23 ديسمبر، 2024 5:22 ص

مصطلح الكتلة الاكبر دليلا على الجهل السياسي والديمقراطي في المجتمع العراقي

مصطلح الكتلة الاكبر دليلا على الجهل السياسي والديمقراطي في المجتمع العراقي

منذ 2005 ، حيث تم التصويت على الدستور العراقي النافذ، ولحد الان ، ونحن في عام 2019 ، مازالت الغالبية العظمى من الشعب العراقي لاتفهم معنى مصطلح (الكتلة الاكبر) ولايستخدمونه بالشكل الصحيح المتوافق مع الدستور !!! … ومازال الاختلاف على معناه واللبس الحاصل في فهمه قائما وبقوة بين النخب السياسية وبأعلى مستوياتها وكذلك بين شرائح الشعب طولا وعرضا. ومازال المهتمون بالشأن السياسي والمتابعون له، برلمانيون، قانونيون، مثقفون، وزراء، صحفيون، اكاديميون، إعلاميون، خبراء دستوريون، خبراء استراتيجيون، وحتى المتظاهرين ومقدمي البرامج السياسية في القنوات الفضائية، يتحدثون عن الكتلة الاكبر، واغلبهم يستخدمونه بشكل غير صحيح ولايفهمون معناه.

ومن خلال متابعتنا لما يكتب وما تبثه الفضائيات من تقارير اعلامية وما يصرح به السياسيون والبرلمانيون وما تظهره البرامج التلفزيونية فان قلة ممن ذكرنا يفهمون معناه بالشكل الصحيح المتوافق مع الدستور، مع ان استخدامه يبقى غير صحيح، والاغلبية لايفهمونه ومابين الطرفين هنالك من يتعمدون تسويق الفهم غير الصحيح لغايات سياسية غير شريفة.

والمقدمة الاولى التي تبين ان استخدام مصطلح (الكتلة الاكبر)، بغض النظر عن صحة المعنى والدلالة من عدمه، يدل على ملامح الجهل في الساحة السياسية والثقافية العراقية هي عدم ذكر مصطلح (الكتلة الاكبر) في الدستور العراقي النافذ وان ما ورد فيه بخصوص موضوع التكليف لتشكيل الحكومة هو مصطلح (الكتلة النيابية الاكثر عددا) الذي ورد في البند (اولا) من المادة (76) فقد نص على : (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. ).

وعلى هذا فان مصطلح الكتلة الاكبر غير دستوري وبالتالي لايصح استخدامه في المورد المقصود به تكليف مرشح الكتلة الاكثر عددا لرئاسة الحكومة. ومما هو بديهي في التشريع والفهم القانوني والدستوري ان اختلاف النص يقود الى اختلاف المعنى المقصود وبالتالي اختلاف الفهم لدى المتلقي. وعلى المهتمين بالشأن السياسي والمتابعين له، برلمانيين، قانونيين، مثقفين، وزراء، صحفيين، اكاديميين، إعلاميين، خبراء دستوريين، خبراء استراتيجيين، وحتى المتظاهرين ومقدمي البرامج السياسية في القنوات الفضائية ان يراجعوا معلوماتهم ويصححونها. وهذا هو الجهل او الخطأ المتعلق باستخدام مصطلح (الكتلة الاكبر).

اما اللبس الحاصل في فهم المصطلح فيتعلق بالمعنى المقصود منه اذ يذهب الغالبية الى ان الكيان الانتخابي الذي يحصل على اكبر عدد من المقاعد النيابية بالانتخابات هو المقصود بمصطلح (الكتلة النيابية الاكثر عددا) وبالتالي هو الذي يجب ان يكلف بتشكيل الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء اي ان الامر مرتبط بنتائج الانتخابات لكل كيان انتخابي وقبل انعقاد جلسة مجلس النواب الجديد ولاعلاقة له بتشكيل التحالفات بعد فرز نتائج الانتخابات والتصديق عليها سواء كانت هذه التحالفات قبل مباشرة مجلس النواب الجديد اعماله او بعدها. وهذا ايضا جهل في مورده وسنبين خطأ هذا الفهم.

