وانقضت أيام العيد.. ورحلت غبطتها المنقوصة والمنغصة تاركة العراقيين بذات الغصة التي لازمتهم أكثر من أربعة عقود، وودعوا أفراحهم وعادوا الى أتراحهم الأزلية التي تأبى مفارقتهم، فالمشهد ذاته لايقبل التغيير، ذلك لأن التغيير المزعوم شمل القشور وترك اللب، طال الشكليات وعاف الأصول، زوّق المشاكل بحلة الحلول وأنصاف الحلول، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمات اختناقا وتداعيا، معلنة أن لاحلول تبدو في الأفق القريب ولاحتى البعيد.
إن الأدلة على عدم حصول تغيير كثيرة، منها -وأولها- مجلسنا الناطق باسم الشعب، فبنظرة سريعة، بالامكان تصوير المشهد الثابت على مر السنين في جلسات مجلس النواب العراقي كالتالي:
– مجاميع من شخصيات تتصارع فيما بينها، وتتبادل الأدوار بحرفية عالية تفوق خبرة نجوم هوليود، من أجل تمرير مايحلو لها او لآخرين من قرارات ومشاريع قوانين.
– نمطية ثابتة منذ ثماني سنوات تطغى عليها سمات اولها النرجسية.. ثانيها الأنانية والذاتوية.. ثالثها الوصولية بصرف النظر عن حجم الثمن المدفوع.. رابعها اتباع مبدأ؛ أنا وليكن الطوفان من بعدي.
– مطمطة وسفسطة و (طول خلگ) بما لايعود بالجدوى النفعية العامة ومصلحة البلاد.
– إسقاطات وإيقاعات متبادلة بشكل مطرد، واتهامات وخصومات تتطور فتصبح صراعات ومنابزات، هي الأخرى تتطور فتتخذ من الأيادي او (الملبوسات) بأنواعها أداة للتفاهم، وإثبات الحق، حيث تنعدم أدوات الإثبات المعهودة.
– تمشية وقت او في حقيقة الأمر مضيعة وقت، لاتلبث ان تنتهي بإعلان تأجيل الجلسة، يوما او يومين، وغالبا ما يُختلق سبب ليكون التأجيل مدة أطول.
– في نهاية المطاف الطويل جدا، يتم الإعلان عن إجازة تشريعية، ثلاثين يوما او أكثر.
– سكون وهدوء تمر به القوانين والمشاريع والقراءات في رفوفها، فتنام تحت تراب التراكمات السابقة، الى دورة ثانية لن تكون إلا توأم الأولى.
هذا المشهد هو مايراه العراقيون منذ ثماني سنوات من دون إحداث تغييرات، وإن حدثت فهي للأسوأ، في الوقت الذي تُطرح فيه أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة وتتعلق عليها مصائر الملايين. هو سبات -تعود عليه العراقيون- لكثير من القرارات التي من شأنها رفع مستوى معيشة الفرد العراقي. ومجلس برلماننا باق على حاله منذ ولادته متلكئا في سن القوانين وإقرارها تحت سقف زمني معقول او نصف معقول او حتى دون المعقول..!. إذ يدخل مشروع القرار بوابة مجلس النواب ليصطف في طابور أفعواني مع سابقاته من مشاريع القرارات التي بدورها قلبتها القراءات بين أولى وثانية وثالثة، وكذلك التأجيلات بين فصل تشريعي وثانٍ وثالث.
وقطعا بين تأجيل وتأجيل هناك محارق داخلية تغذيها أذرع أخطبوطية خارجية، وبذات الوقت هناك طبخات على نيران هادئة تنضج في مكانات عديدة من البلد، وفي مطابخ أخرى خارج البلد، فيما تستمر تصريحات وتعليقات النواب في غاية المثالية والروح العالية في تحمل المسؤولية. وعلى هذا المنوال تأتي الأعياد وترحل من دون تأثير او أثر على المواطن، بعد أن أدمن الحزن على مايجنيه عليه مسؤولوه وساسته، وإن تبدلت الأسماء والمسميات.