-1-
يتناقل الناس قصصاً عن رجالِ أعمالٍ أثرياء، تفتعلُ بحقهم بعض القضايا الكيدية ، ويُلقى القبض عليهم، بغية ابتزازهم، وانتزاع كميات كبيرة من المال منهم …
وهذه هي احدى وسائل القرصنة في (العراق الجديد) .
ورغم تكرر وقوعها مع الكثيرين، لم تتخذ الاجراءات الرادعة التي تحول دون وقوعها حتى الآن ..!!
وعليك ان تأخذ بنظر الاعتبار : ان بعض المواقع الحسّاسة تُشترى بعشرات الآلاف من الدولارات ، ان لم نقل بمئات الآلاف ،
وهذا يؤدي حتماً الى ارتكاب الوان من الفظائع تنتهك فيها الحرمات والقوانين، لتسديد ما دُفع للحصول على تلك المواقع الحساسة ..!!
ويضطر في الغالب اولئك المفترى عليهم من رجال المال، ان يفتدوا أنفسهم بالمال ليتاح لهم الخلاص …
-2-
وعلى نقيض هذا المنهج ، فان التاريخ يحتفظ لنا ببعض القصص ، التي اعترف فيها من اعترف، باقترافه الجريمة دون ان يكون قد مارسها على الاطلاق ، حفاظاً على غيره ان يتعرض لمآزق صعبة ..!!
ومن ذلك قصة الشاب الجميل الذي جيء به مخفوراً الى (خالد بن عبد الله القسري) يوم كان أميراً على البصرة .
والقصة تقول :
جاء اليه جماعة وهم يمسكون بشاب حسن الهيئة جميل المنظر عليه سيماء العقل والكمال فقالوا له :
هذا لص قبضنا عليه ليلة البارحة، وهو يريد ان يسرق دارنا .
فتعجب (خالد) من ذلك ، وأسف ان يكون هذا الشاب الوسيم سارقاً
فدنا منه وسأله عن التهمة الموجه اليه فقال :
نعم انهم صادقون ، والأمر كما قالوا فقال خالد :
ما حملك على ذلك وأنت بهذه الهيئة والصورة ؟
قال :
حملني على ذلك الطمع في الدنيا
فقال له خالد :
أما كان لك في هذا الكمال والجمال حاجز وزاجر لك عن السرقة ؟
قال :
دع عنك هذا ايها الامير ، ونفذ فيّ حكم الله فذلك بما كسبت يداي وما الله بظلاّم للعبيد .
وبقي (خالد) حائراً في أمره فقال له :
ايها الفتى
ان اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني وما أظنك سارقاً ، ولعل لك سراً نجهله فأخبرني بخبيئة سرّك وحقيقة أمرك .
فأنكر الشاب ان يكون له أمر أو سرّ غير انه دخل بيت هولاء وحاول ان يسرق منه فأمسكوا به وحملوه الى الأمير .
فأمر خالد بحبسه ، ثم عيّن يوماً لأقامة الحدّ عليه .
فلما استقر في الحبس ووضعوا في يديه ورجليه القيود ، تنفس الصعداء وأجهش بالبكاء ثم أنشأ يقول :
هدّدني خالدٌ بقطع يدي إنْ لم أَبحُ عنده بقصَتِها
فقلت : هيهات أن أبوح بما تضمن القلب من محبتِها
قطع يدي بالذي اعترفتُ به أهون للقلب من فضيحتِها
فسمع بعض الموكلين به قوله هذا، فأخبروا الأمير ، فأمر باحضاره …. فأجلسه الى جنبه وصار يحادثُه في أغراض كثيره فوجده ايبا لبيبا عاملا فطنا .
ثم قال له خالد :
اني علمت ان لك قصةً غير السرقة، فاذا حضر القاضي وحضر الناس معه وسألك عن السرقة فأنكِرها ، واذكر ما يدرأ عنك حدّ الله في السرقة
فان الحدود تُدرأ بالشُبهات .
ثم أعاده الى السجن
وعند الصباح حضر القاضي وحضر الناس ….
ثم أمر (خالد) باحضار الشاب فلما نظر اليه الناس ضجوا بالبكاء ،
ثم سأله القاضي قائلاً :
ان هولاء يزعمون أنك دخلتَ دارهم وسرقت النصاب فلعلك سرقتَ مادون النصاب ؟ قال :
بل سرقتُ أكثر من النصاب
قال القاضي :
لعلك شريكهم في بعض أموالهم ؟
قال :
بل هو جميعهُ لهم .
فغضب الأمير من اصراره على صراحته فأمر الجزاّر ان يقطع يده .
فلما أراد ان يبدأ بتنفيذ القطع، خرجت فتاة من وسط النساء فرمت بنفسها عليه ، وأسفرت عن وجهها فاذا به كأنه القمر الزاهر …
وارتفع الصراخ من كل مكان ، وكادت الفتنة ان تقع بين الناس وصاحت الفتاة بأعلى صوتها :
ناشدتك الله ايها الأمير ، لاتعجل بالقطع حتى تقرأ هذه الرقعة ، ثم ناولته رقعة فأخذ يقرؤها فاذا هي أبيات من الشعر تخاطب الأمير نفسه وهي :
أخالدُ هذا مستهامٌ مُتَيمٌ
رَمَتْهُ لِحاظي عن قَسّيّ الحمالقِ
( المستهام : المحب بشدّة ، الحمالق : العيون )
فأصماه سهمُ اللحظ مني لأنه
حليف جوىً من دائِهِ غيرُ فائِقِ
أقرَّ بما لم يقترفه كأنّه
راى ذاك خيراً من هتيكةِعاشِقِ
فمهلاً على الصبّ الكئِيبِ فانه
كريمُ السجايا في الورى غيرُ سارق
فلما قرأ (خالد) الأبيات ، سأل المرأة –على انفراد- عن القصة فأخبرته ان الفتى عاشق لها وهي عاشقة له ، وأراد زيارتها في بيت أهلها ، فلما احس به أهلها ذهبوا اليه ، فجمع ما وجده من أمتعة البيت ليريهم أنه سارق ليستر على معشوقته، فقبضوا عليه واتوا به اليك، فاعترف بالسرقة حتى لايفصحني أمام أهلي وأمام الناس .
وهذا يدل على كرم ذاته وحسن مروءته .
فتعجب خالد من أمره وعزم على تزويجهما فاستدعى والد الفتاة وحدّثه القصة …. وطلب منه ان يأذن في تزويجها فاذن له ، وهكذا تم الزواج ، وأسدل الستار على تلك الفصولُ .
[email protected]
www.almnbair.com