وهذا الاختلاف الذي تطور الى خلاف ليس بالجديد اذ تعود بدايته العملية الى ما بعد انتخابات عام 2010 التي حصلت فيها (القائمة الوطنية) بزعامة اياد علاوي على (91) مقعد نيابي وهو اعلى عدد يحصل عليه كيان انتخابي وكان علاوي يأمل ان يكون هو المكلف بتشكيل الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء الا انه لم يكلف بها بسبب تشكيل (التحالف الوطني) بعد الانتخابات من قبل ائتلاف دولة القانون وقوائم اخرى فائزة بالانتخابات جمعوا عددا من النواب اكثر من عدد نواب القائمة العراقية وسجلوا رسميا بانهم (الكتلة الاكثر عددا) واشتد الخلاف بين الطرفين مما دفع رئيس مجلس الوزراء في حينه نوري المالكي لمخاطبة المحكمة الاتحادية العليا لبيان معنى تعبير (الكتلة النيابية الاكثر عددا) باعتبارها المعنية بالتفسيرات الدستورية بموجب المادة (93 – ثانيا) من الدستور واصدرت المحكمة الاتحادية قرارها بالعدد ( 25 / 2010) وبينت فيه المعنى المقصود بالكتلة النيابية الاكثر عددا وهو (اما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، او الكتلة التي تجمعت من قائمتين او اكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما اكثر عددا، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الاولى اكثر عددا من الكتلة او الكتل الاخرى بتشكيل مجلس الوزراء استنادا الى احكام المادة (76) من الدستور.).

وتفسير المحكمة الاتحادية العليا واضح جدا وليس فيه اي لبس وهو ان الكتلة النيابية الاكثر عددا هي التي تتشكل من اكثر عدد من اعضاء مجلس النواب بعد ادائهم اليمين الدستورية وفي الجلسة الاولى لمجلس النواب وهذا يعني انه ليس شرطا ان يكون الكيان الانتخابي الحاصل على اكثر عدد من المقاعد بالانتخابات هو نفسه الكتلة الاكثر عددا المعنية بترشيح رئيس مجلس الوزراء.

ولكن الغريب هو حالة عدم تقبل ولا استيعاب لقرار المحكمة الاتحادية من قبل الكثير من الاطراف السياسية والاجتماعية وهذه الحالة لازمت الوسط الثقافي والسياسي حتى بعد مرور اكثر من عشر سنوات على القرار حيث ان الغالبية من العراقيين ومن مختلف المستويات الثقافية والسياسية مازالوا يصرون على عدم الفهم الصحيح لمصطلح (الكتلة النيابية الاكثر عدد)، واذا كان عامة الناس معذورون في هذا (مع اني لا اعذرهم) فانه من المعيب جدا ان يبقى الامر ملتبسا على اعضاء في مجلس النواب وقانونيين ووزراء ومسؤولين بدرجات عليا ومحللين سياسيين واكاديميين وحتى اعلاميين وخاصة مقدمي البرامج السياسية منهم. والاعجب والاغرب ان يتصدى من يتصورون انهم من اهل الفهم والعلم ويصرحون بخطأ قرار المحكمة الاتحادية !.

وقد تصاعدت في الآونة الاخيرة ، بعد استقالة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي (وهي استقالة غير صحيحة !)، حدة الازمة السياسية المرتبطة بهذا الموضوع حيث ادعت كل من كتلة سائرون الممثلة للتيار الصدري وكتلة الفتح (نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي ومحمد الحلبوسي) بانها الكتلة (الاكبر) في مجلس النواب ما يعني احقيتها بترشيح ممثل عنها ليتم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء.

