ولان كل ما في العراق لا يشبه ما يجري في الدنيا ؛ فان كل حمل في العراق صعب وكل ولادة عسيرة وشاقة ..واذا اردتم من الامثلة فلدي العشرات بل المئات منها
فالاحتلال او ( التحرير ) نكح الحصار وحمل الوطن بالديمقراطية ؛ وهاهو الحمل يكبر في البطن منذ احد عشر عاما ونصف دون ان يضع الوطن حمله ؛ في حين ان كل بلدان الدنيا المتقدمة او النائمة جاءها المخاض في ليلة وضحاها وولدت ديمقراطيتها مثل وخزة الدبوس كما يقول المثل.
وفي كل بلدان العالم تظهر المشكلة – اي مشكلة وتشخّص ويوضع لها الحل والعلاج وتذهب المشكلة الى صالة الولادة وعلى يد القابلة الفنية الماذونة ياتي المولود والناس تبتسم وينتهي الامر بالهلاهل والافراح والتهاني ؛ الا في بلادنا فالمشكلة تكبر وتتوسع وتتشعب في رحم العراق ونتحارب من اجلها وتسيل الدماء جداولا ؛ ثم نكتشف بسونارنا المغشوش ان الجنين مشوه او ناقص او ميت احيانا وجيب ايل وخذ عتابه.
وفي كل بلدان العالم تجري الانتخابات بلا مفوضية ولا بطيخ ولا حامض حلو ولا شربت وتعلن النتائج بعد ساعتين او اكثر بقليل ويسلم الخاسر ويبادر لتهنئة الفائز ؛ وفي اليوم التالي يكلّف الفائز بتشكيل الحكومة الجديدة الا في حظنا العاثر .. فبعد الجر والعر والسباب والشتائم والمعارك القنادرية وبعد راي الاتحادية وتزكية المسائلة واعتراض الدستورية تجري الانتخابات لننتظر اشهرا لاعلان النتائج واشهرا لاعلان الكتل ( الكونكريتية ) والتحالفات واشهرا اخرى للمفاوضات وتقديم المرشحين واشهرا للمداولات السرية والمقايضات وشيلني واشيلك وهذا لي وذاك لك ؛ وبعد ان تتدخل امريكا وايران وقطر والسعودية وجزر المالوين ومملكة النيبال وجامعة الثول العربية وجمعية بان كي مون الخيرية ؛ ليتمخض حمل ديمقراطيتنا مواليد ممسوخة ومشوهة وناقصة وبلا ملامح وجه ابتكرها سياسيو اخر زمن واطلقوا عليها اسماء : محاصصة وتوافق وشراكة وطنية.
وفي كل بلدان العالم عندما يتعرض البلد الى اجتياح او عدوان او احتلال فان الحكومة والشعب يتحدان وربما بمساعدة دولية نزيهة وصادقة ليضعا خطة وتعبئة عاجلة ومدروسة لازاحة الضرر الذي حل بالبلد الا نحن ؛ فهاهو ثلث البلد او ربعه محتل منذ ثلاثة اشهر من قبل مخلوقات لا علاقة لها بالبشرية او المدنية او العصر الحديث واسست دولة مازالت تتمدد وترسخ سلطانها بالدم والقوة الغاشمة وهي تمارس عملها السلطوي برهاوة ودون وجل وسط دغدغة دولية تشبه ضرب الفيل بمهفة الصيف العراقية المعروفة ؛ ووسط وعود ووعود بالقضاء على هذا السرطان الذي سرى بجسد الوطن وكيانه مسرى النار في الهشيم.
واخر الامثلة وليس اخيرها هو ان حكومات كل بلدان العالم الصاحية والنايمة ..المتقدمة والرجعية تعد موازنتها قبل انتهاء العام باربعة اشهر وترسلها بنسختها النهائية الى السلطة التشريعية قبل نهاية العام لتناقش وتُقر قبل ان يحل العام الجديد حتى اذا حل هذا العام سار كل شئ وفق ما اعد له سلفا ؛ الا نحن فاعداد موازنتنا معركة ؛ ومناقشتها صراع ؛ وفقراتها حرب وكل يريد زيادة حصته ومنافعه .. مع عدم وجود مراجعة ختامية لموازنات البلد منذ ( التحرير ) الى يومنا هذا وتمر الايام والاشهر وكل يغني على حصته ويبقى الوطن حاملا في شهره الخامس عشر متطلعا الى وليده الذي طال انتظاره : الموازنة ولا امل في ان نسمع صراخ العزيزة الغالية المنتظرة : موازنة
فاين الخلل ؟
اعتقد ان رحم الوطن نظيف وشعبه فحل ونطفه طاهرة وحمله سليم وصحي والحساب مضبوط وصحيح ..ولكن ربما يكون الخلل في المولِّدة ؛ واقصد هنا القابلة الفنية الماذونة الخبيرة التي تتولى عملية الولادة الصحيحة بلا مخدر ولا عملية قيصرية .. فمن اين ناتي بهذه القابلة لتعالج لنا كل احمالنا المتعسرة واحلامنا المؤجلة منذ عشرات السنين وقد ابتلينا باشخاص كل همهم وعملهم هو الاجهاض والاسقاط حتى لو كان الحمل صحيحا وصحيا ؟