مغنية الحي لا تطرب ، عبارة تتردد في بلدنا وفيها كثير من الحكمة وتشير إلى إحدى أكثر الميزات السيئة التي بات يتصف بها مجتمعنا في القدرةالعالية على توليد الإحباط للمقابل وللذات ، فهناك الكثير من الذين يبدعونفي بلدان المهجر ويكون لهم شأن كبير وواضح في مجتمعات وأوطان لاينتمون لها بالأصل ، وحين يبدع ويبتكر أقرانهم في الوطن لا يتم الالتفات لهم او تتم رعاية ما ينتجونه من مبادرات واختراعات وبشكل يؤكد إن الفكرة بذرةوالبذرة لا تنمو في ارض قاحلة ، ويبدو إن أرضنا اخذت تتحول لجرداءكونها لا تحتضن الإبداع والمبدعين في ظل غياب جهات محددة تتبنى أصحاب تلك القدرات في الصغر والكبر ، وبلدنا فيه الكثير من الإبداعاتوالابتكارات التي لا تسلط عليها الأضواء بالشكل الذي يوازي الجهود المبذولة من قبل أصحابها الذين يعانون الإهمال ، فليس لهم ملجئا للتعريف بإنتاجهم وتسويقه بالشكل الذي يحقق الرضا لهم ولعوائلهم سوى الخارج الذي ترفضه وطنيتهم ومهنيتهم التي تصر على تسجيل السبق للبلاد .
وعذرا لهذه المقدمة التي ربما سبقنا بها الكثير ، ولكن ما اثار وجودها هنايعود لما نطلع عليه من الكم الهائل من الاختراعات والابتكارات التي لم تجد طريقها في التنفيذ ، والتي تم إعدادها لا بهدف تحقيق مصالح ومنافع وامتيازات لأصحابها ( وهو حق مشروع ) وإنما لإفادة المجتمع وأفرادهوالإنسانية جميعا الذين لهم الكثير من المعاناة ، فقد تكون المجتمعات بحاجةماسة لحلول وفرها العراقيين على شكل براءات الاختراع او نتائج البحوث ، و هي تولد في كل يوم وفي كل المحافظات ويتعذر استعراضها جميعا لأنهابالمئات او الآلاف ، وأرشيف الجهاز المركزي للسيطرة النوعية باعتباره الجهة المسؤولة عن منح براءات الاختراع يحتفظ أرشيفه بما يثير التساؤل عن أسباب الإهمال في رعاية العلماء والمبتكرين ، كما تحتفظ المكتبات والرفوف وسلات المهملات في الجهات البحثية على عدد غير محدود من النتائجوالتوصيات المفيدة التي تتضمنها البحوث ، وأصحابها يعانون من صعوبةترويجها وتسويقها وتطويرها وإدخالها حيز التطبيق والإنتاج لخلو البلد من جهة محددة ترعى وتتبنى الذين يصلون لحد الاختراع بشهادات أصيلةلم تطالها أيادي التزوير والفساد كما هو الحال مع بعض الشهادات ، ومعظم الابتكارات من براءات الاختراع يتم تبنيها بمبادرات فردية وبتكاليف يتكبدها أصحابها عدا بعض الحالات التي تنجز بامكانيات الجامعات من خلال مراكز البحوث او الأقسام العلمية في المعاهد والكليات .
وتحت شعار ( التواصل العلمي طريقنا للبناء والارتقاء ) ، عقدت الجامعة التقنية الوسطى \ كلية التقنيات الصحية والطبية ( بغداد ) وكلية النسور الجامعة ( الأهلية ) المؤتمر العلمي الدولي المشترك الأول للبحوث الصحية والطبية وبراءات الاختراع ، وهي مبادرة ايجابية للكشف والتعريف دوليا عن المواهب والقدرات والابتكارات التي تتمتع بها الملاكات العراقية ولتجسيرالعلاقة بين التعليم الحكومي والأهلي ، وما عرض في هذا المؤتمر يفترض أنيشكل صدمة لمن يعنيهم الأمر ، فاغلب البحوث والاختراعات التي عرضت في جلساته او في المعرض الذي أقيم لعرض براءات الاختراع فيها أصالةواضحة ومن شانها أن تحل مشكلات كبيرة في الداخل والخارج لو أتيح لها المجال في التطوير والتطبيق ، فهي تضع معالجات اثبتت جدواها علمياوعمليا في مجال الأوبئة والأمراض او في التخفيف ولتسهيل معاناة المرضى والمصابين ، بشكل يدل على علو كعب ملاكاتنا الوطنية في ولوج مواضيع واكتشافات لم تصلها الدول المتقدمة رغم الفرق الواسع في الدعموالإمكانيات ، ونظرا لتعدد النتاجات التي عرضت في المؤتمر ( براءات الاختراع والبحوث ) الذي تم تنظيمه وتنفيذه بشكل يستحق الثناء ، فإنناسنعرض البعض منها للبرهان بان الحركة العلمية في البلاد رغم ما تمر به من معرقلات وقلة الاهتمام ، إلا إنها لا تزال مزدهرة وهي بحاجة ماسة للدعم والاحتضان لتفجير المخفي من الطاقات ، والآتي نماذج من عناوين ومحتوىبعض البحوث التي شاركت في المؤتمر أعلاه :
. تقنية جديدة لتحويل صنف الدم الموجب إلى السالب بطريقة التغطية المناعية .
