23 ديسمبر، 2024 10:09 ص

مصر والدور الاقليمي المقبل

مصر والدور الاقليمي المقبل

مع دخول مصر كلاعب أساسي في الازمة الليبية، تتوضح صورة الاستقطابات التي تحيط بالقاهرة من جهات عدة، فمصر التي قصفت مواقع تابعة لتنظيم “داعش” في ليبيا بمباركة الحكومة المنبثقة عن البرلمان الليبي المنتخب، وإثر إقدام التنظيم على قتل 21 مصريا قبطيا، لم تكن لتقدم على هذه الخطوة لولا حصولها على ضوء أخضر من جهات دولية عدة، توقف مفعول الضوء الاحمر الذي أشعلته كل من قطر وتركيا لأسباب إقليمية معروفة مرتبطة بدعم واحتضان تنظيم “داعش” غير المعلن، وأشعلته أيضا الجزائر لأسباب داخلية تتعلق بالخوف من الخلايا الارهابية النائمة.

ومصر التي يشوب البرود علاقتها بواشنطن، نتيجة الخلافات حول المساعدات والتسلح، لم تتردد في تطوير علاقاتها مع روسيا التي توجت بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما حققته من اتفاقيات مهمة على المستويين الاقتصادي والعسكري، أو مع الصين التي من المقرر أن يقوم رئيسها بزيارة استثنائية للقاهرة في نيسان المقبل. وفي خضم هذه الاستقطابات، تعي مصر أن دورها الاقليمي قد حان لإعادة التوازن في المنطقة، وتعي أيضا أن هذه العودة تجابه بالدسائس من قبل لاعبين إقليميين ترتبط معهم إما بعلاقات متشنجة مثل تركيا وقطر على خلفية دعمهما لحركة الاخوان المسلمين المصرية واستقتالهما لعودة الرئيس السابق محمد مرسي الى حكم مصر، أو بعلاقات يشوبها التردد على خلفية التناقض في بعض المواقف من قضايا إقليمية مثل السعودية وايران.

كما ان مصر تعي كذلك، أن الدور التركي الداعم للارهاب إقليميا، يعاني من ارتدادات داخلية خطيرة تسعى قوى سياسية تركية الى الحد من خطورتها كما الحد من جموح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ويتجلى هذا الامر بشكل واضح بالزيارة التي قام بها الدكتور أوميت اكويونلو رئيس البرلمان التركماني الى دمشق، على رأس وفد كبير يضم سياسيين وبرلمانيين وعسكريين كبار سابقين ورجال أعمال ، حيث قال أكويونلو عقب لقائه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أن سياسة أردوغان الخاطئة هي التي جعلت الإرهابيين يشعلون المنطقة وينفذون ما تريده الولايات المتحدة و”إسرائيل” من تدمير لبلدان المنطقة.

السياسة الاميركية التي تريد الحفاظ على وصايتها الاقليمية تتأرجح بين ضرورة دعم مصر لمكافحة الارهاب خوفا من انزلاقها نحو الفوضى وبين تأييدها للدور التركي الذي يسعى لإشعال حرائق الفتنة الاثنية والطائفية في المنطقة، فصحيفة نيويورك تايمز لم تتورع عن

كشف ان المحرض الرئيس للعنف فى مصر “أميركي يعمل من إسطنبول”، وتنقل الصحيفة عن شهيد كينج بولسين، واسمه الحقيقى شانون موريس قوله “إن الشركات المتعددة الجنسيات هى القوى الحقيقة وراء الانقلاب العسكري على حكومة مرسي”، و”سيكون من المهم للمتمردين إيقاع خسائر مالية حقيقة بالشركات والمستثمرين الأجانب”، في إشارة الى مؤتمر التنمية الاقتصادي المصري المزمع عقده في مدينة شرم الشيخ للفترة من 13 الى 15 آذار الجاري، والذي جعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أساسا لخططه من أجل إنعاش الاقتصاد المصري.وعلى الرغم من ان صحيفة “الواشنطن بوست” حاولت إضفاء صفة الغموض على العمليات الارهابية التي تحدث في كل من محافظتي القاهرة والجيزة، حيث تبدي في تقرير قلقها حول “وجود نمط من الهجمات التى تشنها جماعات منتشرة ضد متاجر البيع بالتجزئة، وتبني مجموعة (غامضة) تطلق على نفسها اسم (حركة المقاومة الشعبية) مسؤولية تلك التفجيرات”، إلا ان صحيفة “نييورك تايمز” تؤكد في تقريرها “ان حركة المقاومة الشعبية تستشهد بأفكار شهيد كينج بولسين باعتبارها ملهمة وتبرر ما يرتكبونه من هجمات على المصالح التجارية داخل مصر”.

وبمعرفة ان بولسين كان سجينا في قطر بتهمة قتل سائح الماني والاتجار بالجنس وأطلق سراحه بشكل غامض في العام 2013، تكون أطراف اللعبة قد توضحت تماما لجهة التنسيق التركي القطري لإثارة الفوضى في مصر، بمباركة واشنطن أو بتواطئها على أقل تقدير.

وعلى الرغم من اعتراف مستشار الأمن القومى الأميركي السابق ستيفين هادلي بـ”أهمية مصر من الناحية الستراتيجية الآن أكثر مما كانت فى الماضي، لأن إرساء الاستقرار فى الشرق الأوسط أمر مهم، وليس لدينا الكثير من الشركاء للمساعدة، ولو انزلقت مصر إلى الفوضى، فإن المشكلة ستزداد تعقيدا”، إلا أن واشنطن لا تزال مترددة وتمارس دور المراقب لتسارع استقطاب الحلف الروسي الصيني لمصر، ما قد يؤدي خلال الزمن المنظور الى بروز مصر كلاعب مهم لايعيد التوازن الاقليمي وحسب، بل قد يقلب المعادلات في كل من سوريا والعراق واليمن وفي دول خليجية أيضا