دأب السيد مصطفى الكاظمي بمناسبة و بغير مناسبة على التأكيد أنه لن يرشح في الإنتخابات المقبلة لأنه غير معني بالسلطة ولا بالمنصب ، وهو إذ يقيم علاقات سياسية داخلية مع كل ألوان الطيف العراقي وعلاقات خارجية مع دول العالم فإن علاقاته هذه جميعاً مزدوجة الوجوه باستثناء تلك التي يقيمها مع الولايات المتحدة وبريطانيا الداعمتان له بلا حدود ولا شروط بدلالة القمة العربية الثلاثية التي انعقدت مؤخراً في بغداد ، وقد سبقتها زيارة قام بها إلى بغداد ” وليم بيرنز ” رئيس المخابرات الأميركية بهدف تعزيز موقع الكاظمي ، أما علاقاته مع إيران وسوريا فلا تعدوعن نفاق سياسي يضمر نقيض ما يصرّح ، و يُذكر في هذا السياق علاقة الكاظمي القديمة مع اسرائيل ولكن هذه قصة أخرى .
وعند الحديث عن علاقاته بالقوى السياسية في العراق ، فنبدأ بالتذكير أن الكاظمي قد ظهر لنا من حيث لا نعرف إذ أخرجوه لنا من المجهول في نوع من ألعاب الخفة التي يخرج فيها الساحر أرنباً من القبعة ، ولا تقول عنه سيرته سوى أنه هرب من العراق لسبب مجهول في ثمانينات القرن الماضي إلى حيث لا يعرف أحد ثم ظهر في لبنان بصفة إعلامي صيف 1982 خلال الإجتياح الإسرائيلي ليبقى حتى عام 1985 – وهو العام الذي ظهر فيه حزب الله إلى العلن كقوة مقاتلة ضدالعدو الإسرائيلي – ويبدو أن الغطاء الإعلامي للكاظمي قد تكشف وقتها عن علاقته بالأجهزة الإسرائيلية فتم تهريبه إلى بريطانيا ليغيب عن الأنظار حتى صيف 2003 حيث أسست وكالة المخابرات المركزية الأميركية جهاز مخابرات عراقي تولى الكاظمي رئاسة أحد أقسامه ثم صعد دفعة واحدة إلى رئاسة الجهاز ! وفي عام 2016 عاد إلى مقاعد الدراسة ليُمنح شهادة جامعية من كلية الحقوق مما يؤهله لتولي منصب سيادي بحسب ما ينص عليه الدستور العراقي .
من صفات الكاظمي أنه كالماء – بلا لون ولا طعم ولا رائحة – فالرجل له علاقات بحكم منصبه مع كل الطبقة السياسية العراقية ، ومن مواهبه التي ربما جرى تدريبه عليها أنه بارع في إخفاء حقيقة مشاعره و نواياه ، فهو على سبيل المثال يكيل عبارت التبجيل للمرجع السيستاني في حين أنه في أعماقه يتمنى هلاكه ومعه كل المعممين ؛ ويتغزل الكاظمي في كل مناسبة ” بالجارة ” إيران و يتبادل مع مسؤوليها عبارات التهاني و الود في الوقت الذي سمعه بعضهم يترحم على الرئيس صدام حسين لأنه دفع خطر إيران عن العراق وعن المنطقة بأسرها ، أما مع الحشد الشعبي فهو يلعب لعبة القط و الفأر فيزجي إليه التحيات مؤكداً على شرعيته باعتباره جزءاً من القوات المسلحة التي هو قائدها الأعلى و يترأس الإحتفالات في ذكرى تأسيسه وفي ذات الوقت يمعن الفكر في طريقة لتصفيته ، وقد حدث أن السفير الأميركي في بغداد اتصل بالكاظمي عصر الأحد 27 حزيران وأخطره أن سلاح الجو الأميركي وبأمر من الرئيس بايدن سيقصف فصائل للحشد الشعبي يعتقد أنها مسؤولة عن استهداف الأميركيين في العراق ، فكان ردّ الكاظمي أنه يتفهم !! good for themالمبررات الأميركية وأنهى الكالمة الهاتفية بلهجة مشجعة :
وهكذا يطبع النفاق السياسي للكاظمي سلوكه مع كل الأطراف السياسية بلا استثناء بدءاً من فيلق بدر مروراً بتيار عمار الحكيم و تفرعاته ومعهم حزب الفضيلة وانتهاءً بممثلي الأحزاب والهيئات السنّية .
