23 ديسمبر، 2024 2:03 ص

مصيرنا بين ساسة الارهاب وأرهاب الساسة

مصيرنا بين ساسة الارهاب وأرهاب الساسة

الحال المأساوي والازمات المتتالية وأزدياد حجم الكوارث اليومية والدموية التي يمر بها الفرد والمجتمع العراقي لهو أمر خطير وكبير لا يمكن السكوت عليه والتغاضي عنه، والمعاناة التي عاشها ويعيشها العراق وشعبه ليست وليدة هذه الاشهر والسنوات القليلة الماضية، وانما وليدة عقود من الزمن، فقد ذاق الشعب العراقي ويلات الحروب والقتل والتهجير والنزوح والعنف والكراهية منذ زمن طويل ونتيجة سياسات استبدادية طائشة فُرضت عليه بالقوة والطغيان، ولكن العجب كل العجب والامر المستغرب والمثير أنه قد أتانا من خلصنا من تلك السنوات العجاف وفرحنا بقدومه عسى أن يعوضنا تلك السنوات المريرة، ولكننا تفاجأنا بمن يحكمنا من الساسة وبنظامهم السياسي البالي، وعاد الامر سيان بين الماضي والحاضر، واذا بالحكم في العراق ينتقل من حكم الفرد الحاكم والمستبد الظالم، الى حكم الجماعة الحاكمة والمستبدة، رغم وجود الاحزاب والتكتلات السياسية الجديدة والكثيرة، ولكنها لعبة سياسية جديدة نسجت في غرف مظلمة ومطابخ عفنة ومراكز بحوث سياسية متغطرسة، سياسة جديدة تمثلت بسلطة الاحزاب الجديدة واستبدادها المؤدلج وفقاً لسياساتهم وبرامجهم الضيقة التي جعلت كل حزب وتكتل سياسي يحاول فرض سياسته وخطابه الضيق المستند الى اساس دينه او مذهبه او حزبه او قوميته، وهذا ما لا ينسجم ومكونات العراق الاجتماعية والثقافية والفكرية، وتوجهاته التي تؤمن بالمشاركة والتنوع والتفاهم في بناء البلد واستمراره في الحياة والوجود.
حين كان العراق يعيش تحت سياسة الحزب الواحد، مارس قادته وساسته استبدادهم على الشعب وأرهقوه بحروب وكوارث ومحن نعيش ويلاتها الى اليوم، وساد خطاب المكون الواحد والحزب الواحد والقومية الواحدة، وحين تم القضاء على ذلك الحزب وقادته وساسته وجيء بأحزاب وقادة وساسة جدد جاءوا بخطاب التعددية والتنوع ومشاركة جميع المكونات تحت النظام الديمقراطي الجديد، فاذا بهم يتحولون الى قادة وساسة يفترسون كل من يقف بوجههم من الشعب ومكوناته التي جاءوا ليمثلوها، فقد أرهقوا الشعب والبلد وجميع المكونات الاجتماعية والثقافية والفكرية وأذلوه بحروب ومصائب ومحن جديدة تضاف الى تلك السابقة، فصار وضعنا وحالنا سوء على سوء، ومحن على محن، فكيف بنا وهذا حالنا وواقعنا، فنحن ما زلنا نعيش ظروفاً مأساوية من الزمن القديم ومن الزمن الحاضر ايضأ، وهذا ما لا يتحمله شعبنا وبلدنا، ونذير بدمار وخطر ودمار انساني واجتماعي وسياسي وحياتي كبير وخطير في
العراق، مالم يتم تلافيه من قبل أفراد وجماعات وفئات ومؤسسات وأحزاب وطنية خالصة ، تؤمن بقيمة الانسان كأنسان بعيداً عن كل أنتمائاته ومعتقداته الدينية والعرقية والحزبية، الايمان بالقيمة الوجودية للانسان وبكينونته المكرمة والمعظمة من قبل الاديان والفلسفات والثقافات، بأختلاف تلونه الفكري والديني والسياسي، والايمان بقيمة العراق وتاريخه وحضارته وثقافته وتنوعه الاصيل والعريق، وهذا ما لا يتم حصوله بسهولة وروية وحكمة في العراق من قبل حكامه وسياسيه، لأن ساسته وأحزابه قد تم تفصيلهم وفق مقاسات طائفية وأيدلوجية وقومية وعنصرية ضيقة جداً، لا تؤمن بالتنوع والتعدد والحوار والمشاركة ، وترفع تلك المصطلحات كشعارات فقط دون ممارسة تذكر، وهي كذبة تمارس بشكل خطابي وأعلامي كبير ليس لها مصداقية واقعية، ولا زال الساسة والاحزاب ومن يمثلها، يتحركون وفق أفق ضيق مشحون بالحقد والعنف والتشنج والكراهية، لا يبالون لواقع الشعب وحاضره ومستقبله، ولا لمصيرنا المشترك على ارض هذا البلد المسكون بالمأسي