23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

مضاعفات وأبعاد قطع شبكة الإنترنيت!

مضاعفات وأبعاد قطع شبكة الإنترنيت!

لا ريب إطلاقاً أنّ العراق هو الدولة الأولى في العالم التي ينقطع فيها الأنترنيت بشكلٍ متعمّد سواءً خلال الأيام الماضية او في فترات الأمتحانات ولمراحلٍ وادوار مختلفة , وخصوصاً مؤخرا وبهذه الفترة الزمنية الطويلة , ولم يحدث فيما مضى أن جرى قطع الشبكة في بعض الدول التي شهدت احداثاً أمنيّةً خطيرة سوى بضع ساعاتٍ قليلةٍ فقط وهي حالات نادرة , فمصالح الشعب ومؤسساته وكلّ مفاصل الدولة ووزاراتها تعتمد على النت , بل أنّ الحياة تغدو شبه متوقفة في اي دولةٍ يحدث فيها ما حدث في العراق .

وهنا اذا ما تجاوزنا وإبتعدنا عن الأضرار الأقتصادية الجمّة جرّاء هذا القطع سيّما ما تسببه من خسائر في مجالات البنوك وقطّاع النفط الحيوي , فأنّ الضربة المؤلمة والشديدة الأذى التي وجّهتها حكومة السيد عبد المهدي الى الشعب العراقي في عزله عن التواصل داخلياً وخارجياً مع العالم , وحتى لو كانت بدون قصدٍ مسبق .! فالنتيجةُ هي واحدة , فقد أدّى ذلك الى انتشار الكآبة لدى ملايين من المواطنين , وتسبّبَ ايضاً بتوتّر الأعصاب بشكلٍ جمعي , وانعكس ايضاً على فقدان الشهيّة عندَ اجيالٍ وفئاتٍ عُمريّةٍ مختلفة , وبلغ الضجر الأجتماعي والفكري والنفسي الى اعلى مستوياته .

ووصل الأمر ايضاً الى توقف العمل في مكاتب السفريات المختلفة وحرمان العديد من الناس من امكانية الحجوزات على او عبر شركات الطيران وفي الفنادق والمؤسسات السياحية في مختلف الدول , بجانب قطع التواصل مع كافة الشركات في العالم من خلال رجال الأعمال والدوائر الحكومية وعموم القطاع الخاص , بالإضافةِ الى ما تسببّ من شللٍ في اعمال الصحف ووسائل إعلامٍ اخرى عبر تواصلها مع وكالات الأنباء العالمية والمواقع الإخبارية .

ومع ما ملفت للنظر وبزاويةٍ حادّة عن صمتٍ مُطْبق للبرلمان ونوابه وكتلهم السياسية , وكذلك صمت السلطة القضائية عن التجاوز الحكومي على حق الشعب في التواصل الأجتماعي والعالمي وحرية الوصول الى المعلومات , مع حرية الرأي والتعبير المفترضة , لكنّما التفكّر والتمعّن العميق في الإصرار الحكومي على هذا الحجب المطوّل للإنترنيت , قد يقود الى الإعتقاد والتصوّر بأنّ حالةً تكاد تدنو من الهوس النفسي تنتاب السلطة خشيةً من معاودة اندلاع الأحتجاجات اذا ما اعادت خدمة الأنترنيت , وهذا أمرٌ مبالغٌ به وبتضخّم , وهو ناتج عن سوء او عدم دقّة قراءة مجريات ما جرى في الأيام الماضية , وكأنه يراد توجيه عقارب الساعة الى الوراء , وربما شعورٌ بالأحراج في إطّلاع الجمهور على تفاصيلٍ اكثر للمواجهات بين المتظاهرين والقوات الأمنية , برغم مما جرى عرضه من افلام وفيديوهات عن تلك التفاصيل طوال الأيام الماضية سواءً ما تمّ تصويره من بعض المتظاهرين بهواتفهم النقالة او عبر مراسلي الفضائيات , وكذلك تحسباً من اتصال او تواصل محتجين مع بعض النشطاء السياسيين , رغم أن لا متظاهر بمقدوره التأثير على رفقائه في التظاهرات وسط الفوضى التي تعمّ اوساطهم حسبما عرضته التلفزة ولا سيما في الأوقات الساخنة اثناء مواجهة الرصاص المطاطي وغير المطاطي والغازات المسيلة للدموع وغير ذلك ايضاً .

