22 ديسمبر، 2024 1:12 م

مشعان الجبوري يحمل قنابل نووية صغيرة وصواريخ قصيرة المدى في حواره مع غزوان جاسم

مشعان الجبوري يحمل قنابل نووية صغيرة وصواريخ قصيرة المدى في حواره مع غزوان جاسم

من محاسن القدر أني تنبأت لمشعان الجبوري منذ أن كنت طالبا بكلية الآداب قسم الإعلام منتصف السبعينات وكنت أسكن في إحدى الأقسام الداخلية بمنطقة الوزيرية وهو يأتي بسيارته النصر ويتبختر بها ليلا ويسير بها بسرع جنونية في شوارع الوزيرية التي تزدحم بالطلبة من الجنسين ليعاكس بنات الجنس الناعم والمهذب من طالباتنا أنذاك في وقت لم يكن بمقدور أساتذة كثيرين في وقتها أن يصعدوا بسيارة وقلت مع نفسي أن هذا الشاب المغامر سلوكيا سيكون (شيطانا يمشي على الأرض) وهو الوصف نفسه الذي أطلقه مشعان الجبوري على السيد محمد الحلبوسي لوصف طبيعة شخصيته في الحوار الخارق والساخن والأكثر من مهم مع الإعلامي القدير غزوان جاسم في قناة الرابعة الفضائية الأربعاء الماضي على ما أظن.

وفي هذا الحوار إتهم مشعان الجبوري مقدم البرنامج غزوان جاسم بأنه أكثر من يبحث عن إثارة الفتن والمشاكل له في تلك الحوارات وهو محق ربما في إتهام من هذا النوع بالرغم من أن غزوان الإعلامي الذكي والمراوغ إحيانا والذي يستدرج الشخصية التي يحاورها لكشف ما في جعبها وبواطنها من مفاجئآت ومعلومات ساخنة تخدم برنامجه في الإثارة وشد الأنظار وهو حق مشروع للإعلامي الناجح على كل حال لكن غزوان حاول أن ينفي تلك التهمة ضمن برنامجه.

وبالرغم من أن مشعان الجبوري كان يقول دائما أنه إبن خير وغنى منذ سنوات شبابه إلا إن بعض أصدقائه المقربين له وأحدهم أصبح لاحقا محاميا له قال لي أكثر من مرة قبل أكثر من عقدين من الزمان أن مشعان الجبوري لم يكن بمقدوره في ذلك الوقت دفع قيمة وجبة غذائية بسعر درهم في مطعم بمنطقة الميدان أو باب المعظم أو دفع أجرة درهم لباص المصلحة في شارع الرشيد وهو من يدفع عنه دائما عندما يدخلون أي مطعم أو يستقلون باصا للركاب في التنقل اليومي ..بعدها إستطاع الجبوري أن يعمل موظفا بجريدة الثورة في نهاية السبعينات أو بعدها وفي قسم التحقيقات الصحفية كما أظن وأنا كنت في جريدة الجمهورية لكن الجبوري أشار صراحة أنه في عهد النظام السابق كان أكثر غنى من الآن.

وأرى كمتابع سياسي ضليع في الإعلام والحرب النفسية وأبوابها ودروبها أن وصف السياسي العراقي مشعان الجبوري لقادة السنة في الحوار مع غزوان جاسم كان وصفا أقرب الى الصواب  عندما أشار صراحة الى أن بعض ساسة الشيعة أرادوا أن يستخدموا بعض قادة السنة كـ (بسطال) يلبسونه على مقاسهم وبرغم قساوة الوصف نفسه وثقله المؤسف على بعض شخصيات هذا المكون لكنه كان يمثل الحقيقة بكل مراراتها وقسوتها .

وكان مشعان الجبوري قد وصف بعض شخصيات قادة السنة الذين يتصدرون المشهد السياسي في هذا الحوار بـ “السفهاء” لأنهم رضوا أن يكونوا (بساطيلا) للقوى الشيعية كما قال في وصفه الصعب لهؤلاء الساسة.

لكن مشعان الجبوري كل دائما في حواراته السابقة يشيد بالسيد أسامة النجيفي ويقول عنه أنه كان من أقوى الشخصيات التي تصدرت المشهد السياسي منذ عام 2010 في رئاسة البرلمان ومواقع عدة وقد أدت دورها ببراعة وعلى أحسن حال ولم يطأطأ الرجل رأسه لأي كان في وقت يكن مشعان الجبوري له كل إحترام وتقدير في أغلب حواراته السابقة كما أشرت.

ومن المفاجآت التي أوردها الجبوري في الحوار أن الخصومة التي كانت بينه وبين الحلبوسي قد إنتهت الآن لكنه حذر من خطورة إختيار محمود المشهداني مجددا رئيسا لمجلس النواب لهذه الدورة بالرغم من إشادة الجبوري بشخصية المشهداني كونه من الساسة المخضرمين ممن أدوا أدوارهم في مراحل سابقة وهو الآن مرشح المالكي وليس مرشحا للسنة.

