في الشرق الاوسط عموما يعاني الكاتب او المثقف بشكل عام الامرين كمواطن وككاتب ومثقف بضاعته الاولى والاخيرة الكتاب ، والقراءة والتجربة هي ادواته الابداعية لانتاج فكر اونص جمالي ومعرفي .
وبما ان الكتاب سلعة اومنتج يدخل قوانين السوق ضمن العرض والطلب والترويج الدعائي للكتاب ضمن ضوابط حقوق الملكية والربح والخسارة للمنتج الابداعي الا ان ما يحصل في المشرق العربي وبلدان العالم الثالث عملية قائمة على طرف واحد في الحقوق هو الناشر الذي غالبا ماياخذ تكاليف الكتاب مسبقا ، ولم يلزم نفسه في التوزيع او الترويج في ظل عدم فاعلية دور التوزيع ، ويحصل الكاتب على بضع نسخ من كتابه كمكافاة لعمله تركن على الرفوف اوتوزع على الاصدقاء مجانا وذهب جهد الكاتب ومعاناته ادراج الريح ، وفي شهادة للروائي العالمي (غابريل غارسيا ماركيز) يسترجع فيها محنته في الكتابة وهي تاملات ذاتية تحت عنوان( مصائب مؤلف كتاب) حيث وصف مهنة تاليف الكتب انتحارية ، اذ ما من مهنة غيرها تتطلب قدرا كبيرا من الوقت وقدرا كبيرا من العمل وقدرا كبيرا من التفاني مقارنة بفوائدها الانية . انني اعتقد عددا كبيرا من القراء لايسالون انفسهم بعد الانتهاء من قراءة كتاب ما . عن عدد الساعات المؤلمة والبلايا المنزلية التي كلفت المئتا صفحة المؤلف ، او ما هو المبلغ الذي حصل عليه لقاء عمله؟ *
وابعد من ذلك ذهب الروائي المكسيكي خوان رولفو الذي يعتبر الاب الروحي للواقعية السحرية رغم قلة انتاجه في ادب امريكا الاتينية ان الكتابة تصبح احيانا ليست ذي جدوى بسبب مايتقاضاه الكاتب من مردود لايستحق كل هذا العناء والمخاض والارق والالم والمعاناة فقضى طيلة حياته يعمل متنقلا في شركة لبيع الاطارات وفي مشاريع الري ودائرة الهجرة للسكان المحليين مما يجزم الكثير من النقاد انه لم يتسنى له ان يكتب المزيد من روائعه ومع هذا نال الجائزة الكبرى للادب المكسيكي وجائزة استورياس الاسبانية لماقدمه من ارث للادب اللاتينو امريكي وما دفع الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف الذي ملأت شهرته الافاق ( بعد ان وجد نفسه ، كما الأدب بصورة عامة ، على قارعة الطريق ، من دون هبات و جوائز ، براتب تقاعدي تافه . لهذا بالضبط انزوى و انطوى إلى نفسه . و لكنه مع ذلك كان يدافع بغيرة عن حقوق الكتّاب و الأدباء . فقد كان على الدوام يعتبر أن الكتابة – هي علـَمُ الأمة و أن السلطة التي تتجاهل ذلك مصيرها الزوال)**
من خلال ماتقدم نكتشف كم هي عسيرة وشاقة العملية الابداعية في ظل مجتمعات تتفشى بها الامية او لاتمتلك ثقافة واحترام الكتاب ان جاز القول ،ان القراءة بصفتها الخبز الروحي للمعرفة والعقول واهم مجسات التذوق الجمالي والخيالي . وفي ظل الانظمة التسلطية ستكون النتجية اكثر كارثية والمشهد احلك سوداوية وهذا ماهو حاصل في المشرق العربي بوضوح والحال افضل بكثير في المغرب العربي وان لم يكن سويا على الاطلاق وقد حظي بعض كتاب المغرب العربي بترجمات لاعمالهم وفرت لهم شيء من الحقوق للاستمرار بشكل مريح لمتابعة منجزهم الثقافي والابداعي بيسر نوعا ما وهذا ينطبق بصورة اكثر جلاء على كتاب امريكا الاتينية التي انجبت عظماء الادب الروائي والقصصي وترجمت اعمالهم لعدة لغات في العالم وتوالت طبعاتها مما وفر لهم عدد هائل من القراء في ارض المعمورة ، وهذه الاعمال تستحق الانحناء لها كتجارب ابداعية اثرت الانسانية. قد قامت تلك الاعمال الكبيرة والعظيمة بتعرية الانظمة الاستبدادية وكشفت عوالم لم يكن بالامكان فضحها لولا تلك الاعمال الروائية الخالدة التي خلدت حركة وصيرورة مجتمعات امريكا الاتينية بقضها وقضيضها عبر الازمنة والاحداث الواقعية والتاريخية والمتخيلة .ان الامر يبدو غاية التناقض والسخرية حينما نسمع ان عمل لكاتب اوشاعر صاحب تجربة متفردة يطبع له خمسمائة نسخة فقط وكحد اعلى ثلاثة الاف نسخة غير مدفوعة الحقوق لصاحبها او للورثه ، ومجرد موت الكاتب تصبح اعماله ملك مشاع للاستنساخ والتشويه مليئة بالاخطاء المطبعية ومشوهة دون ادنى شعور بالمسؤلية الاخلاقية او القانونية والامثلة كثيرة جدا اننا نجد انفسنا امام محنة ومصيبة حقيقة تحيط بالمبدع والكتاب متعددة الاسباب ومن اهمها واشدها خطورة هو غياب التشريعات وحقوق الملكية الفكرية .ان مايحصل من ترويج لموت الكتاب بسبب الانترنيت محض افتراء يسوقه بعض المتزلفين والمبررين لثقافة الاستهلاك دون ان يساهموا بدفع عجلة التعليم والمعرفة الى فضاءات اوسع وارحب في تحديث وسائل المعرفة والابداع واهم وسائلها واقدمها وامتعها على الاطلاق هو الكتاب الذي خدمته الثورة الرقمية في تطويره باشكال متعددة الوسائل والدليل القاطع لما يحصل من رواج منقطع النظير في مبيعات الكتاب بكل انواعه ترجمة وتاليف في امريكا واوربا واستراليا وصلت الى ارقام مليونية حتى المذكرات لبعض الساسة والشخصيات العامة ويعد الكتاب الان في اوربا وامريكا والدول التي تريد الحاق بالعالم المتحضر من اهم مصادر التعليم والمعرفة اضافة الى المتعة ، وانتشار المكتبات العامة بشكل واسع جدا واستقطاب القراء بمختلف الاعمار والمستويات دليل على ذلك ، اضافة الى معارض الكتاب الهائلة بلكم والمضمون.
وختاما نستعير قول الشاعر حمزاتوف الكتابة علم الامة والسلطة التي تتجاهل ذلك قد تجني على نفسها وعلى الامة بالخراب والزوال ولاسبيل غير المعرفة نحن نحتاج الى ثورة حقيقة في المساهمة في الانتاج المعرفي والثقافي لاتتحقق الا بدور فاعل لكتاب ومبدعي الامة واعادة الاعتبار لهم كقادة تنورين وحداثين للنهوض بمجتمعات اكلت نفسها بسبب الاستهلاك والامية في كل المجالات.
هوامش
*غابريل غارسيا ماركيز- حياة- تاليف جيرالد مارتن ترجمة الباحث العراقي محمد درويش
** اخر فرسان العصرالشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف – ابراهيم استنبولي – الحوار المتمدن