يحاول الإنسان المبتلى بسياسة إظهار القوة وسياسة التقويض أن يتشاطر مع ما يستمع إليه أو ما يقرأه، ساعيا في فك لغز غابت عنه سبر أغواره، وكأنه يريد أن يمسك عقله من الافلات، غير عابئ بكل ما يطرح أمام عينيه ومسمعه. ولأنه لا يريد للغفلة أو لاستغفالة أن تجد مساحة في تفكيره، يحاول أن يجمع بين الركام المتشتت وتعدد الوسائل المتاحة، ليعتبر نقطة فارقة تعتبر علامته المضيئة.
أول الخطوات التي باستطاعته أن يتواجد فيها كرأس مال هي مرحلة الشك بكل ما يُذاع وإنكار ذلك. فلا يستسلم لسلطة الإعلام مهما كان دورها أو أهميتها في الساحة الخبرية، ولا يستسلم لمصدر الخير أو تصريح مسؤول، إذ لم تكن قرينة تحصنه من التكذيب. وقد لا يوفق في هذه الخطوة لعدم كفاية ما يثبت طرحه من عدمه، ولعلها كدوامة تطوف به يمينًا أو يسارًا، تكاد أن تفقده طريق الوصول إلى مسك الحقيقة الغائبة.
ولأن هناك من هو مهتم مختص أو محلل أو ممن تعد شغله الشاغل، فحتماً لا يريد للمعلومات أن تتجاوزه أو حتى يتجاوزها. فيحدث المقارنة ليقارب بين أفكاره، وكأنه يخلط النقيضين مع بعضهما، ليكتشف الزبد الطافح فوق سطح الواقع رغم كتمانه وسريته. فيضع نفسه أمام اختبار ومحك يصارع ذاته قبل أن يصارع ما يحدث أمام ناظريه، وقد تكلفه تلك الإرهاق والتعب ودوامة هذا الاهتمام أو الإدمان على معرفة التفاصيل كاملة.
على عكس المهتم الشعبي سواد الناس، الذي لا يريد من الإعلام غير متابعة الخلاصة في استقرار الوضع السياسي، لأنه يدرك تماما أن أي تدهور كافٍ أن يوخز إمكانياته، كون عدم الاستقرار يزعزع حالة السوق الذي يتبضّع منه وقيمة العملة التي يحوزها أو يستطيع حيازتها. أو أنه يؤدي به إلى ما يحمد عقباه، خاصة لو أدت السياسة إلى حرب أو عقوبات دولية أو حصار. حينها يعلم جيدًا أنه لا جدوى من العيش بسلام دون منغصات ومعاناة الحياة فتجبره مثل هذه الإرهاصات على متابعة الإعلام أو الوضع السياسي، فلا خيار أمامه إلا الإيمان بجهة تقوده إلى بر الأمان، من حيث يحتسب أن هذه الجهة الإعلامية تحكي بأمانة علمية أو من نوعها الضد المتباين في سردية الخبر، بدلاً من دورها في إشاعة التبجح السياسي أو التضليلي.
ورغم أن مثل هذه الأنباء العشوائية لا تجعله يكشف عن شيء، لكنه لا يحاول أن يتحمل أوزار الكذب أو المكذوب أو صحة القرار أو العكس.
إذا ما الجدوى من التبجح وما الهدف الذي يبرر لوسيلة الإعلام الكذب؟ حتمًا إن هذه المفاهيم قد اعتاد عليها الناس، وكل الأطراف تبرر دورها من أجل إرضاء الجماهير بأفعال احترازية، لتتحصن المواقف والحصول على إقناع لا بأس به.