23 ديسمبر، 2024 3:23 م

مشيناها خطى كتبت علينا…ومن كتبت عليه خطى، مشاها

مشيناها خطى كتبت علينا…ومن كتبت عليه خطى، مشاها

منذ مدة وموضوع مقتل الشابة المغدورة “شيلان” يجول في خاطري , تلك الفتاة الجميلة المثقفة الواعية المملوءة بالنشاط والحيوية التي قتلت في “هانوفر”غدرا على يد ابن عمها لا لسبب الا لانها رفضت الزواج منه , وتسائلت مع نفسي , هل اجد في نفسي الجرأة الكافية لقراة الواقع قراءة صحيحة وتحديد الاسباب الحقيقية لهذه الجريمة المروعة ؟. ومن منهما المخطىء , وهل ما حدث خطأ في الاصل في عرفنا وتقاليدنا العشائرية ؟.اليست ” شيلان ” و” ابن عمها” كلاهما ضحية العادات والاعراف البالية ؟. شيلان قتلت لانها رفضت الزواج القسري من ابن عمها الذي يفرضه المجتمع . وابن عمها تمسك بحق منحه اياه المجتمع باحقيته الزواج بابنة عمه ولو كان رغما عنها.الا تجعل هذه العادات والاعراف العشائرية القديمة من مجتمعنا مجتمع جامد منعزل عن غيره من المجتمعات ؟. ثم الم يحن الوقت بعد للاعتراف باننا نواجه مشاكل اجتماعية جذرية وعلينا ان نبحث عن الحلول المناسبة قبل ان تتفاقم   .فوجدت نفسي مندفعة للكتابة عن واقع نعيشه ولا نعيش فيه .  مما يستدعي وضع النقاط على الحروف لمشاكلنا الاجتماعية , وفكرة الصراع بين الجديد والقديم , والواقع المتحكم في علاقاتنا الذي ماعاد هو الانسب في التعاطي معه في هذا العصر . علنا نستطيع ان نقدح الزناد فينطلق التغيير . فهذه الحالة ليست مسالة فردية , بل هي مسألة اجتماعية تخص المجتمع باكمله.جريمة قتل” شيلان ” تناولتها وسائل الاعلام الالمانية كافة وفتحت التساؤلات العديدة عن حالة الجاليات التي تعيش في المانيا , والجدل الحاد حول اندماج المهاجرين في اوربا , وسلوك المهاجرين الذين يسيؤن الى انفسهم, ولبلدانهم , وللبلد المضيف, وما يجلبونه من مشاكل اجتماعية عديدة من قبيل قتل الفتيات باسم الشرف والزواج القسري وتزويج الفتيات القاصرات , ووصفت مجتمعنا بانه مجتمع يعاني الازدواجية والاحباط الاجتماعي . وان نظرة على الحياة اليومية لاية عائلة مهاجرة تؤكد بوضوح هذه النظرة وبانهم مختلفون عن مجتمعهم الجديد وانهم يقومون بممارسات تتقاطع ومفاهيم المجتمع.وتلعب الامية ومحدودية الثقافة الدور الاكبر في تقوية هذا الشعور كما تلعب الاسرة والتربية الدور الاكبر في تنمية هذا الشعور مما يولد الازدواجية لدى الشباب وعدم استيعابهم كونهم يزيديين والمان في نفس الوقت . وقصة شيلان فيها ماساة العديد من الفتيات شهيدات الاعراف والتقاليد التي تباع وتشترى في سوق الخرافات او هن ” قتيلات بلا قتل”. وكأنه لا يكفي ما تعرضت لن نساؤنا وفتياتنا بالالاف من خطف وسبي وبيع ورق على يد عصابات “داعش” الاجرامية , حتى نشهد ضربة اخرى من داخل مجتمعنا بحجة العادات والتقاليد.لا يخفي على احد ما يمر به المشهد اليزيدي من ظروف صعبة في هذه المرحلة الحرجة خاصة بعد احداث سنجار المؤلمة التي استهدفت هويتنا الدينية , التي تتطلب منا بذل كل الجهود الممكنة في سبيل حمايتها وضمان ديمومتها , وان لا نسمح لاحد ان ينال او ان يشوه  صورتنا امام الغير حتى لو كانت اعراف وتقاليد راسخة في القدم.صحيح ان اهم ما لدى الشعوب والمجتمعات اثباتها هي وجودها وهويتها , وهذه الهوية تكمن في العادات والتقاليد والاعراف , والتي تميزهم عن غيرهم . والعادات والتقاليد هي سلسلة تنتقل حلقاتها بين الاجيال ، ويمكن لهذه العادات ان تطرأ عليها بعض التغييرات مع تغير الزمان اوالمكان ، كما ان للبعض منها يمكن ان تختفي شيئا فشيئا اذا ما تقاطعت مع العصر .