23 ديسمبر، 2024 12:51 م

مشهد التفجيرات المفخخة بين لبنان والعراق والدروس المستنبطة –  اعلاميا – 2

مشهد التفجيرات المفخخة بين لبنان والعراق والدروس المستنبطة –  اعلاميا – 2

حادث التفجير الانتحاري كان تحديا امنيا كبيرا ، مثلما كان تحديا اعلاميا كبيرا في كيفية التعامل مع الحدث وفي بيئة يعيش فيها 14لون طائفي وديني ومذهبي وقومي وسط محيط ملتهب من كل جهة يسودها عدم الاستقرار .
الواقع كنت اردد مع نفسي ترى كيف ستتعامل القنوات اللبنانية وفي ذهني تجربة عقد من الزمان من التجربة الاعلامية العراقية التي حفظناها عن ظهر قلب ! دعوني اطلعكم على ما دونته من مشاهدات وملاحظات على شكل نقاط ملتمسا الصدق والدقة لكي لا أضيع ويضيع معي القاريء في التفاصيل المملة :
المشهد الاعلامي
بعد دقائق قليلة من دوي الانفجارهرع معظم من كان معي في المطبعة التي كنت اعمل لحظتها على انجاز كتابي كما اسلفت في الجزء الأول ،وعلى اختلاف اطيافهم والوانهم الدينية والطائفية نحو أجهزة التلفاز والحاسبات بحثا عن قناة المنار وكأنهم على اتفاق مسبق ! وحينما طلبت منهم البحث عن البي بي سي لعل عندها الخبر اليقين او عند العربية او الجزيرة كما تعودنا نحن في العراق ! الكل اجمعوا ان الخبر سيأتي والصورة ستحضر.. من المنار .. انتظرنا دقائق .. نعم ظهرت الصورة .. الكاميرة تجري بين الحشود والمراسل يشق الطريق نحو مكان التفجير ..
– كاميرا التلفزيون تنقلك الى مكان الحدث في بث حي مباشر دون اي تحفظ او أي تحاشي من قبل المصور .
– الصورة تتكلم ، الصورة تنطق ، الصورة تعبر عن المآسي ، الصورة تنقلك الى المشهد الصورة تنقل الحقيقية الى المشاهد  وكأنك في مكان الحدث والكاميرة تدور يمينا ويسارا وشمالا وجنوبا ارضا وسماءا .
– نقترب اكثر فاكثر فنلتصق بالشاشة .
– الفضائيات اللبنانية الاخرى الميادين ، الجديد ، المستقبل ، ام تي في ، او تي في ، ان بي ان , والقناة اللبنانية  بالاضافة الى قنوات عالمية اخرى انضمت الى قناة المنارفورا في نقل الصور الحية المباشرة لكاميراتها  .
– المذيع يأخذ مكانه في الاستوديو (محور) ليقوم بادارة الحدث والتعامل مع الصورة ، لا أدري هل تم اختياره لهذه المهمة ام صادف وجوده اثناء الحدث .
– مراسل آخر يلتحق من مكان آخرو ينقل الصورة من الجانب الآخر لمكان الانفجار .
– ثلاثة مراسلين توزعوا على ثلاث مستشفيات لنقل الصورة من مداخلها ومن ردهات الطواريء فيها ووضع المشاهد امام آخراحصائيات الشهداء والجرحى بكل صدق وشفافية مع ذكر الاسماء احيانا .
– نقلتنا الصورة الى قلب الحدث  قريبا من النار الملتهبة في السيارات والابنية وسط الدخان .
– مذيع الاستوديو يدير العملية باقتدار مميز معتمدا على قوة شخصيته الطاغية على الشاشة ، متسلحا بلغته العربية السليمة ، وانضباطه العالي بالتعليق الرصين ، دون أن ينزلق نحو هاوية العاطفة بالرغم من الصور المروعة التي كانت تنقل امامه عبر الشاشة ، ولم الحظ  عليه زلة لسان او هفوة انسان واحدة طيلة ثلاث ساعات متواصلة من اداء دوره كمذيع محوري على وتيرة واحدة .
– المراسلون ناشطون يؤدون دورهم بكل مهنية وينقلون آراء الناس بكل عفوية دون تردد ويلتقون من لديه معلومة جديدة ، منضبطين بالتعليق الى الحد المعقول دون ان يطلقوا العنان لانفسهم او لاغراق المشاهد بالكلام الزائد عن اللزوم ، لتحفيز المشاهد على مراقبة الصورة وتحفيز الكاميرة على النطق بالصورة وكفى بها شاهدا ،فكانت انطق من الكلمة وخصوصا لقطات الجرحى من الاطفال وكبار السن.
