18 ديسمبر، 2024 6:09 م

مشكلة المرأة في العراق

مشكلة المرأة في العراق

لااعتقد ان هناك بلدا تُظلم فيه المرأة وتُحتقر وتُقتل على الظنة والتهمة كالعراق ، وقد زاد الطين بلةً – في مابعد ٢٠٠٣ – ضعف الدولة وترييف المدن وفوضى السلاح وتسيد الظاهرة العشائرية ٠ عموما فان ثمة ردة ثقافية – اجتماعية اجتاحت المجتمع ، حتى يمكنني القول ان عراق ١٩٢٠ ، عندما كانت نسبة القراءة والكتابة ( فيه ) تدور بين ٣ ٪؜ و ٦ ٪؜ ، كان اكثر اتساقا مع نفسه من العراق الحالي ٠ او قل ان كل الانجازات المادية وغير المادية التي تحققت على طريق التقدم ، طيلة المائة عام الماضية ، قد فشلت في تحرير المجتمع ، او انها كانت فوقية ولم تصل الى اعماق المجتمع ٠ فانتج هذا عندنا حداثة رثة : نستعمل احدث ماينتجه العلم ، في حين لازلنا نفكر بعقلية عثمانية ٠
ان المرأة عندنا ، وقعت بين دين عامي ( لايمت للدين بصلة ) ، وعادات عشائرية ، القيمة العليا فيها هي القوة وتطري الحرامي بدواس ليل و ( رَجال ) وتحتقر الضعفاء الاربعة ( المرأة ، الطفل ، المعوق ، الغريب ) ، ومجتمع متخلف طغت عليه القيم الريفية ٠ فعندما تُذكر المرأة ، لازال ذكرها يقترن بالقول عند الكثيرين : ( تكرم عن طاريها ، أو محشوم ، أو أجلك الله ) وقد سمعتُ ذلك حتى من ضباط وموظفين كبار ٠ وبعض الارياف في الجنوب ، عندما تموت المرأة ، لا يُجرى لها تشييع ولا تُقام لها فاتحة ٠ والحمد لله قد اختفت او كادت، ظاهرة ( الفصلية ) اي المرأة التي يتم تقديمها للخصم ليتزوج بها ، كجزء من الفصل العشائري ، حيث يسيئون التعامل معها غالبا ، وتكون اقل قدرا من باقي النساء ٠ وقد دارت حول ذلك اشعار واغانٍ مشهورة ٠
ولازالت ظاهرة ضرب الزوجة ، وشتمها ، واهانتها شائعة ٠ وقد فاجئني بل صدمني قبل ايام ، وكنا مجموعة اصدقاء ، وكلهم حملة شهادات جامعية ، وعندما طُرح موضوع ضرب الزوجة ، بانهم كلهم قد ضربوا زوجاتهم ذات مرة ، بل وان بعضهم لازال يمارس هذه ( الجريمة ) كل سنة او سنتين ، عندما يُخرجه الغضب عن طوره ٠ مع الاشارة الى ان اعمارهم بين ٤٠ و ٤٥ سنة ٠
ان العقلية الذكورية عندنا ، تُبيح للرجل اشياء كثيرة وتتسامح مع نزواته او بكلمة ادق تتغافل عنها ، فهو رجل لا يُعاب عليه شيء ٠ بينما تُقتل المرأة على التهمة والظنة ، بل انها تُقتل حتى عندما تتعرض للاغتصاب وتكون هي الضحية ٠ فهي عورة على اي حال ٠ وقد سمعتُ من احدهم ان المرأة لا تُغتصب الا عندما تسلم نفسها بمحض ارادتها !!!! واعرف فتاة في عمر الزهور ، تعرضت لعملية اغتصاب – وكل ظروف الحادث تؤكد بما لاشك فيه ان الفتاة ضحية بريئة – وعندما بان الحمل عليها ، قتلها والدها النجار الطيب ، والذي ذهب الى السجن حيثُ اصيب هناك بالتدرن ومات ، وضاعت عائلته الفقيرة بعده ايما ضياع ٠ وتقترن جرائم ( غسل العار ) في مرات كثيرة بالتمثيل بالضحية ، وقد يقطعون يديها لعرضها على الناس ٠ ويشهد الله انني بالكاد تمالكت نفسي وانا اشيرُ الى هذه البشاعة التي ما بعدها بشاعة ٠
وتُعامل المرأة داخل البيت – في الريف وامتداداته في المدينة – كخادمة تقوم بخدمة العائلة وضيوفها ٠ وحتى عندما يُريد الاخ ان يشرب ماءً ، فعلى الاخت ان تنهض وتجلب له الماء ٠ وفي احد الارياف ، عاد رجل الى بيته وقت الغداء ، بعد أن قضى صباحه بالثرثرة مع اقرانه ، فوجد ان الغداء لم يجهز بعد ، وكانت زوجته قد قضت صباحها تجمع الحطب للطهي و تحصد الحشائش للحيوانات ٠ فقام بربطها على الشجرة وحرقها ٠ علما انها كانت قد انجبت من هذا الوحش دزينة كاملة من الاولاد ٠
انني من الذين يعتقدون بان القوانين لاتحل مشكلة المرأة بالعراق الا جزئيا ٠ خاصة مع مجمل الظروف السائدة ٠ فالبلد بحاجة الى نهضة شاملة ، مفتاحها الاساسي هو التعليم ٠ وبدون ذلك ستكون القوانين مجرد تغييرات فوقية ، شأنها شأن كثير من القوانين التي صدرت منذ ثورة ١٩٥٨ ٠
المفارقة ، ان بعض الريفيين تحسنت نظرتهم للمرأة ولو نسبيا ، بينما نجد متعلمين قد تريفوا ٠ ولي صديق يعمل استاذا جامعيا ، وكان ماركسيا متشبثا بالماركسية ، لكنه كان يرى المرأة شيطانا ٠ والغريب انه عندما تزوج ورُزق ببنت واحدة وعدد من الاولاد ، ظل يميز اخوانها عليها بشكل واضح ٠ الامر الذي كان يذكرني بمقولة لكاسترو : بعض الثوريين تحولوا الى قساوسة ، وبعض القساوسة تحولوا الى ثوريين ٠
وعلى ذكر المرأة كشيطان – والشيء بالشيء يذكر – وهو ما يحفل به التراث الديني القديم ( اليهودي ، المسيحي ) ودخل منه الكثير في التراث الاسلامي ٠ وقد اورد ابن ابي الحديد ( المُتوفى ٦٥٦ هـ) الف كلمة قال عنها بانها اشتهرت او نُسبت للامام علي ع ٠ وفي بعضها ذم شديد للمرأة وبانها شر لابد منه ٠ وقد حققها احد العلماء واثبت بانها لفلاسفة اغريق وليست للامام علي ع ٠ وأرجو أن يُطبع هذا التحقيق قريبا .