كما ان هناك مبادىء شاملة للاخلاق والعدل والمساواة والمحبة والتعاون وهي صالحة لكل زمان ومكان . كذلك هناك اعراف هي امتداد لهويتنا الدينية , واجبنا يحتم علينا التمسك بها للحفاظ على وجودنا مثل التراث الديني والفكر والثقافة . لكن بالمقابل هناك بعض العادات الاجتماعية الخاطئة التي تؤثر سلبا في المجتمع ,والتي غالبا ما تكون المراة فيه هي الضحية الاولى لها, فهذه ينبغي تغييرها، منها مسالة الزواج القسري للفتيات واحيانا للشباب ايضا, ومسالة تعدد الزوجات , وحرمان المراة من الميراث , والتمييز بين الذكر والانثى , فهي اعراف ليست من الديانة بشيء الا انها ترسخت في المجتمع وبدت وكانها من صميم الديانة. ولكل مجتمع واقعه الخاص  حسب ثقافة افراده وحسب وعيهم , الا ان مجتمعنا محكوم بعادات وتقاليد اكثرمن المجتمعات الاخرى حتى في مسالة الحقوق الطبيعية  . والنساء هن دائما ضحايا التقاليد من عنف وتمييز , والتي تجعل من المراة ناقصة العقل والادراك . وما تتعرض له المراة من ضياع لحقوقها له علاقة بالمجتمع اكثر من علاقته بالدين نفسه , حتى تداخلت المفاهيم الدينية والاجتماعية مع بعضها الى حد انعدام التمييز بينهما . وما تعرضت له الفتاة المغدورة “شيلان ” دليل واضح على الماساة التي تعيشها المرأة بأسم هذه العادات . وهناك بعض السلوكيات الخاطئة باسم والتقاليد جعلت من البعض يتطاول باسم” الرجولة “وباسم “العادات “, التي تجبر الفتيات الزواج بالقوة ورغما عنهن بابناء العم, وهي حالات مرفوضة ومخالفة للنصوص القانونية ولمعايير حقوق الانسان الطبيعية وخلافا للطبيعة البشرية . بل هي جريمة يحاسب عليها القانون . لابد من التفكير بالنتائج السلبية من هذه الظاهرة وما تسببه من مشاكل اجتماعية خطيرة . ان الزواج يجب ان يكون اولا واخيرا باتفاق بين الطرفين, بحيث يغذي هذا الزواج الاقتناع والحب والتفاهم والمودة والتعاون لتكوين اسرة صحيحة .اما “النهوة ” الذي هو عرف عشائري موروث تعطي بموجبه الاحقية لابن العم للزواج بابنة عمه ولو كرهت هي ذلك فهو مرفوض ومستهجن.  والا كيف يمكن لفتاة ان ترغم على الزواج ويسلب منها شخصيتها وحقها في اختيار الزوج ؟يجب التفكير جديا في معالجة هذه الظاهرة وما تسببه من مشاكل اجتماعية خطيرة وايجاد الحلول لها قبل ان تتفاقم . والا فسوف نبقى متاخرين عن مواكبة التطور والحريات العامة وحقوق الانسان .  علينا مراجعة حساباتنا وممارسة النقد الذاتي واحداث تغييرات في منظومة القيم الذكورية والعقلية التسلطية التي يعاني منها مجتمعنا وخاصة النساء .بالتاكيد ستحصل تغييرات مستقبلا وان كانت ببطء وفق قانون التطور الطبيعي للحياة . فلا يمكن وضع العصا في عجلة التطور وايقافه , فهو يسير قدما لكنه يحتاج الى بعض الوقت والى استمرار النضال والصراع بين الجديد وماتحمله من قيم انسانية وفق معايير حقوق الانسان الذي لا يمكن ان يتراجع الى الوراء ومن ضمنها حقوق المراة , وبين القديم المتميز بالسلطة الابوية الذكورية من قوامة وعادات وتقاليد . وهذا لا يمكن تحقيقه الا من خلال التخلص من العقلية الاستبدادية وكسر القيود العشائرية الذكورية التي لم تعد ملائمة لواقعنا الفعلي  . واقتناع الرجل باهمية دور المراة . والاعتراف بالمرأة انسان حر لها ارادة مستقلة , ولها الحق في احترام رايها وخياراتها. فالقانون لوحده لا يعطي للمراة حقوقها , بل لابد من وعي وثقافة وتغيير المنظومة الاجتماعية , وعلينا ان نستوعب تطور الحياة , وان نفهم اننا نعيش في عصر مختلف عما سبقه . وعلينا الحفاظ على مستقبل الاجيال القادمة وحماية الشباب من التمرد والازدواجية بين ثقافتين متضادتين من الماضي والحاضر. نحن بجاجة الى عقد ندوات عن نتائج مثل هكذا تصرفات ومعالجة امور الاجتماعية ومنها امور الاسرة التي هي محور المجتمع والموروث من العادات والتقاليد التي هي ليست من الدين بشيء .وان نسعى الى رفض المقولة “مشيناها خطى كتبت علينا …”.وتغييرها وان لا نخضع لها .