18 ديسمبر، 2024 9:20 م

مطر على روزنامة السنة

مطر على روزنامة السنة

وها أنت يا فتى ، تحتسي أوشال العام ، مرّة مثل علقم ، كما لو أنها بقيا كأس عرق ، يخلعه من خاصرة مائدتك المتصوفة ، مروان ، كبير الندل الرحيم ، ويخلّفك في عتمة ، تكرّز آخر لفافة تبغ ممكنة . لا شيء مثل مطر الرب ، يحلب الحروف والغمّ ، ويسخم البياض ، ويسحل النص من خشمه العالي حتى دكة المناحة . ألكتابة سوداوية حتماَ . كأنك مصلوب فوق حائط منسي ، مثل روزنامة بائسة تمطر أخير وريقاتها . ألدكة مؤثثة لكتابة يابسة . كف رمل في حلق عطشان . كتابة كاسرة غير صالحة للأستهلاك الآدمي . وسط الربة عمّون . في صحن العوافي ، بين فول هاشم ، وقهوة جفرا ، وخماسية الحانة ، تتشكل سيول النعمة . تهبط مياه الله المبجلة ، لتتجمع في الماعون العظيم . كأن كل الهة من آلهات المطر ، تشيل في يمينها ، سطل رحمة وبذار . سطل فوق جبل اللويبدة – أحلى الجبال السبعة – وثان فوق جبل عمان ، وثالث على جبل الحسين ، ورابع مزروع في رأس جبل القلعة . ألأسطل تسيل ، والناس ترتاح وترتع وتطمئن على مياه الصيف المبروكة . ألله ألله على المطر اذ يتكتك على زجاج النافذة كأنه فيروز المذهلة في نوبة ترتيلات شتائية . أربع ورقات كئيبات ، يلبطن حتى اللحظة فوق روزنامة السنة . سأشلع الليلة واحدة . ثلاث ورقات أرملات ، مثل ثلاث شعرات بيض ، يرقصن فوق رأسك المكتظ الليلة بموسقة وجع أبي الطيب ، المتنبي العظيم :
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ ،
      وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ .
بعد قرون مقرننة ، سيرث الرافديني بدر شاكر السياب ، أحزان المتنبي ، فيشيخ مبكراَ ويموت . يصيح بالخليج يا خليج ، واذ تتصادى الحروف وتتراطم ، يذهب الشاعر – كومة عظام تمشي على عكاز الشعر –  صوب أسئلة الوحشة :
أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
كان عليّ – أحبتي وحبيباتي – أن أطيّر اليكم ، كارت سنة حلوة ، لكنه المطر ، وعصافير اللويبدة التي تلبد تحت خشخشة الصفصاف ، وقطط الحارات الفقيرة ، ورجل طيب ، يضع وجهه ببطن حاوية زبل ، على حلم علبة كوكا كولا معمولة من عنصر الألمنيوم العزيز ، وبلاد منهوبة ،  مازال وجهها معرساَ بلون الدم . سنة أخرى أقل قسوة . آمين يا رب العالمين .
[email protected]