23 ديسمبر، 2024 12:09 ص

مطالب الى البيشمركة مسعود برزاني

مطالب الى البيشمركة مسعود برزاني

يدعي الرئيس السابق لاقليم كردستان مسعود البرزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الحاكم، ان لا صفة رسمية او رئاسية او مرجعية له الا صفة البيشمركة، وهو يشدد على اساس انه ينظر لهذا الاسم باهمية كبييرة وفخر واعتزاز عالي، ولا غبار عليه ان هذا العنوان له مقام عزيز في نفوس الكرد، وكان يحمل معاني وطنية وقومية واخلاقية وانسانية كبيرة قبل الانتفاضة خلال عقود الكفاح المسلح للثورة الكردية ضد انظمة الحكم الطاغية في بغداد، ولكن من المؤلم جدا ان هذا الاسم والرمز فقد بريقه وفرغ محتواه من الدلالات والمعاني النبيلة عند تسلم الاحزاب الكردية لحكم الاقليم بعد الانتفاضة، وخاصة عند سيطرة الحزبين الحاكمين للبرزاني والطالباني على ادارة حكومة وبرلمان الاقليم من بداية التأسيس الى يومنا هذا.
ورغم ادعاء البرزاني بانه ليس بمرجع وانما هو فقط بيشمركة على الدوام، لكن احداث الواقع ومجريات العملية السياسية الجارية بالاقليم تثبت عكس ذلك، فهو بالحقيقة الحاكم المطلق في منطقة نفوذ الحزب الديمقراطي، وبالمقابل فان ورثة جلال الطالباني هم بمثابة الحاكم المطلق في منطقة نفوذ الاتحاد الوطني، وبالرغم من وجود السلطات والمؤسسات الهيكلية لنظام الحكم القائم الا انها لا تتمتع بقوة تنفيذية مدنية مستقلة ولا بمرجعية سيادية، فكلها ادوات خاضعة لسيطرة الرئيسين البرزاني وجماعة الطالباني وحزبيهما وعائلتيهما الحاكمتين، والديمقراطية التي يدعي بها الاقليم مزيفة وباطلة، وتسمية سلطة الشعب التي تصدر بها قوانين برلمان كردستان كلمة فارغة من معناها ومحتواها ينطقون بها فقط لتجميل حكم الحزبين الحاكمين، والمجموعات النيابية التي تجلس تحت قبة البرلمان مجرد وجوه مسرحية تدار وتوجه بأوامر وتوجيهات شخصية وحزبية وعائلية للسلطة الحاكمة.
لهذا وبما ان البرزاني يدعي الصفات والسمات النضالية للمقاتل الكردي “البيشمركة” طوال مراحله النضالية والقيادية للاقليم، فلا ندري اين هي الخواص الحميدة التي زرعها او فرضها على سلطات الحكم، واين السمات الجيدة التي غرسها في حكومات النظام السياسي القائم، وهو الذي كان رئيسا للاقليم لاكثر من ولايتين، وبالسابق كان رئيسا للجبهة الكردستانية ومنذ عقود طوال هو رئيس للحزب الحاكم، والحكومات لا ينكر انها تخضع لنفوذه واوامره، والمؤسف حقا ان ما نجده من صفات في السلطات الرسمية والجهات المتنفذة بنظام الحكم (الحكومة وحلقاتها والاحزاب وتنظيماتها والعوائل الحاكمة ومافياتها والتجار وعصاباتها) فاسدة مارقة ومتسمة بالاغتصاب لحقوق الشعب عند مقارنتها بالمفهوم الوطني للبيشمركة.
والمشكلة الاكثر ايلاما ان سلطات الاقليم تتسم بالمافوية والعدوانية على حقوق المواطنين، فهي مليئة بكل اشكال الفساد والنهب للموارد والثروات والممتلكات العامة، وحتى الموارد البشرية للحكم من الموظفين المدنيين والعسكرين باتت ضيعة بيد حكومة الحزبين الحاكمين، فتسرق منها استحقاقاتها المالية بشمس النهار، وتنزع منها الحقوق المادية جهرا ونهارا، وكل ذلك الاعتداء الصارخ والخرق الشنيع للقانون والدستور ولحقوق الشعب يتم بحجج واهية لا مصداقية لها.
وانطلاقا من هذا، يهمنا ان نقول للبيشمركة السيد مسعود البرزاني، ان دوافع اعتزازكم بهذا العنوان تلزم عليكم مسؤوليات كبيرة قولا وفعلا خاصة وانكم على مستوى القيادة، فمنها ضرورة تبنيكم لحملة وطنية لاعادة بعض الخواص الاخلاقية للحكم القائم على الفساد واغتصاب الحقوق، وضرورة القيام بصحوة وجدانية لاعادة حقوق الشعب المنهوبة من قبل الحكومة والاحزاب الفاسدة والعوائل الحاكمة، وضرورة القيام بحملة ناطقة للحق لاعادة الاستحقاقات المسروقة من الموظفين بقرصنة حكومية لا مثيل لها في تاريخ وتجارب انظمة الحكم بالمنطقة، وضرورة القيام بحملة نزاهة كبرى لاعادة الاموال المنهوبة والمسروقة من الشعب والتي تقدر بعشرات المليارات بالدولار، وضرورة القيام بحملة لازالة الفوارق الطبقية والاجتماعية الفاحشة التي زرعتها ابناء الحكام والمسؤولين والاثرياء الفاحشين في المجتمع الكردي منذ اكثر من عقدين من حكم المهراجات المفروض على الاقليم والتي ترك اثار خطيرة على الواقع الراهن وعلى المستقبل.
