من المعلوم ان شخصية المواطن تتمثل في سلوكه ومعرفته وثقافته ؛ فالإنسان في الظروف الطبيعية لا يفعل شيء الا بوجود دافع نفسي , واعتقاد عقلي بضرورة فعل ذلك الشيء.
والسلوك يكشف عن بيئة المرء وثقافته وتربيته , وكذلك الافكار والاعتقادات تبين لنا مدى علمه و وعيه , وقد تنتقل السلوكيات والاعتقادات من شخص الى اخر ؛ بل ومن جيل الى جيل ؛ كما يتأثر الخلف بالسلف ؛ وهذا الامر يكشف لنا حقيقة الجماعة ويسلط الاضواء على جوهر هذه الفئة او تلك .
وقد تعرضت بلاد الرافدين للعديد من الاحتلالات ولعل اشدها تأثيرا , هما : الاحتلال العثماني والاحتلال البريطاني ؛ فقد خلفا وراءهما الكثير من رعاياهما ومرتزقتهما وخدمهما , وتولت هذه الفئة الهجينة زمام الامور في العراق ؛ ومنذ ذاك اليوم الاسود لم ير العراق والعراقيون خيرا .
والعجيب في امر هؤلاء الغرباء والدخلاء وطبيعة الاوضاع العراقية ؛ ان الكثير من الاقوام المهاجرة حديثا الى هذه الدولة او تلك , وكذلك الكثير من بقايا الاحتلالات الاجنبية والجاليات الغريبة في هذا البلد او ذاك الوطن ؛ اندمجوا مع السكان الاصلاء واحبوا البلدان التي قطنوا فيها ؛ الا مصيبتنا نحن فقد بلينا بدخلاء وغرباء ومهاجرين وجاليات من نوع اخر ؛ فهؤلاء اول أمر فعلوه انهم تنكروا لأصولهم المعروفة وادعوا العروبة والهوية العراقية كذبا و زورا , وثاني جريرة ارتكبوها انهم حاربوا العراقيين الاصلاء ونصبوا لهم العداء وفضلوا الغرباء والدخلاء امثالهم عليهم ؛ ولا ادل على صدق ما ذهبت اليه من تردي احوال العراق والعراقيين مقارنة بشعوب ودول المنطقة والعالم ؛ طوال حكمهم الاسود وايامهم الغبراء والذي استمر لمدة 83 سنة تقريبا ؛ وبما ان الامور تعرف بأضدادها سأذكر لكم مثالا يوضح لكم الفرق بين اجانب وغرباء ودخلاء العراق ونظرائهم في مصر – مثلا – : فعندما تجدد القتال بين المصريين والأتراك عام 1839 هزمهم والي مصر ابراهيم باشا هزيمة ساحقة في موقعة “نزيب” الفاصلة وغنم منهم أسلحة كثيرة … ؛ عندها سأل “البارون دوبوا لوكومت” إبراهيم باشا قائلا : “كيف تطعن فى الأتراك وانت منهم” – (وقتها كان هناك جمع بين سكان البلقان و تركيا باعتبار انهم من رعايا العثمانيين )- ؟!
فرد ابراهيم باشا : «أنا لست تركياً فإني جئت إلى مصر صبياً ، ومن ذلك الحين مصرتني شمسها وغيرت من دمي» …!! .
والمصيبة الثانية : هي مصيبة المواطن العراقي الاصيل ؛ والذي قد يخون الوطن او يقصر بحقه او يهمل الهوية العراقية الاصيلة او يتعاون مع اعداء العراق او يفضل مصالح الاخرين على مصالح الوطن العليا ومصالح العراقيين ؛ بحجة القومية او الدين والمذهب او غيرهما من الذرائع المنكوسة ؛ فهؤلاء يأخرون العراق وهو المقدم , ويفضلون مصالح الغرباء والاجانب على حقوق اهاليهم وذويهم ومواطنيهم من العراقيين الاصلاء ؛ ولا يشعرون بأهمية وشرف وعظمة الانتماء الى تراب بلاد الرافدين العظيمة .
والشيء بالشيء يذكر ؛ من المعروف ان الكثير من اليهود يقدمون الهوية اليهودية على الهوية الوطنية ؛ الا ان التاريخ ينقل لنا احداث ومواقف لبعض اليهود تؤكد لنا وطنيتهم وعدم انجرارهم خلف العقائد والشعارات الدينية التي تؤدي بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى الاضرار بمكاسب ومصالح وحقوق الوطن والمواطن .
واليكم هذه الحادثة التاريخية التي ينقلها بعض المغاربة : عندما طرد المسلمون واليهود من الأندلس ؛ انتقل عدد كبير منهم للعيش في المغرب … ؛ و لكن عملية اندماجهم لم تكن سهلة حيث لم يسمح لهم بالإقامة مع السكان الاصليين , وتم تخصيص أماكن خاصة بهم مثل ما قام به أمير تطوان : مولاي علي براشد ؛ حيث خصص منطقة جبلية وعرة لهم في مدينة شفشاون حاليا … .
و اندلسيو هورناتش اسسوا جمهورية مستقلة في مدينة سلا ؛ وقد خاضت حروبا مع المجاهدين المغاربة والنظام المركزي … ؛ وكذلك مدينة دبدو شرق المغرب عرفت حربا طاحنة بين فئتين من اليهود ؛ اليهود الوافدين والذين يطلق عليهم اسم الروميين( نسبة الى الروم ) ؛ و اليهود الاصليين المغاربة ؛ والذين يطلق عليهم اسم اليهود البلديين … ؛ حيث لم يتقبل اصحاب الأرض وابناء الوطن الاصلاء اقتسام مدينتهم مع الوافدين الجدد , على الرغم من انتماءهما الى نفس الديانة … ؛ وانتهت الحرب بطردهم … .
ومن هذه الحادثة وعشرات الحوادث المشابهة ؛ نعرف ان الانتماء للأرض هو اساس هوية الفرد … .