23 ديسمبر، 2024 10:19 م

مشهد أخير لعصر يوم أحمر مشهد أخير لعصر يوم أحمر

مشهد أخير لعصر يوم أحمر مشهد أخير لعصر يوم أحمر

ذاكرة كربلاء تنسج بطفها الأليم، خيوطاً ذهبية مطهرة، ترفض القراءة بصمت، فرغم أقنعة الظلام الأموية المزيفة، التي أرادت إسكات الحب الأكبر، في دم علي الأصغر (عبد الله الرضيع)، لدى السائرين على درب أبي الأحرار، لكن السهم المثلث المسموم، جعله ينام نوماً مقدساً، ونال بها شربة لن يظمأ بعدها، فأيتها الرباب: هلا إدخرت البكاء ليوم غد؟!
أسماء ملونة طاهرة، أحيط بها الألم من كل جانب، فماتت كمداً من شدة الغم والهم على أهل بيتها، الذي إنتزع بنو أمية دماءها الزكية، يوم العاشر من محرم الحرام، فلم تذق الرباب زوجة الإمام الحسين (عليه السلام)، وأم الرضيع طعماً للراحة يوماً أبدا، بل كانت حبيسة ألمها وعلى وليدها الرضيع، فالمشهد أكبر من أن تستوعبه!
مشهد أخير لعصر يوم أحمر، أطبقت فيه الأفلاك والأملاك، لما حل بطفل لم يتجاوز ستة أشهر، وهو يواجه جبروت الحقد الأموي، ليدفن مع والده الإمام السبط الغريب، ونال العطش منهما، قبل سهام الغدر، والكفر، والضلالة، ولكن ما الذي يجعل الأم الثكلى، تدفن عواطفها وحنينها؟ والرؤوس أقمار شواهد على الرماح، يطوفون بها من بلد الى بلد!
 حزن مكتوم شديد، تغير لونه مع حلول الأربعين، فلا دواء لموضع ألم طفولة بريئة، لا ذنب لها إلا أنها طلبت شربة ماء ليرتوي، فباتت الرباب متحيرة، بين رقبة محزوز الوريد، لرضيعها الأصغر، وبين رأس ذي شيب خضيب، لجسد سليب، فكلاهما يعودان، لثكلى مهمومة، وأرملة محزونة على فقد الغوالي، من بيت النبوة، إنهما الزوج والإبن معاً!
في مدينة الطاغية يزيد، حيث كلابه السائبة، التي لا هدف لها إلا الإنتقاص من البيت العلوي، وبأي طريقة، لأن قرابين الحرية تنطق بالحق، حيثما ولوا وجوههم قبل المشرق والمغرب، فترى إشتغال الرؤوس بتلاوة القرآن، وقراءة الحديث الشريف، أما الفاسقين فإن سياطهم، لا تعرف إلا ظهور النساء محلاً لها، بيد أنهن يفكرنَ في فراقهن عن الأحبة!
هناك نساء تستبشر بالحزن خيراً، ومنهن الرباب، لأنها أيقنت موعد رحيلها، الى عالم وليدها الرضيع، الذي إشتاقت له الروح والنفس، حينها ستضع النقاط على الحروف، وتملأ عطشه من حليبها الدر النقي، وكأن الحوار بات بين جرحين، تمتزج فيه مشاعر العاطفة، مع ظهيرة حارقة بوادي الطف، عند رجوعهن من الشام، وهي تقول: لهذا اليوم إدخرت بكائي!