وكذلك ضرورة القيام بقيادة حملة للسيطرة والحد من الراسمالية الجشعية المتوحشة والتي تسيطر على عقلية الاحزاب والحكومة والشركات والتجار على كافة الاصعدة، وضرورة القيام بقيادة حملة لاخراج الحكومة الفاسدة الفاشلة من الارهاب الاقتصادي التي فرضته على الموظفين والمواطنين والتخلص من النهب الخارق للموارد والايرادات المالية خاصة وانها صامتة لا تلمح بأي ايجابية باتجاه اعادة الاستحقاقات المالية المغتصبة من الموظفين، وضرورة القيام بقيادة حملة فعالة لاعادة الاعتبار الى نظام التربية والتعليم العالي الذي تحول الى كرة كبيرة منفوخة فارغة على وشك الانفجار، وضرورة القيام بقيادة حملة كبرى للقضاء على البطالة وايجاد سبل ضمان فرص العمل للشباب والخريجين كافة، واخيرا القيام بحملة كوردايةتية لاعادة الامل والايمان بحاضر ومستقبل الكرد الى نفوس الشباب والاطفال والنساء والرجال الذين فرغت صدورهم من الامل والتأمل الانساني، والمطلوب ايضا القيام بقيادة حملات اصلاحية اخرى تستدعيها ضرورات القضاء على الازمات القاتلة التي تنخر بالمجتمع من عقود عديدة بسبب الفواحش الكبيرة لنظام الحكم المفروض على كرد العراق فقط للاثراء اللامشروع للعائلتين والحزبين الحاكمين.
ومن باب خير البر عاجله، حان للبيشمركة ورئيس الاقليم السابق ان يبرهن على السمات النضالية فيه بخطوة جدية، وذلك عن طريق الاقرار حالا بالغاء الاستقطاع الجائر المفروض على رواتب الموظفين، والبقاء على استقطاع رواتب الدرجات الخاصة، والزام الحكومة بالاعلان عن جدول زمني لاعادة جميع النسب المستقطعة جورا وعدوانا من رواتب موظفي الاقليم طوال السنوات من 2014 الى 2021.
باختصار يعتبر الخطوات الاصلاحية المشار اليها اعلاه، مطالب حياتية لاغلب افراد شعب الاقليم، وهي منبثقة من المسؤوليات الملقاة على عاتق البرزاني كرئيس حزب وكمقاتل بيشمركة، ويستوجب العمل الجاد من اجل تحقيقها، وبغية تبنيها فهي تشترط ان تكون تحت قيادته ومتابعته الميدانية، وان لا تكن عن طريق اللجان التي تكونت في الماضي ولم تثمر عن نتيجة فذهبت ادراج الرياح.
ومهم جدا ان تكون الحملات الاصلاحية منظمة بمهنية عالية وخاصة حملة اعادة الاموال المنهوبة بالفساد، ومن الضروري الاقتياد بتجربة الحملة الناجحة التي قادها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لاعادة الاموال المتهربة الى خارج المملكة، والتي اثمرت عن اعادة اكثر من مئة مليار دولار، وهذا يدل ان النوايا الجادة للقيادات المؤمنة بالاصلاح يمكن اعتبارها ضمانة لانقاذ المجتمع وحمايته من عالم الفساد الذي يسيطر على نفوس اغلب الحكام والمسؤولين، والذي يسبب للدولة والمجتمع الخراب والدمار، والحقيقة المرة ان ما فعلته سلطة حكم الاقليم من فساد منذ عقود تجاوز كل الحدود وخرق كل الاعراف والتقاليد.
لهذا لابد للسيد البرزاني الذي يفتخر بصفته كبيشمركة، ان يبدأ بالعمل لاعادة الاعتبار لسمات هذا العنوان النضالي في سلطات الحكم، والنظر في تلبية المطالب اعلاه بالرغم من صعوبة تحقيقها، والا فان الاقليم سائر نحو الهاوية، ولكن بالرغم من مساويء الحكم فان رمز البيشمركة يبقى ملاصقا لهوية الشعب الكردي، وهو الذي نزل نزول الاعتزاز بشفاه بعض زعماء العالم ومنهم الرئيس الامريكي باراك اوباما.
والله من وراء القصد..
(*) كاتب صحفي