22 نوفمبر، 2024 11:36 م
Search
Close this search box.

مشكلتنا .. لغتنا

مشكلتنا .. لغتنا

هذه القضية الاشكالية قديمة متجددة، ونظرة متأنية فاحصة للحالة المتردية التي وصلت اليها لغتنا العربية على ألسنة الناطقين بها تؤكد او تنفي ما ازعمه بقدمها وتجددها. فليس الكلام عن بعض المثقفين وازمة لغتهم العربية، ضرباً من الثرثرة او كتابة مكررة لواقع أليم تختصر في اللغة على جميع مستوياتها على ألسنة المتخصصين فيها وهم غثاء كغثاء السيل او اولئك المحبين لها، وكثير منهم كالمنبت – لا ارضاً قطع ولا ظهراً ابقى – وان القضية هنا بحاجة الى حل جذري يجعل أصل اللغة في واحة المعرفة ثابتاً وفرعها في السماء سامقاً يستر ما انكشف من لكنة ولحن اصابا لغتنا العربية وخدشا حياءها.

والمسترجع للتاريخ يجد ان العرب نطقوا اللغة العربية بمستوياتها المختلفة نحواً وصرفاً ومعنى… بالفطرة دون معرفة مسبقة بان الفاعل يجب رفعة والمفعول به يجب نصبه، فخرجت اللغة على ألسنتهم عذبة انسيابية رقراقة لا عوجاً فيها ولا أمتاً.

ولما تقدمت السنون وبعدت اللغة بناطقيها عن مظانها الفطرية، اضف الى ذلك الامم الوافدة على العرب بلغات ولهجات متباينة عن لغة العرب. ومع تباين لغتهم تباينت ضمائرهم ونواياهم نحو مستقبل هذه اللغة العربية، لما حدث كل هذا وغيره كثير….

بدأ اللحن يستشري وينخر في هيكل اللغة العربية، مما حدا بعالم العربية ابو الاسود الدؤلي، ان يحفظ كتاب الله من اللحن، فوضع قواعد تضبط نطق بنيات كلمات العربية وتحدد علاقاتها بعضها ببعض داخل نسق لغوي يتمم الفائدة المرجوة الا وهو عودة اللغة نقية الى حضن الفطرة والسلامة، فبدأت اللغة تتنفس الصعداء بفضل ما قيضه الله لها من علماء مخلصين صانوها عاكفين عليها بحثاً ودراسة وضبطاً ومعنى، فظهرت المدارس النحوية، ومع اختلافاتها الاعرابية الا أن غاياتها واحدة وهي الذود عن كتاب الله المنبع الثر للغة العربية، ولم يسلم من اللحن نظم الشعر، فبدأت الاخطاء الموسيقية التي لا تستقيم من الاذن تقرع الاذان، فاذا بالخليل بن احمد الفراهيدي عندما (رأى جرأة الشعراء المحدثين في زمنه على نسج اشعار باوزان وقوالب لم تسمع عن العرب – وكان ذلك بمكة، طاف حول البيت ودعا الله ان يلهمه علماً لم يسبق اليه، فاعتزل الناس في حجرة له كان يقضي فيها الساعات الطوال يقرأ كل ما جمع من اشعار العرب ويوقعها على انغامها، ويضع كل ما جمعوه منها منفردة في دفتر حتى تم له حصر اوزان الشعر العربي وضبط احوال قافيته).

هذه المقدمة التي طالت بعض الشيء ستجعلنا نطرح سؤالاً من شقين ابى الا ان يطرح نفسه وهو اين مثقفو وعلماء اليوم المعاصرون من مثقفي وعلماء الفطرة القدامى؟

وكذلك، اين متشاعروا اليوم – وهم كثر- من شعراء الامس الخالي؟ اما شق السؤال الاول فيستغرقه الجزء المتبقي من هذا المقال، واما الشق الثاني منه فيستغرقه مقال او اكثر….

فيما يندي له الجبين حياء ويبتل خجلاً ما نسمعه كل يوم من اخطاء لغوية على ألسنة المثقفين وخاصة المتخصصين منهم، وهذه الاشكالية تشترك فيها كل وسائل الاعلام، فاذا اردت ان تستريح امام التلفاز او تسمع الى الاذاعة سويعة، اقضى مجلسك وأقلق سمعك مذيع رفع اسماً بعد حرف جر، واذا تتبعت استاذاً او عالما- ولا اعمم- ومنهم متخصصون في لغة الضاد، وجدت اخطاء لا تحصى تتعلق بالبنيات الصرفية، وأنا بأذني سمعت عالماً في حقل ثقافي يمدح العاملين فيه بانهم (اكفاء) بكسر الكاف وتشديد الفاء مع فتحها، فهو ناطق لها أما عن جهل وتلك مصيبة، واما عن علم هو غير عامل به عن غير اعتزاز بلغته، والمصيبة اعظم، و (اكفاء) في اللغة بكسر الكاف وتشديد الفاء مع فتحها جمع (كفيف) وهو الاعماء، فهو بمقولته الفاحشة جعل من معه عمياناً وهو قائدهم الى ضلال الجهل او التجاهل، وغير هذا كثير فاذا اردت ان تطلع على صحة الكلمة فستجد من مشتقاتها (كُفء) بضم الكاف وجمعها (اكْفَاء) بتسكين الكاف وفتح الفاء بمعنى المساوي والند، ولو وجدت ايضاً ما غاب عن صاحبنا العالم، ان من معاني (كُفء) بضم الكاف، الانسان الصالح لتحميل مسؤولية ما.

اما عن الصحافة – فحدث ولا حرج – فاخطأء الهمزات المتطرفة والمتوسطة فالجرائد ملأ بها، واذا سألتهم فهم مجيبوك بأن الكلمات وقعت تحت طائلة المطبعة التي لا ترحم أنين الحروف.

اذن، فمتلقي اللغة المعاصرة يتلقى اللغة مشوهة من مظانها التي تحتاج الى تقويم جذري وتدقيق في اختيار المذيعين والصحفيين على اساس من اللغة العربية اولاً بجانب غيرها لا على اختيارها بجانب غيرها، وان يتقوا الله في حق المثقف المعاصر الذي ليس له ملجأ من وسائل الاعلام الا اليها ليستقيم المعوج من لغته، فبعد ان كان المثقف في العصر الاموي والعباسي يتلقى اللغة نقية لا لحن فيها في مجالس المأمون والرشيد بدأ عصرنا الحالي يتلقاها بين التجشؤ والتثاؤب من وسائل اعلامية قاصرة ان توصل اليها النزر اليسير منها والذي يقيم اود اللغة ومتلقيها ناصعة سهلة ليلقونها لاجيال تعقد الآمال للحفاظ على لغة القرآن.

*[email protected]

أحدث المقالات