18 ديسمبر، 2024 11:48 م

مشويات العقول النافقة

مشويات العقول النافقة

هذا عنوان لأحدث حلقة من حلقات مسلسل واقعي بدأت أحداثهُ مباشرة بعد تأسيس ما يسمى بالعراق الجديد , وعلى عكس ما كان يُتوقع من الاحداث التي تدور في سيناريو المسلسل من أمنيات وأحلام ورؤى أفصح عنها الكثير من الشخصيات التي شاركت في تلك الاحداث , ألا أن المسلسل أخذ يروي لنا وقائع وحقائق عن فضائح ومؤامرات وسرقات , وعن أنهيارات عسكرية وأمنية وسياسية , بحيث أصبح اليوم هذا المسلسل هو ألاكثر أثارة ومتابعة ومشاهدة , وعلى الرغم من الواقعية في تلك الاحداث بالوثائق والمستندات والتصريحات ألا اننا نرى أن المسلسل مستمر وبفاعلية عالية وأن الشخصيات التي تُديم تلك ألاحداث غير متأثرة ولا مبالية بما يحصل للجمهور الذي تقع علية تأثيرات ونتائج مريرة ورهيبة جراء تلك الأحداث .

وعلى الرغم من العدد الكبير لتلك الحلقات وتباينها وأختلاف شخصياتها ومكان حدوثها , نرى أن هناك توافقية واحدة وهي وضع الجمهور في جو من الازمات النفسية والامنيه والاقتصادية , وأختلاق تداعيات بمسميات مختلفة , مرة تأتي بأسم الطائفية وأخرى قومية أو أقليمية , ومنها مناطقية وعشائرية , والهدف من ذلك هو أشغال العامة بتحديات وصراعات لايستطيع المواطن بعدها من الانتباه الى ما يجري وراء الكواليس ويكون أنشداده منصباً على متابعة يومية لما يجري من أحداث علّهُ ينأى من تأثيراتها ونتائجها عليه شخصياً , ويبو فعلاً أن هذا الهدف قد تحقق وأنطلت تلك الحيلة الخبيثة والذكية في نفس الوقت على أغلب الجمهور ألذي يكون وعيه محدوداً بحاجات ومطالب ضيقة لاتتعدى الحياة المعيشية اليومية , وبقى القليل من الذين يمتلكون وعياً وأدراكاً مما يحصل فعلاً وراء الستار ينادون ويطلقون الصيحات ولكن يبدو ان أحداث المسلسل ومستوى أخراجه أكبر من تلك الصيحات .

وعنوان الحلقة المميزة مشويات العقول النافقة بثلاثة أجزاء تدور أحداثها في المدينة الوحيدة التي فيها موانئ بحريه وهي البصرة , ومواقع الحدث هي في نفس الموانئ , الجزء الاول يتحدث عن أنهيار مئتان وخمسون متراً من كاسح الامواج في مشروع الفاو الكبير الذي لم يبدأ في حقيقة الامر بشكل مهني , كل ما شاهدناه من الحلقة أن شركة يونانية هي التي نفذت ذلك الجزء المنهار وقد نُفذَ في زمن الحكومة السابقة , وأن متابعة المشروع كانت من أختصاص وزارة النقل , وقد تمت معالجة ذلك الانهيار من قبل الاستشاري الايطالي , الى هنا ينتهي الجزء الاول الذي لم يفصح عن أسم الشركة اليونانية المنفذة وعن الاسباب التقنية لأنهيار الكاسح , وكيف تمت التسويات بين الحكومة والشركة وهل أخذت كل أستحقاقاتها المادية أم تم خصم كلفة المعالجة من الشركة المنفذة , وكعادة المسلسل فأنه لايفصح عن أي من تلك الاشكاليات لأشغال الاعلام والراي العام بتلك المتعلقات , الجزء الثاني من الحلقة كانت مفاجئة وطفرة نوعية في طرح مشروع أقتصادي كبير وهو الشركة (القابضة) التي ستأخذ على عاتقها تنفيذ المشروع أعلاه , وفي تصريحات أعلامية أُطلقت اكدت أن تلك الشركة ستعم فائدتها على أهالي البصرة , وأن ميزانيات الشركة ستعتمد على مشاركة رأس المال بين الحكومة المحلية وبين الشعب البصري عن طريق طرح أسهم للأكتتاب , وتم الاتفاق بين وزارة النقل والحكومة المحلية وبأسرع ما يمكن حيث تم تأكيد ذلك بمؤتمر صحفي سريع بمقر الوزارة , ربما لايمكن قراءة هذه الحلقة آلان لكونها مجرد أقتراح ولابد أن يكون هناك منفذ قانوني لتلك الشركة , ولكن الذي يثير الدهشة هو التوقيت الذي أنطلق به الاقتراح ومن هي تلك الشخصيات التي أتفقت على تأسيس تلك الشركة والغاية المرتقبة منها , وهذا سيشغل الراي العام والجمهورعن كل الفشل الذي طال البصرة كل تلك الاعوام .

أما الجزء الثالث فهو لازال ساخناً وغامضاً وهو حمولة العجول النافقة التي رست في ميناء أم قصر والتي أثارت لغطاً أدارياً في من يتحمل المسؤولية القانونية فعلاً عن تلك الشحنة وهل هي مستوفية لشروط أجازة الاستيراد , ورغم أن الحادثة لاتحتاج الى دليل مادي ولا الى تحقيق جنائي فكل شئ موجود على أرض الواقع ولايستطيع أحد أنكاره , وما وصل الى بغداد من تلك الشحنة قد تم تأكيده من قبل أحد النواب , وربما قد استعمل جزء منها في المشاوي , ولكن ما يعلن في الاعلام من قبل المسؤولين يتغاظى عن أهم مشهد في تلك الحلقة وهو الجهة أو الشركة التي أستوردت تلك الابقار وماهي الوجهة الحقيقية لها , وهذه المعلومة ورغم أنها موجودة في أجازة الاستيراد وفي الأوراق الثبوتية والتي بموجبها تمت الموافقة على أرساء الشحنة على رصيف الميناء , ألا أنه ولحد الان لم يتجرأ أي شخص بالتصريح عن هذه الجهة هل هي جهة سياسية أم حزبية أو دينية , هل هي شركة متخصصة بالمواد الغذائية أو تاجر استورد تلك الشحنة لصالح تلك الشركة , ولم تتخذ الحكومة أي مجرى قانوني بحق تلك الشحنة فلم يتم حجز شخصاً واحداً على ذمة التحقيق ولم تُشكل أي لجنة تحقيقة عليا لبيان التفاصيل خاصة وأنها بهذا المستوى من الخطر على صحة المواطنين أو على الثروة الحيوانية , وستنتهي الحلقة بمغادرة السفينة وظهور أحداث أخرى جديدة لمسلسل أستمر ثلاثة عشر عاماً وهو مستمر الى الان , ولكننا كنا غافلين عن أول حلقة من المسلسل حين دخلت الى العراق تلك العقول النافقة التي أوصلت العراق الجديد الى ما هو علية اليوم وخوفنا مما سيؤول اليه من حلقات تكون تأثيراتها أعنف وأقسى على أمةٍ لاتستطيع أن تُوقف هذا المسلسل وتنتظر لتشاهد فقط .