كما أشار الجبوري الى أن السيد مسعود البارزاني غاضب من أداء السنة وهو لديه وجهات نظر أخرى بعد الاداء السياسي الأخير لهم وقد غيّر كثيرا من قناعاتهم عنهم لكنه مايزال يتعامل مع الشيخ خميس الخنجر ومثنى السامرائي أكثر من الحلبوسي.

ومما تمتاز به شخصية مشعان الجبوري من سمات أنه الشخصية الجدلية الأقوى في المكون السني على الإطلاق وأكثرها صدقا مع النفس وهو لم يسلك طريق الكذب في كل حواراته وصراحته المعهودة في كل حواراته وهي نفسها من جعلت مشعان الجبوري بهذه المواصفات وهو يعترف حتى على نفسه أحيانا في إظهار بعض الصفات التي قد يراها الآخرون مثلبة عليه لكنه يعود ليؤكد إن هذا هو مشعان الجبوري لم يتغير منذ أن كان في المعارضة وحتى الآن وما يزال يمثل عنفوان المعارضة حتى في أحلك ظروف المكون السني وهو يدعي الآن أنه يميل الى أن يمثل الأغلبية المعارضة من هذا المكون وما تبحث عنه من طموحات وآمال مشروعة أكثر من سعيه لترضية هذه الزعامة السنية أو تلك من الطائفة الأخرى وقد إختار هذا الطريق عن طيب خاطر.

لم يثلم مشعان الجبوري سمعة أيا من الشخصيات التي جاء ذكرها في الحوار وأعطى لكل منها تقييمه العادل وربما المنطقي حتى بضمنها ما قاله عن السياسي العراقي محمود المشهداني الذي تمنى عليه أن لايقول عنه بما لايرضاه وقد تعهد أمام الملأ على أنه سيتخلى عن تولي منصب رئاسة البرلمان إذا إختار بقية زعامات السنة من يرون أنه يمثلهم ولكنه تراجع عنها وهو من ترك لشخصية من الإطار تعد له تغريدة بأسمه ولم يكتبها هو وكأنه أصبح مرشح الأغلبية.

ومن حسن حظ مشعان الجبوري أنه دائما يمتلك الوثيقة التي تؤكد مصداقية طروحاته في كل ما يقول مما يبعده عن مهاوي الكذب وقد إضطر ساسة وزعماء كثير منهم سنة الى أن يتراجعوا عن أقوالهم بشأنه لأنه يمتلك عليهم وثائق تؤكد مايقول لكنه لن يذهب مع الكثيرين منهم الى حد كشف الحقيقة كاملة حفاظا على ماء وجوههم أمام كتلهم وأمام جمهورهم وأمام رجالات السياسة الاخرين من كل الأطياف التي قد تنظر الى هذا السياسي بعين أخرى من عدم الإحترام.

كان تقييمه لأغلب إن لم نقل لكل الزعامات من المكون السني وحتى الشيعي حقيقيا وواقعيا وأعطى لأغلبهم مبرراتهم ربما لأنهم خضعوا لضغوط المكون الآخر الذي أرغمهم على سلوك دروب لايرتضيها المكون السني وقد أوصلته الى أتعس الظروف التي مر بها هذا المكون منذ عصر الإسلام قبل اكثر من 1400 عام حتى الآن.

ولأن مشعان الجبوري عندما يرى من يتحالف معهم أو يضع نفسه قياديا في المراتب الأولى بينهم ويكون مكانه في الصدارة على الأغلب وعندما يرى أنهم يغمطون حقه ودوره أو يتنكرون لدوره ينتقل لآخرين من أقوياء الزعامات ثروة وجاها ومناصب كبرى حتى وإن كانوا في صف الخصوم من قبل لكي يبقي معادلته قوية ومرجحة ولها قوة التأثير ولكي يشعر الآخرون ممن خاصموه أنهم قد خسروه عندما إختار طريقا آخر غير طريقهم.

وقد أنصف مشعان الجبوري هذه المرة السيد محمد الحلبوسي الذي قال إنه أعطاه (تخويلا) بورقة مكتوبة وكلف الجبوري بأن يتم إختيار أية شخصية أخرى لرئاسة البرلمان من قبله سواء من تقدم أو السيادة بضمنهم النائب زياد الجنابي وهو سيوافق عليها مما أعطى مجالا آخر لوضع حد لحل تلك الأزمة التي إستعصت على الحل..وكانت تصريحاتالجبوري بشأن الشيخ الخنجر أنه سمع منه كلاما قاسيا إضطر لأن يخرج من تحالفه السيادة بالرغم من أنه كان مخولا بوثيقة (بصمة) من الشيخ الخنجر وقد إعترف بيان السيادة الاخير بشكل أو بآخر بمضمون التخويل لمشعان الجبوري ولهذا سكت مشعان عن إعلان تلك البصمة على الملأ.  

