23 ديسمبر، 2024 6:23 م

مضيف الإمام الحسن (ع) في المدينة المنورة

مضيف الإمام الحسن (ع) في المدينة المنورة

المكان الوحيد في المدينة المنورة الذي يمكنك ان تتجول فيه بحرية تامة , هو مضيف الامام الحسن (ع) ,اما بقية الأماكن التي تزورها, فأنها محروسة بالشرطة الخاصة , وهذا حق وواجب على الدولة .. ولكنهم يفرطون كثيرا حين يتهمون جميع المسلمين ,حين يتقربون نحو قبر النبي (ص) أو يتشرفون بالوقوف والسلام عليه , أرى أعداداَ غفيرة حين أتشرف بزيارة قبر النبي(ص) في مسجده المطهر يقفون طويلا ليكحلوا أعينهم بالنظر إلى شباك القبر الشريف , ولكنهم لا يسمعون إلا كلمة ( امشي سيده لا تقف .. يلا امشي) كلامهم اصبح معهودا عند المسلمين ( لا تشرك ) الا في مضيف الإمام الحسن بن علي (ع) تستطيع ان تجلس او تمشي اين ما أحببت .. انه مضيف بكرم صاحبه. كيف اصبح هذا مضيف وبهذا العنوان..؟.

اصل الارض تعود لرجل يهودي اسمه ” مخيرق ” سميت «الحوائط السبعة أو العوالي»( عمدة الأخبار: 440، معجم البلدان: 5/ 241) اسلم الرجل قبل الهجرة وكان من علماء اليهود وكان مطلعا على علم التوراة وانه هاجر الى المدينة قبل البعثه .. ورواية اخرى يمكن اكثر صحة وهي انه اسلم ايام التعبئة لمعركة احد , وشارك في المعركة ونال الشهادة .. ووقف عليه النبي (ص) وشهد له بالقول ” مخيرق من اهل الجنة وان لم يصل ركعتين “…

هنا تحدد ملكية الأرض ( العوالي ) في رواية انه أوصى بها للنبي(ص) وادخلها النبي الى بيت المال , اسوة بفدك التي نزل بها نص في القران الكريم ان تسلم للزهراء(ع) .. وقول اخر ان النبي(ص) ارسل على اولاده وخيرهم بميراث ابيهم , وهو ان اصل التركة في الاسلام تمنع عن اثنين .. الأول: من قتل اباه فلا يرث من مال ابيه ….والثانية ان الكافر لا يرث المسلم .. وبما ان أبناء مخيرق يهود فلا يرثون أباهم .. فتحولت ملكية العوالي الى بيت المال .. هذه قصة مضيف الحسن بن علي(ع) وملكيتها ..

وبعدها جرت حوادث سياسية كبيرة على فدك وبقية الاراضي .. ولا اعرف كيف وصلت الارض الى الشيخ محمد علي العمري رحمه الله .. ولكن اتحدث عنها كما رايتها .. فهي ارض زراعية فيها نخيل كثيف , ومساحتها كما اعتقد لا تزيد على عشرين دونم .. وعليها سياج وفيها بوابة مفتوحة للزائرين ولا يقف عليها حارس مطلقا .. يتخللها شوارع مبلطة واماكن للجلوس كثيرة منتشرة تحت ظلال الاشجار , يمر من بعضها الماء , وفيها مساجد وحسينيات للرجال وللنساء , وهي المكان الوحيد الذي يرفع فيه اذان الشيعة في المدينة المنورة .. حيث تسمع الركن الثالث هناك فقط ..

وتقام صلاة الجماعة يوميا بامامة صاحب الارض الشيخ كاظم العمري حفظه الله .. وهناك مصلى للنساء لا يبعد كثيرا عن مصلى الرجال .. وفي المضيف تجد بعض ابناء واقرباء الشيخ العمري يبيعون انواع التمر الذي تنتجه ارض العوالي , وهناك خدمات بسيطة ..ولكن الكرم حين يؤكد القائمون هناك على جميع من زار مضيف الحسن(ع) ان يتناول وجبة غذاء , وهي اشبه بوجبات المواكب الحسينية ..

وبقي سؤال مهم .. من هو المتولي , وكيف صمد امام القوانين الحكومية التي تعتمد الفكر السلفي في عموم المملكة .. وكيف بقي هذا الصوت قريبا من مسجد رسول الله (ص) ..

المتولي او صاحب الارض هو الشيخ العمري المولود سنة 1909م، حين بلغ الخامة عشر من عمره أخذه أبوه الى النجفالاشرف .. لينال علوم اهل البيت(ع) بقي لفترة 11 شهر , وفجع بوفاة والده , غادر النجف نحو المدينة .. بقي ثلاثة اشهر وعرف ان التولية على الارض والحسينيات تحتاج الى تولية من المراجع فطلب من المرجع الديني آنذاك السيد أبو الحسن الأصفهاني فأعطاه السيد نيابة حج وأمره بالعودة إلى النجف الأشرف، فرجع إلى النجف بعد عام تقرباً فأكمل مرحلة المقدمات والسطوح. ثم ابتدأ بدراسة البحث الخارج.

وتتلمذ تحت يد اكبر اساتذة النجف وقتذاك كالسيد محمد باقر الشخص الأحسائي. الذي زوجه ابنته.والشيخ محمد تقي الفقيه.والشيخ حسين الحلي.والشيخ محمد جواد مغنيه.والمحقق النائيني وغيره..

وعاد إلى المدينة المنورة سنة1952 م وأخذ على عاتقه زعامة الطائفة الشيعية هناك واصبح وكيلا عاما للشيعة في المملكة العربية السعودية لعدد من المراجع ..: السيد أبو الحسن الأصفهاني.السيد محسن الحكيم.

الشيخ محمد حسن آل ياسين.السيد محمد هادي الميلاني.السيد أبو القاسم الخوئي.السيد عبد الأعلى السبزواري.السيد محمد رضا الگلپايگاني.السيد علي الحسيني السيستاني.السيد علي الحسيني الخامنئي. وغيرهم من المراجع في إيران والعراق ولبنان.

تزوج الشيخ العمري أربع زوجات :الأولى،انجب منها اكبر أبنائه، وله منها من الذكور أربعة: هم أحمد وبه يُكنىّ، والثانية، ماتت في نفاسها ، وله منها بنت واحدة.والثالثة، وله منها من الذكور ستة: هم الشيخ كاظم ـ وهو أبرزهم وهو من يصلي في المصلى المعروف الان في مضيف الامام الحسن(ع) ..والرابعة، وله منها خمسة ذكور ..

مكانته الاجتماعية .. لا شك ان امثال هذه الشخصيات يستقطب انظار المحبين والحاقدين فكان الشيخ العمري

طوال حياته الأب العطوف والقلب الرحيم لكل أفراد المجتمع, وهو خيمة تظلل كل أطيافهم حتى من المذاهب الاسلامية ممن يقع عليهم الحيف من التيار السلفي ..وعرف في جميع بلدان العالم من خلال كرم الضيافة واحتضان زوار قبر الرسول (ص) حتى أصبحت مزرعته أشبه بالمزار لكثرة الزائرين له والمصلين في مصلاّه.وقد اعتقل الرجل عدة مرات من قبل سلطات ال سعود ..ولكن بوعيه وحكمته وتجربته استطاع أن يسير بالمجتمع المدني إلى النجاة ,, فهو أهل بحق ان يكون ممثلا للامام الحسن (ع) في كرمه ..