23 ديسمبر، 2024 3:25 م

مصرف الوركاء والاستهانة بحقوق المودعين

مصرف الوركاء والاستهانة بحقوق المودعين

من الغريب حقا أن تكون ميسورا في يوم فتجد نفسك مفلسا في اليوم الثاني , ليس لأنك غامرت أو قامرت أو انك أسرفت في الصرف والله لايحب المسرفين , ولكن لأن المصرف الذي أمنته على أموالك وأودعت فيه ماتملك من عرق الجبين قد امتنع عن تلبية احتياجاتك من المسحوبات , وهذه المأساة تجاوز عمرها خمس سنوات والمصرف عاجز عن الإيفاء بالعهد ولا تزال القصة جارية بفصولها المخزية  لحد الآن , إنها قصية المئات بل الآلاف من المواطنين الذين تورطوا في التعامل مع مصرف الوركاء , وهو مصرف لايستهان بقدراته ولكنه سقط بشكل مفاجئ مثل سقوط الجمل وبقرارات حكومية غير معروفة الأسباب والدوافع , وهذه القرارات صدرت من جهة ذات اختصاص وهي وزارة المالية التي تجاهلت مصالح المالكين والمودعين والدائنين .
وحسب بيانات تعود للبنك المركزي العراقي , فان مصرف الوركاء واحدا من أفضل المصارف الأهلية العاملة في العراق ورأس ماله بحدود 100 مليار دينار ولديه أكثر من 120 فرعا داخل وخارج العراق , وهو واحدا من 23 مصرفا أهليا عاملا في العراق وقد تأسس سنة 1999 ويشارك في ملكيته مستثمرين على درجة عالية من النزاهة والسمعة الطيبة , كما يعمل فيه مجموعة من الكفاءات والخبرات المصرفية التي استطاعت أن تجعل المصرف الأفضل من حيث الكفاية المالية وتعدد الخدمات والتسهيلات المصرفية التي يقدمها , فقد سبق المصارف الحكومية في العمل بالبطاقة الذهبية والفضية وبطاقة السفر وبطاقة ترانسفير, ولعل ما ذكرناه هو الذي جذب اكبر عددا من المودعين  والذين تحولوا اليوم إلى ضحايا ينتظرون الرحمة لإعادة أموالهم لاغير .
ويقال إن عمل المصرف قد تعثر سنة 2010 عندما ألزمت المالية الوزارات والدوائر الحكومية بعدم التعامل مع المصارف الأهلية , وبسبب إقبالها على السحب تنفيذا لهذا الحظر فقد تسبب ذلك بحصول عجز في السيولة النقدية , كان من السهل معالجتها من خلال منح المصرف وديعة طويلة الأجل لتساعده على تجاوز أزمته بضمان موجوداته المالية التي تتجاوز 500 مليار دينار فهي تفوق حجم مطلوباته التي لاتتعدى 380 مليار دينار , وبدلا من الاستجابة لهذا الطلب فقد قام البنك المركزي العراقي بتعيين لجنة للإشراف على عمل المصرف , وأخذت تستقبل طلبات المودعين وتتعامل معها على أساس مقابلة المسحوبات بالايرادات  وهنا حصلت الفوضى بعينها حيث جمدت أعمال الفروع مما اضطر أبناء الشمال والفرات والجنوب الحضور إلى بغداد والانتظار بطوابير لإعادة أموالهم المودعة.
والهدف من الحضور هو تقديم الطلبات لهذه اللجنة وقد كان عملها غاية في الإذلال والاستهانة بأموال الناس , فمن يملك إيداعات بمبلغ 100 مليون دينار ويريد سحب 20 مليون دينار مثلا , فان اللجنة توافق على سحب مليون واحد فقط وتعطي لصاحب الطلب موعدا للاستلام بعد أسبوعين أو أكثر , وعندما يحضر في ذلك الموعد يقولون له لقد نفذت المبالغ اليوم وعليك الحضور غدا من الصباح الباكر لعلك تجد ماتريد , وفي كل المرات يتم الاعتذار من تلبية الطلبات ( الكبيرة ) على أساس إن السحوبات مخصصة لصغار المودعين وليس للإيداعات الكبيرة , وللأسف ظهرت بعض الحالات التي يشوبها الاستغلال والفساد حيث قام البعض من خارج اللجنة  بشراء أرصدة المودعين بخصم وصل لأكثر من 50% فمن لديه 40 مليون دينار يعرضون عليه مبلغ 15 مليون .
