تذكّرني فئة سيارات (المنفيست) ، بفئة المواطن نفسه ، ومَنْ الذي يملك هذه السيارة سوى الفئة المسحوقة من المواطنين؟ ، فهل يملك عضو برلمان ، او مجرد موظف في الدولة من هذه السيارات الا ما قد ندر ؟
الاجراأت القانونية لترقيم هذه السيارة عبارة عن سلسلة من العذاب والابتزاز والروتين القاتل تستلزم التفرغ التام لأسابيع ، بحيث (أداوم) في دوائر الدولة (ومنها شركة الظلال) منذ أكثر من اسبوعين ، والحبل لا يزال على الجرار !،اذ لم أكمل سوى اجراأت (الكمرك) ، فكيف الحال بالمواطن صاحب المهنة التي يجني منها مصروفه اليومي ؟ ، بالطبع لكل شيء بديل ، فما ان يرونك تدخل الى منفذ شركة الظلال حتى ينهال عليك (السماسرة) مقابل دفع (6 أوراق) لتأجير (معقـّب) ، ويزداد تعجبك عند الدخول ، فترى المئات ، يقفون تحت الشمس اللاهبة كالغنم ،(لا أعتقد ان راعي الاغنام يجرؤ على ترك اغنامه في الشمس)، امام أكثر من عشرين شباك على المواطن سلوكها جميعا ، بالطبع توجد في بعضها مظلات ، ولكنها لا تكفي لنصف هذا العدد .
لقد ظهر الروتين ، من أجل التقليل من الفساد والتلاعب ، ولكن عندنا ازداد الفساد ، ومعه ازدادت شدة الروتين في خطين متوازيين جهنميين ، لا يبدو انهما سيتوقفان ،يدفع ثمنه المواطن .
الغريب ما يحدث في دوائر (الكمرك) ، فأي منفذ يطالبك الموظف بلسانه (انطيني خمسة) ، حتى في الصادر والوارد ، والمصيبة الكبرى عند الكشف على السيارة ، اذ توجد (تسعيرة من 125 الى 150) الف دينار ، تحصل بموجبها على تواقيع وأختام لجنة الكشف دون أحضار السيارة !، على أي حال ،كان عليّ الذهاب (من أجل الطابور) في الساعة الرابعة صباحا لأجد لي مكانا ، وعند التوقف في الطابور ، يظهر لك السماسرة مرة أخرى (والدنيا ظلمة) ، يطالبونك بمبلغ من المال ، لتقديمك الى الامام ( حسب البعد عن بوابة الدائرة ) فهنالك من يقف في الطابور لا لشيء سوى (بيع مكانه)!.، وهكذا انهيت الكشف في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر ! ، وعند أجراء الكشف على السيارة ، طالبني العامل المسوؤل عن تدقيق رقم الشاصي (بحلاوة) لا تقل عن 10 الاف دينار ، رغم اني دفعت رسوم الكشف البالغة 20 الف دينار .
المشكلة الكبرى هي الطوابير الهائلة التي تسير ببطء شديد في حر الشمس ، فهل من الصعوبة فتح أكثر من منفذ ؟ خصوصا في حاسبة الكمرك ، وفي رسوم الكمرك ؟ رغم ان اقل معدّل لهذه الرسوم تبلغ 100 الف دينار لكل مواطن كان قد نتفها المواطن المسحوق من جلده !.
وفي صادر (الكمرك) هنالك منفذان ، منفذ من الباب لمن يدفع 25 الف دينار ، ومنفذ الشباك (فئة الخمسة الاف دينار ) وهو لا يتحرك ، لأن (الرَبُع) اهتموا بالفئة الاولى ، الحمراء !.
في حاسبة (الكمرك) ، وقفت في الطابور في الساعة الثامنة صباحا ، وأمامي حوالي المائة مواطن ، لم اصل الى الشباك الا في الساعة الثانية ظهرا ، تحت الشمس في بيئة لا يتحملها حتى الحيوان ، كان يتم تمشية عدة معاملات من الداخل خاصة (بالدفّاعة) ، مقابل معاملة واحدة من الواقفين ، هذا سبب البطء ،وظهر (السماسرة) مرة أخرى ، ان أجرة أكمال المعاملة في الحاسبة بدون طابور 60 ألف دينار ، وتستغرق 10 دقائق !.
أعلم جيدا ان (قرش الحلال) كما يسمونه ، ليس بالامر الهيّن ، فما بالك بموظّف تنهال عليه فئات الخمسة الاف دينار من أجل جملة أو ختم ، ونعلم ما يعانيه سائق (التاكسي) –وانا منهم – من اجل ورقة نقدية واحدة من فئة الخمسة الاف دينار .
كل ذلك ولا يحق لك تحويل السيارة بأسمك رغم حقك في التصرف الكامل بالسيارة حسب نص الوكالة لأنك وكيل ، الا يوجد استثناء لهذا القانون خصوصا ونحن نعلم ان عقدة المالك والحائز والوكيل سببها الفوضى التي المّت بالدولة – ولا تزال .
التفاتة كريمة من الدولة لتحويل هذه السيارات ، لكنها كلمة حق يراد بها باطل ، لقد فتحت هذه الالتفاتة ابواب (الرزق) للكثيرين من المرتشين والباحثين عن (الاكراميات) ، ان شاء الله تكون بوابات جهنم .
عجبي كل العجب ، من دولة تستخف بالمواطن كل هذا الاستخفاف ، من دولة لا يهمها وقت المواطن ، لا تهتم بأمنه ، لا تزوده بالخدمات ، دولة قد رفعت يدها عن كل انواع الدعم ، وبدلا من ذلك ، توجهت بكل ثقلها الى الجباية ، عجبي من هكذا دولة ، دولة لا ينطبق عليها ، تعريف الدولة .