صحيح أن الإتهام الذي وجهه غزوان وآخرين من قبله لمشعان الجبوري بانه يتقلب مع هذه الجهة او الزعامة السياسية أو تلك ويتحول الى أخرى وقد إعترف الرجل بها لكنه قال إنه لم يغير جلده ولا ثوابته في كل تلك الإنتقالات وما يرى أن مكونه كما يقول يريد أن ينصفه أو يسند محنته حتى يتحول فعلا الى الجهة التي تقلل الضرر عن هذا المكون لكنه إعترف بالمقابل بأن نوابا كثيرا يتنقلون بين هذه الجهة السياسية أو تلك بين ليلة وضحاها بقدر ما يقدم لهم من إغراءات ويقصد إغراءات المال والدعم المعنوي الذي يفوق كل تصور في حجمه وبذخه وهم يسكتون على مضض عندما يتطلب الأمر السكوت لأنهم قبضوا مقدما ثمن سكوتهم على المواقف التي تتطلب السكوت.

حوار مشعان الجبوري مع غزوان ينبغي لأي سياسي أو حتى الجمهور من كل محافظات المكون السني أو من خارجه إلا ويفترض أن يطلع عليه ويتمعن فيه بعناية كونه أقوى حوار وأكثره كشفا للصراحة وبوضوح وبلا خوف من تبعات ما يحصل من ردود فعل معاكسة أو ناقمة عليه لكن الرجل لايأبى لأي رد فعل تجاهه من أي كان طالما يرى أنه يقول الحقيقة كما هي بلا رتوش أو تزويق.

هذا هو مشعان الجبوري وهو في تصريحاته أشبه من يحمل قنابل نووية صغيرة أو صواريخ قصيرة المدى ليوجه بها الى من يريدون الإساءة له أو محاولة إضعاف موقفه أو التقليل من حدة ما يطرحه من تصريحات تصل الى حد كسر العظام بدون أن يخسر الجميع ممن عمل معهم أو تعامل سياسيا معهم لإسكات الأصوات التي تحاول الإساءة له أو المس بسمعته السياسية أو بتصريحاته النارية التي يطلقها وهو يحاول قدر الإمكان الإبقاء على شعرة معاوية مع الجميع.

وبالرغم من أن مشعان الجبوري إعترف بأن إختيارات إبنه يزن السياسية أفضل منه لكنه إعترف بأن مشعان الجبوري ليس يزن ولن يكون على شاكلته حتى وإن تمنى أن يكون مثله لأن زمن مشعان يختلف كثيرا عن زمن يزن كما قال وهو الرجل الذي إختار المكون الآخر ليصطف معه في محاولة منه ربما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محافظته التي تعرضت الى حملات إبادة وترويع لم تشهدها بقية محافظات المكون السني بتلك المساحة من التعرض للنفي والإبعاد وللتشهير بمواطنيها وناسها وربما كان يزن وسيطا لتخفيف تلك الأعباء عن بني جلدته كما يظن.

وفي ختام هذا الإستعراض لمخرجات هذا الحوار الشيق والبارع لايسعني إلا أن أقف بكل إحترام وتقدير لكل ما طرحه السياسي العراقي مشعان الجبوري من أراء ورؤى كانت على درجة من القوة لم يكن بمقدور آخرين من قادة السنة البوح بها..ومشعان الجبوري كما هو معروف عنه لا يجامل في كثير من المواقف التي تتطلب الوضوح والصدق وحتى الإعتراف بالخطأ إن تطلب الأمر ذلك ولهذا كسب ثقة قادة كل المكونات السياسية ولديه علاقات واسعة مع زعامات وشخصيات من كل الكتل السياسية العراقية سنتها وشيعتها وكردها وحتى من المحسوبين على الجناح الإيراني برغم أنه يرفض توجهات الجماعة الأخيرة أزاء ما يتعرض له منه مكونه من مضايقات ومن تغيير ديموغرافي والهيمنة على مقدرات محافظات المكون العربي السني..وكان الرجل موفقا جدا في هذا الحوار الذي أعده شخصيا من أكثر حوارات مشعان الجبوري قوة وسخونة وصدقا مع النفس وصراحة معهودة وهي سمات إيجابية تحسب للرجل مهما قيل عنه وما ألصقه الآخرون به من تهم لكن مشعان الجبوري لم يتم ترويضه حتى الآن وحافظ على معنى أن يكون رجلا في أصعب الظروف وأكثرها حلكة وظلاما..في وقت أوجه التحية للإعلامي القدير غزوان جاسم لأن طرحه الشيق لمضامين أسئلته وقدرته على كشف الأسرار والمعلومات المفيدة لأي حوار ساخن من الطرف الآخر كانت في غاية البراعة والإتقان بل والروعة.