إنّ الأساس او حجر الأساس في هذا الطرح هو ليس قطع شبكة الأنترنيت بقدر ما هو الإطالة والتمادي في القطع طوال هذه الأيام بعدما ظهرَ ما ظهر وتكشّفَ ما تكشّف , وخصوصاً أنّ المبررات الرسمية للإطالة في هذا القطع قد فقدت حتى مسوغاتها , وبجانب أنّ حدّة وحجم التظاهرات قد انخفضت وانكمشت في العاصمة وسواها , ولعلّ الأهم أنّ القوات الأمنيّة تمكّنت في الأيام التي مضت من إخلاء ساحة التحرير وصولاً الى ساحة الطيران , واضحى من المحال الوصول الى جسر الجمهورية , بجانب أنّ المنطقة الخضراء التي تضاعفت وتضخمت تحصيناتها , وفيها من قوات والوية رئاسة الجمهورية ووحدات البيشمركة ما يجعل الدنوّ منها مستحيلاً وفق كافة المقاييس العسكرية والأمنيّة .

وبجانبِ ذلك او بالقربِ منه , فهنالك محافظاتٌ واقضيةٌ لم تخرج فيها او منها اية تظاهرةٍ احتجاجية ” ولأسبابٍ لا تستدعي ذكرها هنا ” , فهل من مبرّرٍ ما لشمولها بقطع النت والأدامة في ذلك .؟ , هل هي العدالة والمساواة ضمنياً

او بالإستعاضة .! .. لقد بلغ الأمر بالسلطة وتحديدا الجهة ذات العلاقة في الإطالة المسرفة في إبعاد وعزل الشعب عن هذه الشبكة العالمية الى الحدّ في حرمان الأطفال من التسلية في العاب ” الآيباد ” ومشتقاته , بالإضافةِ الى شَقِّ وفتحِ جرحٍ عميق في الثقافة العراقية عبر حرمان المؤسسات والجمعيات والمنتديات والأتحادات الثقافية والأدبية من تنظيم وعقد ندواتها وبرامجها الثقافية والإعلان عنها عبر شبكة الأنترنيت لإبلاغ الجمهور والنخب الثقافية عنها , ودون أن نشير هنا الى الأنعكاسات والأضرار الفنية والأدارية لوزارة الثقافة والسياحة والآثار في ديمومة هذا القطع والإمعان فيه , واختيارنا لهذه الوزارة ليس سوى إنموذجاً فقط .

ثُمّ , وفي الساعات الأخيرة من اليوم السابع لقطع الأنترنيت , حيث تعرض بعض القنوات الفضائية غير العراقية فيديوهاتٍ موثّقة وصوراً ميدانية لسقوط عدد من القتلى من المتظاهرين في مدينة الصدر , فماذا بقى وتبقّى من الأعتبارات الفنية – الأمنية لحجب هذه الشبكة العنكبوتية .!

من الغريب أنّ السلطة ولضيقِ افُقٍ بائن لمْ تتحسّب أنّ هذا التمادي في تعطيل مؤسسات الدولة وعزل الشعب بأكمله عن الأنترنيت والإيغال في اطالته , فلعلّه يفاقم فجأةً ويفجّر موجة الأحتجاجات ويضيف لها زخماً آخرا وجديداً او يخلق لها تظاهراتٍ اخرى بلونٍ آخر , وقد تنضمّ الى الى الحركة الأحتجاجية الكبيرة في معظم انحاء العراق , ومن ثَمّ قد تقوم بتفعيل ديناميتها .! , وقد بات من شبه المؤكّد او بالمطلق أنّ حكومة عبد المهدي والقيادات التي من حوله قد فقدت الشعور أنها تشنّ حرب الأعصاب وبدون رحمة ودونما ايّ التزامٍ بقواعد الأشتباك مع الشعب .! , وتبدو هذه الحكومة وكأنها تفتحُ جبهةً اخرى على نفسها .! , وقد جنت على نفسها براقش , ولكن مع سبق الإصرار .!