وبدلا من حل قضية المصرف , فقد وضعت الوصاية عليه من قبل البنك المركزي عليه في بداية سنة 2012 وبموجب المادة 59 من قانون المركزي العراقي , ولم تفضي هذه الوصاية إلى أية مسالة لمصلحة المودعين , فحتى المحاكم أصبحت لاتشجع المودعين على إقامة الدعاوى على الوركاء باعتبار انه خارج إرادته وتحت الوصايا , وبذلك انتظر المودعون أملا يرتجى من هذه الوصايا بعد أن أخذت أموالهم تتآكل عاما بعد عام , بسبب مستويات التضخم التي أخذت ترتفع لاسيما أسعار العقارات والسلع المعمرة , فمن أودع مالا لشراء دار سكنية بات لايقوى على شراء قطعة ارض بسبب التضخم , وفي بداية السنة الحالية تم رفع الوصاية عن المصرف ولكن الحال لم يتغير أبدا فهو عاجز عن تلبية المسحوبات , وكل مايسمعه المتضررون هو مجرد وعود وأمنيات , ومن يمتلك سلطة القرار في المصرف أما مقيما خارج العراق أو يجلس في مكاتب فارهة ويمتنع عن مقابلة ( العملاء ) .
لقد مضت خمسة سنوات وعشرات المليارات من الأموال الخاصة بالمودعين أسيرة في مصرف الوركاء , وإجراءات البنك المركزي العراقي لم تنفعهم قط فكل الإجراءات المتخذة بطيئة ولا تخدم المودعين , لأن المهم هو استعادة أموالهم وهي موجودة في المصرف ولكن لايريدون إطلاقها لكي لايتعرض الوركاء للإفلاس ولسان حال المودعين يردد وما علاقتنا به سواء أفلس أو هلك  أو ذهب للجنة أو النار , فالمهم هو إعادة أموالنا , وكان من الواجب على الحكومة سواء البنك المركزي أو وزارة المالية أو الادعاء العام في القضاء أن يكونوا لصالح المودعين وليس الحفاظ على سمعة العمل المصرفي الأهلي , فما فائدة السمعة وإخوانكم من المواطنين يتعذبون في الانتظار و فاتتهم فرص في الاستثمار أو الإنفاق أينما يشاؤون من أموالهم وقد تضرروا كثيرا , فقيمة أموالهم باتت تعادل نصف قيمتها قبل خمس سنوات بسبب ارتفاع معدلات التضخم المعروفة للجميع .
والغريب إن هذا الموضوع قد تم طرحه مرات ومرات في لجان مجلس النواب وفي مجلس الوزراء وفي الإعلام وكل السبل , وفي أكثر من مرة سعى المودعون لتنظيم تظاهرات احتجاج في ساحة ألخلاني التي تتواجد فيها الإدارة العامة لمصرف الوركاء , لكن تلك الرغبات اصطدمت بعقبة الحصول على إجازة التظاهر وتقديم التعهدات , وكما علمنا فان أمانة مجلس الوزراء قد شكلت لجنة هدفها تقديم مقترحات لإنقاذ المصرف من وضعه الحالي ولم يتمخض شيئا من عمل اللجنة لحد الآن , وكان الواجب بكل الجهات أن تبحث عن حل عاجل لإغاثة المنكوبين من المودعين والابتعاد ولو قليلا عن مصلحة المصرف على حساب مصالحهم …. انه بلد عجيب فعلا , تضع فيه أموالك في أحسن المصارف ثم تستجدي إعادة أموالك خلال خمس سنوات ولم يحسم الموضوع بعد , فماذا يمكن أن نسمي ذلك فهو على الأقل استهانة بحقوق الناس المشروعة , وإذا كنا لانستطيع أن نعيد هذه الأموال فكيف سنعيد حقوق المظلومين الذين يحتاجون إلى وسائل لإثبات مظلوميتهم ؟