكن فقط لمنحه الحصانة القانونية من أجل منع يد العدالة من أن تمسه بسوء.
وفي هذه الأيام الساخنة التي وعدونا بأن تكون أيامَ توبةٍ واستغفار، وبدايةَ محوٍ لبعض كوارث السنين المظلمة الفائتة تقول أخبار المنطقة الخضراء إن المندوب السامي الإيراني في العراق، قاسم سليماني، أمر خُدامه المسلحين الذين بيدهم الملك والقرار بإعادة منصب نائب الرئيس إليه، وإن الأمر لا ينتظر سوى الإعلان عن هذه المرحمة الجديدة في اليومين أو الأيام المقبلة، باعتبار أن طلبات الحاج أوامر، كما تعلمون.
ومن لعبة تكليف عادل عبد المهدي، وطريقة تشكيل وزارته الناقصة، ومن مسرحية تعيين محمد الحلبوسي رئيسا لمجلس الأمة، لم يعد أحدٌ منا يشك في أن برلمان هادي العامري وقيس الخزعلي ومقتدى الصدر والكرابلة وخميس الخنجر ومسعود البارزاني وورثة الراحل جلال الطالباني سيصوت بالموافقة على قرار التعيين، بغض النظر عن مطابقته أو مخالفته لإرادة الشعب العراقي.
ولكننا المنتظر والمأمول أن يرفض الرئيس برهم صالح تلطيخ يده بدم العدالة، وأن لا يقبل بإهانة جديدة وكبيرة من هذا النوع تصيب شعبه العراقي تحت سمعه وبصره، ووأن يرفض أن يداس على القانون بالأقدام، وأن يُبرأ القاتل من دم المقتول.
فالمؤكد أنه، بحكم طول خبرته وذكائه وثقافته وأخلاقه الرفيعة، يعلم بأنه، إن فعل،سيكون كمن يدلق قنينة حبرٍ أسود على ثوبه الأبيض، ويخسر ما ظل يزرعه في قلوب الناس من محبة وثقة واحترام زمنا ليس بقصير.
ولا أحد منا يظن أو يتوهم بأنه، ومعه النواب الصالحون الوطنيون الشرفاء رغم قلتهم، يجهل من هو نوري المالكي، وما فعل.
***
إذا كانت الدولة العراقية الجديدة تنوي، حقيقةً، أن تمنحه الحصانة القانونية، مجددا، وأن تُهربه من وجه العدالة بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، وتعتقد أو تظن بأن تستّرها على مجرم سيمرُّ بسلام، وأن الشعب العراقي سيسمح بارتكاب نفس الجريمة مرة ثالثة، فهي بلا شك دولة عمياء، بصرا وبصيرة، وغبية بلا حدود.
وآخر سؤال. هل خلا هذا الوطن الطويل العريض من رجل واحد، واحد فقط، نزيه وكفوء وشريف وشجاع ليكون نائبا للرئيس؟؟