غير أن للكاظمي مع مقتدى الصدر و سراياه و أتباعه قصة أخرى ، فمنذ سنة انقضت حصل توافق بين الرجلين أساسه أن رعاة الكاظمي يريدونه على سدة رئاسة الوزارة لأمد طويل و الرجل غير معترض على ذلك لكنه يدرك أنه بلا قاعدة شعبية أو حزبية مؤثرة ، من جهة أخرى فإن الراعي الإيراني لمقتدى – إذ يتوقع أن يحقق تياره فوزاً انتخابياً كبيراً يمنحه حق تسمية رئيس الوزراء – قد نصحه ألا يأتي به من ضمن تياره فالدروس المستخلصة في العراق منذ عام 2005 تفيد أن فشل رئيس الوزراء يستتبعه انكماش حزبه وتقوّض قاعدته الشعبية وهذا ما وقع لإبراهيم الجعفري و خليفتيه المالكي والعبادي ومعهم حزب الدعوة ، ولم يكن مصير عادل عبد المهدي و تيار ” الحكمة ” بأفضل من سابقيه ، ثم أن استمرار أي رئيس للوزراء في العراق مرهون بتوافق أميركي – إيراني ، ولا يرى راعي مقتدى الإيراني في التيار الصدري كفاءة سياسية قادرة على تحقيق التوازن الدقيق و الحساس بين المصالح الأميركية و الإيرانية في العراق وهو ما قام به الكاظمي بنجاح باهر خلال سنة ولايته ؛ ولم يبد الراعي الإيراني لمقتدى اعتراضاً على تفاهمه مع الكاظمي غير أنه نصحه بالإحتفاظ بمسافة بينهما مشبهاً إياه بالمدفأة التي يجب التنعم بدفئها و النأي عن نارها، وأضاف أنه تولّيّ تيار مقتدى وزارات سيادية و حساسة فيه ضمانة كافية لضبط سلوك الكاظمي ؛ وفي خطوة لتنفيذ هذا المخطط أوفد مقتدى قبل شهرين رئيس هيئته السياسية نصار الربيعي إلى أربيل لإنجاز صفقة مع الأكراد تضمن مطالبهم المالية و التوسعية مقابل تصويت كتلتهم النيابية لصالح مرشح مقتدى الذي بادر إلى تعزيز الموقف التفاوضي للربيعي بتغريدة أيد فيها سماحته عودة ” البيشمركة ” إلى كركوك ! الأهم من ذلك كله أن مقتدى يرى في الكاظمي وارتباطاته الخارجية ضمانة له من عقوبات أميركية قد تطاله لسبب أو آخر ، و مقتدى الصدر معني بهذه المسألة إلى أبعد الحدود فقد بات يملك من المصالح الإقتصادية والأرصدة المالية في لبنان و دبيّ ما يجعله حذراً في سلوكه تجاه الأميركيين وقد تجلى رضا سماحته عن الأميركيين في تغريدات مداهنة متفهمة لمبررات وجودهم في العراق ؛ ولقد كان طريفاً أن يطالب مقتدى الصدر قبل شهور في حديث علني بالإصلاح الإقتصادي في العراق مشدداً على ضرورة “الخصخصة ” ، وقد تساءل من يعرف مستواه العلمي و الثقافي عن مدى إلمامه بعلوم الإقتصاد و مدى فهمه لهذا المصطلح الذي هو وسيلة لصوص المال العام وتجار المخدرات لتبييض أموالهم فضلا عن أنه سياسة تستهدف بيع مؤسسات وشركات حيوية وطنية لجهات أجنبية بغطاء من الرأسمالية المحلية الطفيلية فتتراكم بفضلها ثروات الأغنياء ويُسحق تحت وطأتها الفقراء ، و لقد تلقف مقتدى مصطلح ” الخصخصة ” خلال اجتماع مع مكتبه الإقتصادي – الذي زعم كذباً أنه أغلقه – حيث جرى طرح فكرة شراء شركات القطاع العام التي عرضتها حكومة الفاسدين للبيع بزعم أنها متعثرة ، و تسجيلها باسم ابن شقيقه أحمد الصدر ! وليس من فرصة أفضل لشراء هذه الشركات و بأسعار بخسة إلا إذا كان رئيس الوزراء طوع بنان مقتدى ، ومن أفضل من مصطفى الكاظمي لهذه المهمة النبيلة ؟ ولعل معظم العراقيين لا يعرفون الصلات الوثيقة التي أقامها منذ سنوات المكتب الإقتصادي لمقتدى مع شركات عالمية صناعية وإنشائية ، و في هذا كله دلالة كاشفة عن مصير جزء من مبلغ ” تريليون ” دولار والتي قال رئيس الجمهورية أنها نُهبت من أموال العراق منذ الإحتلال الأميركي للبلد عام 2003 .