أثار قرار الرئيس باراك أوباما استئناف تقديم المساعدات العسكرية الاميركية لمصر جدلا واسعا في الاوساط السياسية والاعلامية في واشنطن والقاهرة على حد سواء.
الصحافة الاميركية شنت حملة منظمة ضد القرار وضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” التي تعد الأكثر انتشارا وتأثيرا في الولايات المتحدة الاميركية افتتاحية “نارية” انتقدت فيها سياسة إدارة أوباما لوقوفها الى جانب الحكومة المصرية التي تصفها بـ”الحكومة الاستبدادية التي تمارس القمع والوحشية على نحو متزايد وان حملة القمع التي تشنها الحكومة المصرية على الحركات الاسلامية ستؤدي الى ظهور التطرف على نطاق واسع”، فيما نشرت صحيفة “الواشنطن بوست” مقالا للكاتب تشارلز دون يقول فيه ان “الاستقرار في مصر لن يتحقق إلا بالضغط الدولي على حكومتها لوقف انتهاكات حقوق الانسان لأن القمع تصاعد في مصر بشكل خطير”، مطالبا الحكومة الاميركية بـ”وقف دعمها غير المشروط للقاهرة والضغط عليها لوقف القمع.”
بالمقابل، شهدت القاهرة حراكا معاكسا، حيث نشرت صحيفة الاهرام مقالا لنقيب الصحفيين المصريين الاسبق مكرم محمد احمد بعنوان “احذروا إدارة أوباما” يقول فيه “علينا أن نكون أكثر حذرًا وحيطة، لا نفرط في التفاؤل في إمكان تغيير مواقف الإدارة الأميركية، ولا ننتظر منها الكثير بدعوى أنها بدأت تتفهم أوضاع مصر الحقيقية، ولا نقدم حسن النيات على ضرورة اليقظة والحساب الدقيق وتوقع الأسوأ”. فيما نشر ناشطون مصريون صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” تحت عنوان “السيسي رجل هز عرش الولايات المتحدة الاميركية” استقطبت أكثر من خمسين الف إعجاب خلال زمن قياسي، ما يعكس مزاج الشارع المصري حول العلاقة مع واشنطن وسط دعوات كثيرة لعدم تسلم المساعدات الاميركية ” لأننا لا نحتاجها”، حسب قول متظاهرين في ميدان التحرير.
المساعدات الاميركية هي حصيلة العلاقات العسكرية المصرية الاميركية التي بدأت في عهد الرئيس المصري الاسبق انور السادات.
وهي جزء من منحة سنوية اميركية تبلغ في مجملها مليارين ومائتي مليون دولار مقسمة الى ثمانمائة مليون دولار كمعونات اقتصادية ومليار واربعمائة مليون كمساعدات عسكرية،
وجاءت كمكافأة لمصر بعيد توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد للصلح مع اسرائيل برعاية واشنطن.
وطوال هذه السنوات، خضع قرار المساعدات – والعسكرية منها على وجه الخصوص – لمستوى منسوب التوافق أو التباعد في المواقف بين القاهرة وواشنطن، حيث وصلت العلاقة بين البلدين في عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك الى درجة التنسيق الستراتيجي الذي نتجت عنه مشاركة مصرية فاعلة في عاصفة الصحراء التي قادت خلالها الولايات المتحدة تحالفا دوليا لشن الحرب على العراق عام 1991 و إرغامه على سحب قواته من الكويت التي كانت قد احتلتها مطلع آب 1990
إلا ان تلك العلاقة ما لبثت ان انتكست نتيجة المواقف الرخوة التي لجأت اليها إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما في التعامل مع قضايا المنطقة عموما، والمصرية على وجه الخصوص، إذ اتسم موقفها عقب أحداث 25 يناير/ كانون الاول بالتردد والارتباك لحين اندلاع الثورة الشعبية المصرية التي أجبرت تلك الادارة على الانحياز لمطالب الشعب المصري، حيث طالب الرئيس اوباما علنا الرئيس حسني مبارك بالتنحي، وبعد انتخابات 2013 التي جاءت بالرئيس السابق محمد مرسي وتنظيم الاخوان المسلمين الى السلطة، وجهت أصابع الاتهام الى الادارة الاميركية بمساعدة الاخوان للوصول الى السلطة، لكن ثورة الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران 2013 التي تبنتها القوات المسلحة المصرية وتمكنت في الثالث من تموز من ذات العام من الاطاحة بمرسي وبنظام الاخوان كشفت مدى الغموض الذي يغلف تعامل ادارة اوباما مع الاحداث المتسارعة في مصر، والذي نتج عنه قرار حظر تقديم المساعدات العسكرية للقاهرة.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي القادم من ثكنات العسكر، يعي أهمية المساعدات العسكرية الاميركية للجيش المصري، لكنه يعي أيضا خطورة تلك المساعدات على خلفية اعتبارها ورقة ضغط تخل باستقلال القرار الوطني المصري في حال الركون عليها بالكامل، إذ ان ترسانة الاسلحة التي يحتفظ بها الجيش المصري تحتاج الى صيانة دورية اميركية وذخيرة وقطع غيار، وتصبح دونها بلا أية فاعلية، كما حصل نهاية عام 2013 حين عطل الكونغرس الاميركي تسليم قطع غيار دبابات أم1 إي1 وصواريخ هاربون، لذلك تبدو مناورة السيسي باللجوء الى كل من روسيا والصين وفرنسا لتنويع مصادر التسليح.
خصوصا وان ميزانية الجيش المصري تجاوزت الخمسة مليارات دولار عام 2014، ناجحة على مستوى الفعالية القتالية، ومن حيث الضغط على الادارة الاميركية التي استوعبت
الدرس ولجأت الى الدبلوماسية الواقعية التي تفرض إدامة زخم العلاقة مع القاهرة بدل الدبلوماسية الغامضة التي أوصلت تلك العلاقة الى درجة من التوتر الذي هدد بتجميدها.
مصر المنشغلة باستعادة دورها الاقليمي لا يمكنها الارتهان مجددا للقرارات الاميركية المتأرجحة والفضفاضة في المنطقة.
لأن استعادة مثل هذا الدور لا يمكن لها ان تتحقق دون استقلالية القرار الوطني المتعلق بالشأن الداخلي والشؤون الاقليمية معا، ولذا لم تجد القيادة المصرية بدا من تنامي علاقاتها مع قوى دولية صاعدة وعواصم مؤثرة في القرار الاقليمي كدور ايران السياسي وتأثير دول الخليج المالي، اضافة الى حلحلة الأزمة الناشبة بينها وبين كل من انقرة والدوحة، وهذا ما اتسمت به الدبلوماسية المصرية منذ تسلم السيسي لمقاليد السلطة.