18 ديسمبر، 2024 11:42 م

مشكلتـــــــــنا

مشكلتـــــــــنا

فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ”.
منهجٌ قرآني، عقلي، أخلاقي، حضاري، فطري، يرسم خارطة التعامل السليم مع ما يُطْرَح من أقوال وأفكار ورؤى ومواقف، يضمن حياة وآخرة أكمل وأسعد، وهو أيضا يعطي مساحة واسعة لحرية التفكير والاختيار، فلا تحديد، ولا تقيد، ولا جمود للتفكير، هذا الشعار قائم على مقدمات ونتائج، والمقدمات هي الاستماع، والإتباع، وحسن الاختيار، ويُعرَّف الاستماع بأنه : مهارةٌ يُعطي فيها المستمِعُ اهتماماً خاصًّا، ومقصوداً لما تتلقَّاه أُذنه من أصوات؛ ليتمكَّن من استيعاب ما يُقال، فهو قصْدُ السماع من اجل فهمه واستيعابه والاستفادة منه، بخلاف السماع الذي هو مجرد استقبال دون اهتمام، والإتباع هو الطاعة والعمل بما تم الاستماع إليه، بعد اختيار الأحسن، والملاحظ أن الشعار القرآني قد جعل طرفي المفاضلة والتمييز هما الحسن والأحسن، مُخرِّجا بذلك كل ما هو قبيح وسقيم وفاسد، باعتباره غير قابل للمفاضلة، لأنه من الأضداد فلا مفاضلة، مثلا بين الحسن والقبيح، كما انه مما لا يصح الاستماع إليه، فضلا عن إتباعه واختياره، أما نتائج المنهج القرآني هي البشرى والهداية والصلاح، ونيل الأرفع والأفضل والأكمل في الدنيا والآخرة، وقد وصف القرآن الكريم أصحاب هذا المنهج بأولي الألباب، وهم الذين يحكمون العقل والإدراك، ويجعلونه هو المعيار الذي بواسطته يميزون بين الصحيح والفاسد ، وبين الحسن والأحسن، وينتخبون الأحسن ، فلا تعصب، ولا جمود، ولا تعطيل للتفكير والتدبر، ولا تحييد، ولا تحكُّم لأي ميول ونوازع، وهم ليس فقط يستمعون للحسن ويتبعوه، بل هم يختارون الأحسن والأجود والأفضل والأكمل ويتبعوه ويذعنون له برحابة صدر.
المشكلة التي عانت وتعاني منها البشرية عموما، وفي العراق خصوصا، تكمن في الابتعاد عن هذا المنهج القرآني، بل الفطري العقلي المنطقي الأخلاقي الإنساني الحضاري، الذي تُقر به كل الإيديولوجيات حتى الوضعية،لأن العقل يحكم باختيار الأحسن، وهذا الابتعاد يتجلى بالعراق في عدة صور منها:
الصورة الأولى: الاستماع إلى القول، ولكن لا يُنتَخب أحسنه فلا يُتبع.
الصور الثانية: الاستماع إلى القول، ويُنتَخب القبيح والفاسد والسقيم والمُضلل والمخادع، فيتبع.
الصورة الثالثة: عدم الاستماع أصلا إلى القول الحسن الصحيح الناجع المثمر، فضلا عن الأحسن والأجود والأفضل.
الصورة الرابعة: محاربة وقمع أو تغييب أو إقصاء القول الحسن أو الأحسن.
الصورة الخامسة: صار القبيح حسن، والحسن قبيح، والأقبح أحسن، والأحسن أقبح.
ولعل الصورة الرابعة الخامسة هي التي سيطرت وتسيطر على المشهد العراقي المرعب، في كل جوانبه ومجالاته، فالاستماع  كان ولا يزال في الغالب إلى ما هو السبب في  ضياع الوطن وهلاك المواطن والواقع كشف عن ذلك بكل وضوح وهذا ما يغنينا عن الاستدلال عليه، فالمجتمع سار خلف الرموز الدينية والسياسة  التي ساقتهم من سيء إلى أسوء بعد أن تعاملت معه وفق المنهج الفرعوني القائم على أساس الاستخفاف بالشعوب  التي سلمت لها وأطاعتها، في المقابل  العزوف بل قمع ومحاربة الأصوات والحلول الوطنية المخلصة التي تحترم الإنسان وتضحي من اجل إقرار العدل والمساواة والسلام والتعايش السلمي،  الأمر الذي افرز واقعا كارثيا دمويا مهلكا محرقا، دفع ولا يزال يدفع فاتورته العراق وشعبه.
السؤال المطروح هنا أما آن الآوان أن يعود المجتمع إلى ذلك المنهج السليم  ويتمسك به ويترجمه إلى سلوك ومواقف  لإنقاذ ما تبقى…؟!!!.