18 ديسمبر، 2024 5:27 م

عندما كنت صغيرة، كنت أنادي” عمي” على كل شخص أصادفه، سوأء كان عمي فعﻵ، او من اصدقاء أبي، غرباء ،أو حتى اذا كان من الجيران، لان صبغة العائلة ، والعلاقات الحميمة، هي السائدة في التعامل بين الناس.
كانت “المحلة” عبارة عن عائلة كبيرة، أذ كل فتاة هي اخت وبنت الجميع، وكان نسيج المجتمع العراقي محكمة خيوطه، ففيها الحب والاحترام والمودة واﻷلفة.
أما اليوم فنشهد تغيرا ملحوظا، بوجود ظواهر خطيرة، اخذت تستفحل باﻷحياء السكنية، كظاهرة التجاهل والتغافل المتعمد، لحق الجورة، فمنا مم يمضي اياما او حتى اشهر، دون ان يلتقي بجاره، اويتفقد احواله، مما ادى الى خلق حالة من الفراغ الامني المجتمعي، وهذا ما تعاني منه اغلب مناطق العاصمة بغداد.
حتى استغل هذا الخمول وهذه العلاقة الباردة بين سكنة الحي الواحد، من قبل العصابات، والخارجين عن القانون، فاخذوا يمارسون عمليات الخطف والسرقة في وضح النهار، بدون اي رادع او خوف، من سلطة القانون اوﻵ، ومن سلطة المجتمع ثانيآ، اذ تسيد مبدأ “غض الطرف” عن مثل هكذا ممارسات، ادى الى انتشارها بشكل مخيف في شوارعنا.
المحاكم ومراكز الشرطة، اعتادت هذه الايام ان تبتدأ نهار عملها، بقضايا سرقات حقائب الموظفات! 
اشارة واضحة الى ضعف بالجهد الاستباقي الاستخباراتي لجهاز الامن داخل العاصمة بغداد، اضافة الى ظهور قوى ظلامية، تدافع عن السارق، بل وتهدد بكل وقاحة، الضحية بحالة تقديم شكوى بحق اللصوص.
هذا ما حصل بالفعل، عند تعرض احدى السيدات لحالة سرقة في احدى المحافظات العراقية، وبعد مقاومتها للسراق، قاموا بطعنها ورميها، وعند تقديم شكوى بحقهم، تقوم عشائر “الحرامية” بتهديد السيدة وعائلتها!
أي حال وصلنا اليه؟ فاذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة اهل البيت الرقص!انها سابقة خطيرة، ان تكون هناك سلطة، اقوى وتفرض قوانينها، فوق سلطة القانون، انها سلطة بعض العشائر” المنتهية صلاحيتها”.
منتهية صلاحية الغيرة، والشرف والنخوة، تنصر الظالم على المظلوم، تتقوى على الضعيف، وتتفنن بمجالس ” الفصل” ، تلك السرادق الباطلة، التي كم أسقطت بها حقوق ايتام، وارامل، ﻷن شيوخ “المنسف” قد حفظوا كم آية قرانية وحديث نبوي، يلجموا بها الحضور، ليجعلوا الحق باطل والباطل حق.
لا يمكن ان ندس رؤوسنا مثل النعام، وندعي عدم وجود مثل هكذا حالات مشينة، نعم انها موجودة، وبكثرة، ولكن السكوت عنها هي الكارثة الحقيقة، لانها كالنار بالهشيم، تاكل كل ماتبقى من عادات وموروثات طيبة للمجتمع العراقي، والمثل يقول” الحرمة وشارب الخير” اي لاخوف عليها بوجود الخيرين، ولكن اذا انحسر الخير وانتشر الشر، هنا يجب ان ندق ناقوس الخطر.
خصوصا اذا ارتفع صوت الفئة الضالة فوق صوت الاغلبية الصامتة والمتغافلة من الناس، فنحن جميعنا بخطر ، اذا لم يتدارك اﻷمر عن طريق تفعيل، دور اﻷسرة والمجتمع والدولة، بمتابعة مثل هكذا أمور تمس امن الفرد بشكل مباشر.
ان طريق الالف ميل يبدأ بخطوة، والخطوة اﻻولى للتغير، أشار اليها امام المتقين بقوله” لا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم” اذ ان تفعيل دور المجتمع، بمحاسبة المسئ ونصر المظلوم، تعد اولى خطوات النهوض، نحو مجتمع يعيش حياة أمنة مطمئنة، هادئة لا يعكر صفوها، صرخات استغاثة من احداهن دون مجيب، لان “الجميع خير والحرمة بشاربهم” فلا خوف عليها ابدا!فلا يسعني ان اقول لمشايخ يدافعوا عن المعتدين، الا انهم اصحاب مشيخة مزيفة.