. استخلاص مادة من قشور العنب الأسود العراقي في علاج الخلايا السرطانية .
. إنتاج عدة لجمع عينات السعال لفحص تواجد فيروس كورونا لدى المصابين .
. معالجة الكسل الوظيفي للعين وتحسين الرؤيا بتمارين فيزيائية لمختلف الأعمار .
. طريقة جديدة لمعالجة داء الصدفية والاكزما بمستخلص نباتي يمكن إنتاجه محليا .
. إنتاج شورت طبي للمعاقين بدنيا بدلا عن كيس الإدرار ولا يسبب تحسس جلدي .
. جهاز آمن للتدريب في القيام بالحركات المبهرة لمستخدمي الدراجات النارية .
. استخدام محلول من السما في غسول الفم وعلاج أمراض السرطان والأحياءالمجهرية .
. اكتشاف واستخلاص مواد جديدة ذات فعالية إحيائية من بعض اللافقريات البحرية .
. تخليق وسط ناقل عالمي جديد لنقل وحفظ عينات فيروس كورونا ذات الحامض النووي .
. إنزيم اللاكيز المنقى من عزلة محلية من بكتيريا كليب سيلا كعلاج لسرطان الثدي .
. تصميم وتصنيع العصا الذكية لرعاية المكفوفين بجهاز حاسوب مصغر يضاف للعصا .
. تصميم شبكة لامتصاص الأشعة السينية المشتتة لتقليل الجرعة وتحسين الصورة .
. إزالة نسبة الكريانتين العالية في بلازمة الدم باستخدام او كسيد الزنك النانوي .
. علاج مرض سرطان الثدي باستخدام مستخلص فاكهة الكيوي يقلل الكثافة النووية .
. تحضير بوليمرات تحوي مشتقات كعوامل مضادة لتكاثر خلايا سرطان المبيض .
ويستطيع أي منا إدراك أهمية ما ورد في أعلاه وهي أعمال حقيقية تم تأييد صدقها من قبل الجهات ذات الاختصاص ، ولكن الموضوع يبقى محل تساؤل حول جدوى أن ننتج بحوثا واختراعات في ظل غياب الرعاية والتبني للتحول من الفكرة إلى الأعمام والتطبيق والانتشار بما يفيد المواطنين والبشرية جمعاء ، فالجامعات حين تعقد مؤتمراتها ومعارضها وندواتها وغيرها من المحافل تؤدي جزءا مهما من الأدوار في التعريف بنتائج البحوث والاختراعات وتعلم بها الجهات المعنية ، ويفترض أن تكون تلك البداية لإكمالمراحل ما بعد الابتكار ، فالحلقة التالية وجوب المتابعة من قبل الجهاتالمستفيدة وهي الحلقة المفقودة في بلدنا ومن الواجب تفعيل إجراءاتهاليس غدا وإنما اليوم ، لان المبدعين من سلالة البشر عالية الإحساس ويمكن أن يصابوا بالإحباط ، وعلى من يعنيهم الموضوع أن يتداركوا الأمر لان غض النظر عنه وإهماله أمرا يثير التساؤلات ويؤشر حالات من القصور والتقصير ، ونحن لا نريد تبني نظرية المؤامرة بهذا الخصوص ولكن من المناسبالتذكير بأهمية أن لا بهمل هذا الموضوع الذي يواجه ببرود ، آخذين بعين الاعتبار إن هناك الكثير من تلك النتاجات من الممكن تسويقها بعقود في الخارج او تحويلها للداخل كاستثمار ومن خلال عمل مؤسسي يضمنالواجبات والحقوق ، لان انجازها من خلال الجهود الفردية يبقيها محدودة ويمكن أن تخضع للسرقة والتحايل وغيرها من الأشكال ، وبهذا الخصوص يمكن تكليف جهة فاعلة ( عامة او خاصة ) تهتم بهذه الشؤون لتكون حاضنة لرعاية وتسويق المواهب والابتكارات بما ينعكس خيرا وعدلا على كل الإطراف .