بدون أي تحليل معمق أو إحصاءات موثقة يمكن ببساطة تقسيم المجتمع العراقي سواء ما قبل عام ٢٠٠٣ أو ما بعده الى ثلاث فئات رئيسية : الفئة الأولى ، وهي الغالبية ، وتمثل فئات المجتمع غير المتعلم من جانب وغير المتحضر من جانب آخر ويمثلون نسبة كبيرة من المجتمع العراقي . ومثل هذه الفئة بكثرة أعدادها وتخلف أفرادها يسهل قيادتها والتحكم فيها من قبل أي رمز سواء كان رمزاً دينياً أو رمزاً إجتماعياً أو سياسياً أو عائلياً أو غير ذلك مهما كان المستوى التعليمي أو الثقافي أو التحضري أو حتى الأخلاقي لذلك الرمز . وأبرز مثال على هذه الفئة أتباع الرموز الدينية مثل الصدر والحكيم أو بعض رموز العشائر أو رؤساء أحزاب الإسلام السياسي وما شابه والذين يخضعون تماماً ، عن غير وعي أو غير إدراك ، لكل ما يملى عليهم من توجهات وأفعال من قبل تلك الرموز حتى لو كانت خارج سياقات العقل والتفكير . إنها عبارة عن مخلوقات بشرية خانعة بطبيعتها وخاضعة بإرادتها غير الواعية لتلك الرموز حتى ولو كانت تلك الرموز هم السبب الرئيسي في تخلف وتردي الأوضاع الحياتية لتلك الفئة عموماً. ولكونهم بسطاء وجهلة وغير متحضرين فأنهم قانعون وفرحين تماماً بما هم عليه ويفتخرون ببلادة إنتمائهم لتلك الرموز وتنفيذ أوامرهم مهما كانت . وإذا كان هناك بعض الأفراد أو الشخصيات من المتعلمين أو المتحضرين ضمن هذه الفئات فإنهم قلة وأنتماءاتهم شكلية ولمصالحهم الذاتية . ومن المؤسف إن نسبة كبيرة من المجتمع العراقي يقع ضمن هذه الفئة .
أما الفئة الثانية من المجتمع فيمثلون الطبقة الواعية والمتعلمة والمتحضرة ، وهذه الفئة قليلة العدد نسبياً مقارنةً بالفئة الأولى وهي تنتمي الى الأحزاب والحركات المدنية . وَمِمَا يؤسف له إن هذه الفئة الواعدة غير مؤثرة في المشهد السياسي بسبب تشتتها سواء من ناحية الأهداف والتوجهات أو من ناحية الإرتباطات والمصالح .
أما الفئة الثالثة فهي بقية فئات المجتمع التي تشمل خليط من عموم الناس من المتعلمين بمختلف مستويات التعليم من الأمية الى الشهادات العليا ، ومن المثقفين في مختلف المجالات الحياتية ومن مختلف شرائح المجتمع بكل مستوياتهم وتوجهاتهم ، المؤمنين منهم أم غير المؤمنين بالعقائد والأديان . هذه الفئة تمثل الغالبية من المجتمع العراقي والتي تبحث أساساً ، في داخل نفوسها ، عن الحرية والآمان والتعايش السلمي وتحقيق التقدم والإزدهار للمجتمع عموماً وللأجيال القادمة وفق مبادئ الحرية والديموقراطية الصحيحة . المؤسف هنا إن هذه الفئة ، بالرغم من إنها تمثل غالبية لا يستهان بها ، إلا انه لا يوجد من ينظم مساراتها. هذه الفئة ، لو أحسن تنظيمها لاستطاعت أن تحقق تغيير نوعي مهم في نظام الحكم في العراق وتعرية جميع أحزاب الإسلام السياسي الذين فشلوا في إدارة البلاد وجعله أسوأ بلد في العالم من ناحية الإنجازات مقارنة بالإمكانات المتاحة فيه .
لا يمكن للعراق أن يُعترف به كبلد محترم له كل مقومات الدولة العصرية ما لم يتغير نظام الحكم من سيطرة أحزاب الإسلام السياسي المتخلف الى نظام ديموقراطي حقيقي يفرز قيادات مثقفة لإدارة شئون البلاد من قبل تلك المجموعات المتمثّلة بالفئات الثانية والثالثة من المجتمع العراقي . وإلا سيبقى العراق أسوأ بلد في العالم من حيث العيش فيه . إنها مسئولية النشطاء المدنيين .