23 ديسمبر، 2024 10:22 ص

مصـــران … أعور

مصـــران … أعور

بالتزامن مع حلول الأيام الاولى من هذا العام , حيث مشاهد الفرح والأبتسامة التي ظهرت في بعض شوارع العاصمة بغداد ! كانها تؤدي دور الفرحان والمبتهج بطريقة التمثيل والمشاركة ليس الا !!!  فالظهور الضيق والمحدود لبابا نؤيل وهو يرتدي بدلته الحمراء ذات اللحية البيضاء مجردا من الهدايا !!  ربما يساعد الروح العراقية على التنفس بعض الشيئ وسط ضبابية الشارع السياسي فيه ونحس انو ( احنه حالنه حال دول العالم الاخرى ) ..فقبل اعوام قليلة كان بابا نؤيل حالف ان ميمر على اطفال العراق ! كأنه مطلوب عشائريا !! او انه يحتاج الى رتل من المصفحات لحمايته من النيران المجهولة !! وماعرف هو شمسوي بلظبط !!!
ورباط السالفة كما يقولون .. كنت جالسا في منزلي واذا بالباب يطرق بقوة , واذا بالداخل اخي وابنته الصغيرة التي لم تتجاوز السادسة من العمر , حيث امتلكت في لحظتها ملامح التعب والمرض الشديد , فقال اخي لي : اذهب وارتدي ثيابك بسرعة وتعال معي لنأخذ ابنتي فهي مريضة جدا !! هي لحظات حتى خرجنا من المنزل واستقلينا سيارتي الشخصية المتواضعة التي جعلت طريق الوصول الى ذلك الطبيب اصعب مماكنا نتوقع !!!! ولكن بالنهاية وصلنا الى احدى العيادات الشعبية والذي كان المشهد في داخلها مشهد يرثاى له !!! ..فكانت بمثابة مأساة انسانية مروعة ..فمباشرة  يتراوى الى الذهن بأن كل اطفال العراق هم من المرضى !!! بعد ساعات انتظار طويلة جدا اجرى الطبيب المختص المعاينة واكتشف ان الفتاة تعاني من طارئة الزائدة الدودية ( المصران الاعور ) واوصى بأن تجرى لها عملية جراحية وبسرعة الممكنة فقام بتحويلنا الى احدى المستشفيات الحكومية وسرعان متجهنا الى تلك المستشفى والتي كانت بمثابة صدمة مروعة اخرى  فهي تحتوي على ردهة طوارئ لاتصلح للحيوانات ” اجلكم الله ” ففيها من زوار الطوارئ من جرحى العمليات العسكرية من رجال الامن بالاضافة الى الشيوخ المسنين فهي جامعة لمرضى القلب والظغط والسكر والكسور والقلون والاطفال وكل شي موجود فيها يوحي للامراض القاتلة يعني حتى اذا مابيك شي تتمرض من تزور المستشفى !!!! والمرافقين للمريض الواحد يتكون عددهم من اربعة اشخاص وانت صاعد !!! يعني يجوز حتى يلهون المريض وميحس بالمرض وليش يبقى وحدة !!!!!
 المهم اننا مع تواجد كل تلك العوامل السيئة اندفعنا الى الهروب من تلك البقعة الوبائية التي تسمى المستشفى !! لنستنشق الهواء الصالح خارجها وانني انصح تلك المستشفى ان تنقل اسرة المرضى المتسخة والمليئة بالدماء القديمة الى رصيف المستشفى وعلى الهواء الطلق كون الجو يمكن ان يكون اكثر ملائمة للمرضى المساكين !!!! انتقلنا بعدها الى مستشفى اخر فوجدنا الدكتور المطلوب في مدخل بوابة المشفى فاجبرناه على  معاينة الطفلة للحظات قليلة فكانت اجابته انها تعاني من الزائدة التي لابد ان تستئصل وبسرعة  ولكن للاسف انني عائد الى منزلي وحتى ان بقيت فمراح افيدكم بشيئ وذلك لانه لايوجد خبير تخدير ومختص اوكسجين اليوم !! تعالوا باجر صباحا !!  وخرج ذلك الطبيب مسرعا بعد تلك الكلمات السريعة الايقاع ..فتصورا ملائكة الرحمة في العراق يفضلون العودة والجلوس في منازلهم ليشاهدوا برنامج ” ذا فويس ” مع تناول الكرزات وقدح الكاكاو افضل من ان يمارس مهنته الانسانية وانقاذ حياة طفلة لم تبلغ عمر الست سنوات !!! ( فعجيب امور غريب قضية ) كما كان يرددها الفنان الراحل ” جعفر السعدي ” في مسلسل ” النسر وعيون المدنية ” في بداية ثمانينات القرن المنصرم ..لعد لو يشوف هسه الصاير شيكول !!!! وبعد ان حدد لنا موعد في صباح اليوم التالي ليكون قد اكتمل نصاب الاخوة في غرفة العمليات للتصويت على اجراء العملية …لم يكن في اليد حيلة كمايقولون اظطررنا للعودة بعد ان اخذنا بعض المسكنات لنتظر طلوع الصباح وظهور الفرج ..وبالفعل اشرقت الشمس وتجهنا للمستشفى تنفيذا لوعد الطبيب المسرع !! ..حتى وصلنا فبينت لنا  استعلامات المستشفى النائمة  انه لايوجد أي طبيب جراح لان اليوم جمعة !! يعني الظاهر الجماعة يعزلون بالعطل !! بعدها سارعنا الى اختيار مستشفى اهلي لاجراء العملية ولم تكن هي الاخرى بلمهمة السهلة كون ان هناك استهتار فيها لغياب الرقيب والرادع لتلك المؤسسات فهي محلات تجارية صرفة ولاتتعامل ال ب( فلوس )  .. وفي نهاية استخرجنا ذلك المصران الذي اتعبنا طوال الليل لتعود تلك الطفلة الى حالتها الطبيعية .. ولكنني تسائلت عندما رأيت ذلك المصران الخبيث فقلت له متى يتم اسـتئصال المصران الاعور للعراق كله ليعود بلد معافى لايعاني من أي مرض او حالة استثنائية … اذن هي دعوة الى السيد وزير الصحة العراقي الى الخروج من المكاتب المغلقة والتجوال في المستشفيات الحكومية والاهلية وعدم الاعتماد على الجهاز الرقابي للوزارة  ..وياريت تتجول ليلا يامعالي الوزير لترى بعينك ماذا يجري في ذلك القطاع المهم لان بغداد لها واجب عليك في تامين المتطلبات الصحية لساكنيها  فهذه الحالة الانسانية التي تقدم الى المواطنين لاتحسب بالانتمائات والمذاهب  ….