17 نوفمبر، 2024 6:59 م
Search
Close this search box.

مصير بلدة”مَنـْبَـج”… لماذا؟؟ وإلى أين؟؟

مصير بلدة”مَنـْبَـج”… لماذا؟؟ وإلى أين؟؟

“مَنـْبَـج”.. تلك البلدة الواقعة في الجزء الشرقي لمحافظة “حلب” المتاخم لمنطقتَي “عين العرب/كوباني” و”جرابلس” المتاخمتين للحدود التركية، تتوسط أحد الطرق الدولية بين مدينة “حلب” و”كوباني”.”مَنـْبَـج” ليست وسط جبال ووهاد وهضاب، ولا هي جميلة وسياحية ذات إطلالة على بحر أو نهر أو بحيرة، إنما تقع وسط برارٍ شبه قاحلة، يسكنها أكراد وعرب وتركمان ذوو جذور بدوية يعملون بالزراعة والرعي والتجارة ذات الصبغة الحدودية -بما فيها التهريب- بحكم المنطقة والحياة السائدة فيها.. ولكنها أُبتـُلِيَت بهذه الحرب كونها ((عقدة مواصلات برية)) وملتقى (4) طرق ذات أهمية بالغة تربطها نحو:-
* بلدات “تل أبيض، عين العرب/كوباني، جرابلس، الغندورة، الراعي، دابق، إعزاز” المتاخمات لـ”تركيا”.
* نهر الفرات- بلدة عين عيسى- تل أبيض.
* نهر الفرات- بلدة عين عيسى– مدينة الحسكة.
* بلدتَي “مسكنة-الطبقة”– مدينة الرقة.
* بلدة “الباب”– مدينة حلب.
ولكل تلكم الأهمية العملياتية وسواها فقد أسرع “تنظيم الدولة/داعش” للإستحواذ على “مَنـْبَـج” خلال أيلول/سبتمبر2014 وقتما توسّع سريعاً وسط النصف الشرقي للوطن السوري والجزء الغربي من “العراق”.
التفكير لإستعادة “مَنـْبَـج”
بعد إسترجاع وحدات حماية الشعب الكردي بلدة “عين العرب/كوباني” من أيدي “داعش” فقد إتجهت أنظار القادة الأكراد نحو “مَنبَج” لأهميتها في قطع طرق التعاون بين قطاعات “داعش” المنتشرة وسط البقاع التي ذكرناها، وخصوصاً بعد
تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية/ق.س.د” تحت رعاية الولايات المتحدة وتمويلها وتسليحها ومدرّيبها ومستشاريها.
تحركت “ق.س.د” يوم 31/5/2016 وتوفقت -بإسناد جوي كثيف “نسبياً”- في فرض حصار على “مَنـْبَـج” في غضون (10) أيام قبل أن تقتحمها وتسيطر -لغاية كتابة هذه السطور- على حوالي (ثلث) البلدة، ما يمكن إعتباره معركة “شبه سريعة” قياساً للأداء المتواضع في معارك الفصائل المسلحة الأخرى.
معركة إقتحام “مَنـْبَـج”
لا تكمن الإستحالة في إقتحام “ق.س.د” لـ”مَنـْبَـج” والإستحواذ عليها من أيدي “داعش” وسواه، فهي بلدة صغيرة لا بد أن تسقط بإستخدام القوة المفرطة، وهي متوفرة بفضل الدعم الناجز.
ولكن فلننظر نحو أسوأ الإحتمالات في هذه المعركة الطاحنة:-
1. الدفاع الداعشي المستميت:- وهومتوقع كثيراً لما لمسناه لدى هذا التنظيم من عناد وثبات، وبالأخص وقتما يقاتلون وسط مناطق مبنية ويخوضون حرب شوارع ميعتمدين القنص والتعويق بالألغام ومصائد المغفلين والأحزمة الناسفة… يقابلهم مسلحون أكراد مُـسنَدون أمريكياً ودولياً -وهم يشكلون حوالي 80% من “ق.س.د”- وقد لمسنا عزمهم وتصميمهم على القتال في “كوباني” خلال إسترجاعها من “داعش”… لذلك ينبغي أن ننتظر سيولاً من الدماء وأكواماً من الجماجم والأجساد المتناثرة… وقد إعترف ناطق عسكري بإسم التحالف الدولي بأن “داعش” سيدافع في “مَنـْبَـج” حتى آخر رمق.
