23 ديسمبر، 2024 1:07 م

مصائد المغفلين في مستشفى الكندي

مصائد المغفلين في مستشفى الكندي

العمر، والشوارع المكتظة بالسيارات ، والتقاطعات التي فرضت نفسها تحت لافتة الدواعي الأمنية، لا تسمح جميعها لمثلي ان يقود مركبته كالمراهقين، ويعرض السابلة الى مخاطر السير، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان ،”ويا غافلين الكم الله”، حيث ما إن رفعت قدمي قليلاً من على دواسة المكابح، وتحركت سيارتي ببطء كالعادة، حتى فاجأني أحدهم وقد إرتمى بجسمه صوب السيارة وتهاوى الى الأرض، ضننت أول وهلة أنني وقعت في شراك إحدى الفضائيات لأكون ضيف كاميرتها الخفية، لأنه لايمكن بهذه الحركة البسيطة أن يقع حادث إصطدام ويدعس إنسان، المهم نزلت لأرى، فإذا به يئن
ويحاول أن يمثل دور المغمى عليه، مسكت يده لأجذبه الي، وفي هذه الأثناء وقفت سيارة بجنبي وأخذ ركابها يهولون من المشهد، وحملوه جثة هامدة ليركبوه سيارتي، ويصعد أحدهم معه، وقال لي : “إذهب الى مستشفى الكندي”، قلت لكن هنا مستشفى زايد ، فرد بعنف “لا.. لا .. كتلك الكندي”، وبالفعل تحركت بسيارتي الى الكندي، وقد رافقتني السيارة تلك الى المستشفى، فسألت من كان بجنبي : “إنتوا ربعه”، فأجابني : لا، لكن إنسانية، وما ان وصلنا المستشفى، ادخلوه في الحال الى صالة الطوارئ، حيث تلقفته بعض الايدي وقبل الفحص والإشعة حددوا الحالة وأخذوا يعددون الكسور، وأنا
أسمع، بدءأ من اخمص القدمين الى حوض الورك، وكدت اذهل من هذا التشخيص ، فيما لم تسعفن كل الدفوعات التي قدمتها ، لأني كنت الشاهد الوحيد على حقيقة ما جرى ، لكني في الوقت نفسه كنت المتهم الوحيد ايضاً، أو قل إن شئت (كبش الفداء) ، وما أن التفتت قليلا حتى جبرت قدما المصاب ، واخذت اسمع عبارات التهديد والوعيد تلاحقني اينما وقفت ، فيما ترافقها عبارات الاسى والالم على وضع الشاب الذي اصبح عاجزاً، بعد ان اصيب بعاهة مستديمة،  بسببي طبعا.
وقبل ان تسجل الحادثة جنائيا او جزائياً،  كان شرطياً يلوح بالافق، فيما همس احدهم بأذني “عمي ادفع اشكم فلس وفضهه”، وما دريت الا وانا امام فصل منعقد عند صالة الطواريء، وداخل اسوار المستشفى ، ولم  معافى الا بعد ان اتصلت بأهلي ودبروا لي مبلغ 3 ملايين دينارلإدفعه للمدعوس الذي لم يدعس.
لم تكن المصيدة التي نصبت لي عابرة، بل مخطط لها من داخل المستشفى نفسه، حيث حدثني  اكثر من واحد انه كان ضحية الابتزاز مثلي، اذ وقعوا في حوادث مشابهة، وجرى اقتيادهم الى مستشفى الكندي –قسم الكسور، واجبروا على دفع الملايين لاسقاط التهم عنهم.
الغريب ان هؤلاء الصبية او الشبان الذين يلقون بانفسهم امام السيارات التي تتحرك ببطء ينتشرون في مناطق عديدة في بغداد، وفي الوقت الذي توفر لهم عصابات الحماية اللازمة لاستدراج الضحية ، تجد في مستشفى الكندي من يقدم لهم الدعم الطبي، لاكمال دورة الابتزاز، وفرض الغرامة على صاحب السيارة، وهو الممنون.
القضية لها اكثر من ركن جنائي، العصابات التي تصول في الشوارع لتنصب شباكها ومصائد المغفلين، والمستشفى الذي أصبح طرفا في عمليات النصب والاحتيال وسرقة الناس بوسائل مستحدثة.
وزارتا الداخلية والصحة مطالبتان باجراءات سريعة قبل ان تعم هذه الظاهرة وتصبح من المهن الرائجة في المجتمع البغدادي.