– لم يطرق سمعي تلك الجمل التي تعودنا سماعها منذ عشر سنوات : وين الحكومة .. وين الشرطة .. وين الحكومة .. وين الأمان .. وين السياسيين .. وين النواب ؟)  من قبل الذين تحدثوا عبر الشاشة مثلما استفقدت الجمل الجاهزة التي يصر مراسلي بعض القنوات عندنا على ختم تقاريرهم بها باصرار ومنذ عدة سنوات وعلى السن عامة الناس  ( لا ماي .. لاكهرباء .. لاعمل  )! 
اما الذين أدلوا بآرائهم عبر الشاشة اللبنانية فقد تناغمت تعليقاتهم بادانة الارهاب دون اطلاق اتهامات على الآخرين أو القاء التهم على عواهنها ، ومما أُثار اهتمامي حقا ذلك الوعي المتنامي في الشارع اللبناني وأقصد ابناء المنطقة المشتعلة الذين اتسموا بالصبر وكتم الغيظ حرصا على الوحدة الوطنية لاسيما عندما عبر العديد منهم عن حالة الوعي وتفهم الواقع  الجديد وما يتعرض له المشهد العربي من مؤامرات ومشاريع خطيرة محذرين من الفتنة ومعبرين عن رفضهم القاطع للانزلاق الى الفتنة مهما كان الثمن .
– مذيع المحور(ومن ورائه كادر مهني متمكن بالتأكيد ) استطاع وعلى مدى ثلاث ساعات متواصلة من توظيف الصورة المباشرة اعلاميا بامتياز لتحويل هذه الفاجعة المآساوية الى نصر معنوي مميز ليدفع بالروح المعنوية الى اعلى مدياتها في الشارع اللبناني من وجهة نظري .
 كما لمست منه شخصيا ومن خلال تلقي المكالمات الهاتفية والتصريحات والمداخلات من عدد كبير من السياسيين بدءا برئيس الوزراء المرشح ورئيس الجمهورية والرؤساء السابقين وعدد من رؤساء الاحزاب والفعاليات السياسية والنواب والوزراء والاعلاميين والكتاب الذين أجمعوا على ادانة الارهاب ،من خلال قدرته البارعة على محاورة الكبار من السياسيين بمستوى مهني عال ، وبراعته في توحيد الكلمة باستقطاب العواطف واستنطاق المواقف .
– كما لفت نظري عدم قيام بعض النواب والسياسيين اللبنانيين  بالقاء اللائمة على الحكومة او القوات المسلحة او الشرطة أو الخطة الأمنية او على اجهزة السونار على عكس نوابنا وسياسيينا ! كل من تحدث من السياسيين عبر القنوات العديدة أقروا بتحمل المسؤولية جميعا على الرغم من غياب الحكومة عن المشهد كونها حكومة تصريف اعمال !
– كنت من المؤمنين بالحرب النفسية والاعلامية التي تتعاطى مع نهج تقليل حجم الخسائر واخفاء الحقائق ، وبالتالي الهروب بالشاشة من الاحداث الكبيرة التي تهز البلاد بالارهاب الذي يجتاح بلادنا ويسفك دماء الابرياء من قتل وتدمير وتشريد منذ سنوات وبشكل يومي ، الى الاساليب الناعمة وذلك بتعمد عرض البرامج العادية في قمة الذروة ، اعتقادا بأنها ستحول دون انهيار المعنويات لدى المواطنين !
 ولكنني لمست على العكس من ذلك وفي هذا الحدث بالذات وثبوت سقوط تلك النظريات العقيمة التي باتت كالنعامة التي تدس رأسها في الرمال ، والتي مازال البعض من فضائياتنا وبالأخص العراقية على سبيل المثال تمارسها  والتي ما زالت تسير على تلك المناهج الكوبلكزية القديمة  في عصرنا الحاضر وهذا ما يذكرني ويقض اوجاعي حينما كان يعمد تلفزيون النظام السايق لعرض الراقصة سهير زكي ووصلات من الرقص الشرقي او اغاني وردة الجزائرية  ، أثر كل معركة نمنى بها بألاف الشهداء على جبهات القتال مع ايران في ثمانينيات القرن الماضي !
ومن خلال هذه المشاهدات والانطباعات  يثبت يوما بعد آخر بأن ليس المهم توفرالقاعدة المادية للمؤسسة الاعلامية وما تملكه من أجهزة واستوديوهات متطورة ، بقدرأهمية الكادرالذي يدير هذه الفضائية ومهنيته وثقافته ووعيه ومدى اخلاصه وصدقه مع قضيته وهنا يكمن سر النجاح .
وليت قومي .. الاعلاميين … يعلمون .