فقد بعثت كتلة البناء رسالة الى رئيس الجمهورية برهم صالج تدعي انها الكتلة الاكثر عددا وتطلب منه تكليف مرشحها لتشكيل الحكومة فيما ادعى حسن الكعبي النائب الاول لرئيس مجلس النواب ان كتلته (سائرون) هي الاكثر عددا ونفس الشيء ادعاه رئيس كتلة سائرون صباح الساعدي في رسالته الى رئيس مجلس النواب

وسبب الازمة الحالية هو جهلهم بفهم المعنى الصحيح لمصطلح (الكتلة النيابية الاكثر عددا) وبالتالي تحديد الكتلة التي ينطبق عليها هذا الوصف وما يقتضيه ذلك من وجوب اتباعهم السياق الصحيح في هذا الجانب وهو ان تقدم الكتلة التي تضم اكبر عدد من اعضاء مجلس النواب في الجلسة الاولى طلبا الى رئيس المجلس لاعتبارها (الكتلة النيابية الاكثر عددا) حتى تنال استحقاق رئاسة مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة حسب المادة (76 – اولا) من الدستور وهو ما لم تقم به كتلة سائرون ولا كتلة الفتح !.

وقد كانت طريقة تكليف عادل عبد المهدي رئيس الوزراء المستقيل بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية في عام 2018 غير سليمة سياسيا ودستوريا لأنه كان مكلفا بالتوافق بين اغلب الكتل النيابية وهو توافق هش توقعت انفراطه سريعا مثلما توقعت عدم قدرة عادل عبد المهدي على تشكيل حكومة قوية ولا الاستمرار بحكومته لمدة الدورة البرلمانية وكتبت ذلك في مقالتي المنشورة بتاريخ (22/10/2018) بعنوان (عادل عبد المهدي بين طموح النجاح وإرث الفشل / قراءة عقلية هادئة).

وكذلك كتبت، فيما يتعلق بموضوع التوافق على تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء (هذه الخطوة التي اشاد بها اغلب النواب والسياسيين والأكاديميين والكتاب والمحللين ووسائل الاعلام المختلفة واعتبروها خطوة مهمة ومفصلية وضرورية لكسر (فتنة الكتلة الاكثر عددا) من اجل عبور المرحلة الحالية الصعبة….. فهل ان هذه الخطوة هي فعلا كما تم وصفها أم انها تبطن نقيض ذلك ؟ شخصيا اقول ان هذه الخطوة غير سليمة ومخالفة للدستور ولن تستمر طويلا وربما تسبب صراعات عميقة واضطرابات سياسية وبالتالي اعتبرها من الادلة على ضعف العقل العراقي.) وذلك في مقالتي المنشورة بتاريخ 30/11/2018 بعنوان (العقل والجهل / العقل العراقي وملامح انحداره، الكتلة الاكثر عددا محطة للتقييم).

ولو كانت كتلة سائرون او الفتح قد سجلت رسميا في الجلسة الاولى لمجلس النواب انها الكتلة الاكثر عددا لما دخلنا في اشكاليات وازمات سياسية ودستورية ، ولكن في العراق الجهل سيد الموقف ومن ملامحه عدم وجود القدرة على التحليل السياسي الراقي الذي يوصل الى قراءة سليمة للمستقبل السياسي.

ولابد من الاشارة الى تصريح نسب الى السيد اياد علاوي، وهو سياسي مخضرم ورئيس وزراء سابق، جاء في معناه ان عدم الالتزام بالدستور (؟!) وتفسير المادة (76- أولا) من قبل المحكمة الاتحادية العليا هو سبب ما نعانيه من مشاكل سياسية ؟!

وسيبقى مجلس النواب ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والطبقة السياسية يدورون في دائرة مغلقة لايستطيعون الخروج منها ؟!

ولازالوا لحد الان دايخين بتحديد من هي الكتلة الاكثر عددا في هذه الدورة !

ودايخين هل يمكنهم تجاوز موضوع الكتلة الاكثر عددا لو لا ؟! وشلون (كيف) ؟!

ومازال اللبس مستمرا !!!