2. التملـّص الداعشي:- وهذا ما يمكن أن يقدم عليه مقاتلو “داعش” في نهاية المطاف بالوقت المناسب، ولكن بعد أن يبذلوا أقصى ما يمكن من الصمود ويوقعوا أبلغ الخسائر في صفوف المهاجمين، لا سيما وهم يتبعون أساليب “حرب العصابات” التي تنصح بالتملّص الهادئ أمام خصم وقتما يظهر أثناء القتال أنه متفوّق كثيراً في تعرّضه، حيث يكون ثمن الإصرار على الدفاع باهظاً للغاية.. فالأفضل الإنسحاب المنتظم والإنضمام إلى وحدات في موقع قريب إستعداداً لقادم الأيام، ناهيك عن الإفادة من هذه القوة المنسحبة في هجمات مقابلة بشتى الوسائط، فالغاية الأهمّ في حرب العصابات ليست الإحتفاظ بالأرض بل هي ((إستنزاف الخصم وإحباط معنوياته بإشغال دماغه وإشعال النار تحت أقدامه))… وكذلك يحتمل أن تبقي قوات “ق.س.د” نفسها
محوراً أو إثنين كي يخرج منهما المدافعون، فيخفّ الدفاع ويقصر عمره فيتدنى عدد ضحايا المهاجمين والمدنيين.. وبذلك يكون التفاخر بتحقيق النصر وإنهاء المعركة سريعاً.
3. حال المدنيين ومستقبلهم:- ليس دمار “مَنـْبَـج” وخرابه متوقـّعَين فحسب، بل هما ناجزان بالضرورة بفضل القصفات الجوية والضربات العشوائية وغير الدقيقة بأثقل الأسلحة البرية على مدينة عامرة مكتظة بالسكان تحتضن (40,000) مدني لا حول لهم ولا قوة بعد هزيمة القوات النظامية السورية وهروبها أمام “داعش” وعدم تمكّنها من الحفاظ -الواجب- على أرواحهم وممتلكاتهم… والآن يأتي “ق.س.د” لتتعرض بالقوة المفرطة على مدينتهم تحت ذريعة ((تخليصهم من براثن “داعش الإرهابي” ورفع علم “كردستان” القومي فوق مبانيها))، ولكن من دون أن يأبهوا بأرواحهم ومساكنهم وبُنى بلدتهم التحتية… وإذا رحموا بحال المدنيين فستكون هناك مزاعم على شكل منشورات عن تحقيق محور آمن واحد أو أكثر لخروج المحاصرين من “مَنـْبَـج” بسلام متناسين -عن عمد- أن المدنيين ليسوا تحت مطرقتهم فحسب، بل أن العديد من المطارق تحصد أرواحهم فيما تتناثر أجسادهم فوق عدد من السنادين.
وإذا حالف الحظ بضعة آلاف منهم وإستطاعوا الإفلات من الموت، فسيكون مسؤولو “ق.س.د” للأمن والإستخبارات في إنتظار الشبان منهم بمدخل المخيمات -إن توفـّرت- لإعتقالهم والتحقيق معهم والثأر منهم تحت ذرائع متنوعة، وصاحب حسن الطالع قد يعود إلى أهله شبه سالم.
أما النساء والأطفال وكبار العمر، فلا من يعير نحوهم بالاً يُذكَر سوى التصريحات الطنانة، فـ(قيادات دول متمكّنة مادياً) كـ”العراق، ليبيا، اليمن، سوريا” لم تَخْطُ ولو خطوة متواضعة لإيواء النازحين ولم تحقق لهم شيئاً يُذكَر وهم في عقر ديارهم!!! فماذا ستؤمّن (قيادات ميليشيات) تتحكّم في بقاع سائبة إنبثقت في ربوعها (شريعة الغاب)؟؟؟
وفي الختام لا بد أن أذكر أنها ذات السينورياهات التي تم فرضها في المعارك التي دارت -وما زالت- في كل من:- “سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، دارفور، جنوب السودان، أفغانستان” وسواها من الأقطار المبتلاة بـ”داعش والقاعدة” وغيرهما، والحبل ما زال على الجرار… وقد إنبثقت وتكررت، والآن تتكرر في “مَنـْبَـج”، وسوف تفرض أوزارها في بقاع شتى، ما دام صاحب الفكر الأساس واحد، والموجِّه الأصل واحد، والمخطِّط الميداني
واحد، والمنفِّذون المخدوعون يحملون الفكر ذاته… وما زال الإنسان حيال أخيه الإنسان أوحش من وحوش الغاب وضواريه!!!.

أحدث المقالات