ضمن أرشيفي الصحفي والأدبي ، تستقر قصيدةٌ نقلتُها من جريدة (الجمهورية) ، وهي جريدة يومية سياسية ، صدرتْ في بغداد ، لأول مرة ، بعد ثورة (14) تموز 1958 بأيام قليلة . على الأغلب ، كان العدد الذي نقلتُ منه القصيدة ، قد صدر عام 1989 . والقصيدة للشاعر حسب الشيخ جعفر ، وعنوانها : رأس الحمار .
وقبل أن نقرأ معاً هذه القصيدة ، من المفيد أن نقدم قراءةً مختصرة في سيرة الشاعر .
ولد حسب الشيخ جعفر في العمارة عام 1942 . وبدأ النشر عام 1956 ، في جريدة (صوت الجنوب) الصادرة في مدينة العمارة . حصل على ماجستير آداب من معهد غوركي الأدبي عام 1966 في موسكو . عين رئيساً للقسم الثقافي بأذاعة بغداد (1970 – 1974) . وهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق . له ثماني مجاميع شعرية . الاولى صدرتْ عام 1969 ، بعنوان (نخلة الله) ، والأخيرة صدرتْ عام 1988 بعنوان : (في مثل حنو الزوبعة) . وله سبعة كتب مترجمة . ويمكن القول ، أن الشاعر حسب الشيخ جعفر ، عاش في بيئة أدبية يسارية ، وحظي بمحبة واحترام الوسط الأدبي عامة ، واليساري خاصةً .
نعودُ لقصيدة (رأس الحمار) . فهي تحكي قصة ثلاث شخصيات لا يجمعها مشترك ، هي : الأسد ذو القوة الغاشمة ، وابن آوى صاحب الحيل والمكر ، والحمار ، ذلك الحيوان الصبور الوديع . المهم إجتمع الثلاثة ، وجاء في مطلع القصيدة :
خرج الحمارُ مع ابن آوى والأسدْ
(1-3)
في رحلة للصيد في الوادي الكبير
يجري وراءهما ويحتملُ الفرائس والعدد
ويجيئ للعطشان بالماء النمير
إن المهمة واضحة . واختيار الحمار (كرافعة أثقال) كان في محله . لكن (ما هو في غير محلَّه) ، أن يطلب الأسد من الحمار ، أن يقسم َ بينهم ، فريسة إصطادوها . ولنقرأَ في القصيدة :
فأذا ترجل ركبُهم تحت انحدار السنديان
أمرَ الحمارَ الليثُ : إقسم بيننا يا قنطروس
ولأنه (حمار) ، أخذ يقسم بينهم بالتساوي . وكانت المصيبة . وتقول القصيدة :
فانكب يعدل بينهم ، فتكدَّرَ الأسدُ المُهان
وأطاحَ بالرأس الحليم بوثبة فوق الرؤوس
إذن حصد الحمارُ ما غرستْهُ يداه . وتدحرج رأسُهُ عند أقدام الأسد . عندها طلبَ الليثُ من (إبن آوى) أن يعيد القسمة ، ونقرأ في القصيدة :
ودعا إبن آوى أن يُعيدَ الكيل بينهم فكال
عجلاً يكوَّمُ كلَّ شيئٍ تحت أقدامِ الهمام
وإستَلَّ خيطاَ ناحلاً ، هو كل حصته ، وقال :
عليّ بما قَسَمتْ يدي ، أنصفتُ في فقه الأنام
والنتيجة معروفة . فابن آوى عرف ماذا يريد الليثُ ، وأمامه مصيرٌ مأساوي لحيوان مسالم لا يعرف لعبة التعامل مع السلاطين ، وهو ليس من وعّاظهم ، كما يقول العالم الاجتماعي الراحل علي الوردي .
(2-3)
وتقول القصيدة :
فتبسَّم الليثُ العبوسُ : لقد عَدِلْتَ فلا غبار
فمن المعلم يا فتى ؟ فأجابه : رأس الحمار ؟!
قليلون جداً يعرفون ماذا يريد الليث : الحاشية خاصة ، والكثرة الكاثرة تصدق دعاوي السلاطين حول : العدل والمساواة والحرية . لذلك خَسَرَ العديدُ منهم رؤوسَهم .
وللهِ درك يا حسب الشيخ جعفر حين إلتقطت هذه الصورة المأساوية ، لكنها درس بليغ !! .
[email protected]