والازمات، والمشحون بالعنف واللعنات، يالها من مأساة ومن حال مزرية تلك التي نعيشها منذ زمن طويل، اكلت فيها الاحقاد والحروب والتطرف، الاخضر واليابس، وضيعت البلاد والعباد، ولم تبق ولم تذر سوى الشر والنزعة التدميرية والكراهية، وقطعتنا أوصالاً أوصال، وأحالتنا الى مسخ وقطيع ووحوش يأكل بعضنا بعضاً، ويفرح بعضنا بعذابات الآخر، ونصب اللعنات فوق اللعنات للخلاص من الآخرين، متناسين عمق العلاقة والتاريخ الكبير الذي يربطنا على هذه الارض الحنون، التي ارضعتنا حباً وسقتنا عشقا وهياماً، وأطعمتنا خيراً وحناناً عراقياً اصيلاً لا يزول طوال هذا التاريخ العريق، ولكن الاحقاد والاوغاد من العباد حسدونا على حبنا وعطفنا وخيرنا ليزرعوا الشقاق والنفاق والعنف والكراهية بين صفوفنا، ليتفردوا بسرقة خيراتنا وحقوقنا وثرواتنا، وينشروا بيننا ثقافات وأفكار وسياسات مختلفة الالوان، تتغذى من جذور عنفية ودموية، وتاريخ وتراث متطرف لا يمت والانسانية والعدالة والقانون بشيء يذكر.
واقعنا السياسي المأساوي الكريه ألقى بضلاله على واقعنا الاجتماعي والحياتي اليومي وعلى مصيرنا وكينونتنا ومكوناتنا، فكل شيء جميل في هذا البلد تحول الى قبح تام، وفُقد الامن والامان، وأنتشر الخراب والدمار محل العمران والبناء، والتخلف والامية محل العلم والمعرفة والثقافة، والفساد السياسي والاداري والاخلاقي محل النزاهة والشرف والصدق والاخلاص، وحصل أنقلاب كبير وخطير جداً في جميع القيم والمبادىء والاهداف النبيلة، تحول العراق الى غابة متوحشة، البقاء فيها للاقوى وللفاسد ولمن يمتلك حزباً قوياً وأموالاً وأسلحة وسنداً داخلياً وخارجياً، انها مافيات وتجمعات تمتلك من القوة والحضوة والهيمنة الشيء الكثير، ولا يستطيع الشعب ان يقف بوجهها ويحد من وجودها وسلطتها، لأنها تسحقه وتقتله وتنفيه من الوجود تماماً، وما التفجيرات والاحداث الكارثية التي حدثت في مدن متفرقة من بغداد والمحافظات الا
لتقول كلمتها للمتظاهرين والمعتصمين الذين خرجوا ضد فساد السلطات الثلاث والساسة والسياسة، بأنكم لا تسطيعون أن تقفوا في طريقنا ونحن لدينا طرقنا وأسلوبنا الخاص للخلاص منكم ومن كل شخص او جماعة تقف بوجه الساسة وأحزابها.
ان العراق يسير في الاتجاه غير الصحيح والخطر والمنزلق، الى المهالك في جميع المسالك، لأننا عرفنا بوضوح سياسة من يقودنا من الكتل والاحزاب، التي تسير بنا نحو الهاوية والفساد، سياسة تسير مع الارهاب بصف واحد، وقد اطلعنا وبشكل كبير وعرفنا حجم المصلحة الشخصية المفرطة التي تسير بها الاحزاب السياسية وقادتها، وقد تم أدخال الدولة العراقية في فراغ تشريعي وتنفيذي وقضائي كبير ليس له مثيل، اذ اننا نشهد اليوم تعطيل تام للدولة العراقية ومؤسساتها، وتفاقم الوضع الامني والخدمي والاجتماعي سوءاً ودماراً، والعمل على افقار الشعب العراقي وسحقه ونهب ثرواته وتعطيل حياته وفقدان حقوقه، تحت ظل الديمقراطية، التي لم نجن منها الا الشر والبؤس وهيمنة الاحزاب والساسة وقادة السوء والسياسة، فكل شيء في العراق سائر نحو الهاوية، لأن ارادات قادة الاحزاب تسير بعكس ارادة الشعب وصوته وحقوقه، المستند على الدستور والقانون والضمير الحي، ولكن الساسة والحكام والقادة خرقوا جميع القوانين والمواثيق وبنود الدستور العراقي، ويحتكمون لاراداتهم ومصالحهم الشخصية الضيقة فقط دون الاكتراث بما وضعوه اساساً للعملية السياسية في العراق، وقد جعلتنا أرادات الاحزاب وقوداً لتحقيق مآربهم وأجنداتهم السياسية، ولا يبالون لما يحصل لنا من مصائب ومحن ومآسي، لأنهم يتحصنون في مدن مسورة بعيدة كل البعد عن الشعب الذي يكتوي بنار الارهاب والساسة من كل مكان.