18 ديسمبر، 2024 8:22 م

مشروع لنهضة الأمة (3 من 3)

مشروع لنهضة الأمة (3 من 3)

مشروع لنهضة الأمة (3 من 3)
تفاصيل أحد المشاريع المقدمة إلى عدد من الدول و الحكومات

ملاحظة: قدم هذا المشروع إلى رئيس وزراء إقليم كُردستان في عام 2013 (باللغة الكُردية)، وأمير قطر في عام 2016، ورئيس جمهورية تركيا في عام 2017 و 2020 (باللغة العربية و الإنجليزية)، ورئيس وزراء الإمارات في عام 2017، وأمير الكويت في عام 2019-2020، ورئيس وزراء الكويت في عام 2020، ورئيس وزراء ماليزيا في عام 2020 (باللغة الإنجليزية). كما وصل المشروع إلى يد الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة، وسفراء قطر و الكويت والإمارات العربية المتحدة، فضلا عن شخصيات أكاديمية و سياسية عربية و إسلامية ومؤسسات معرفية و ثقافية و إعلامية.

 

تمهيد:

 

رويدا رويدا ومنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي مالت كفة ميزان التفوق الحضاري نحو أمم الغرب الأوروبي، وانحدرت كفة الأمة الإسلامية نحو الهبوط والتخلف على أصعدة مختلفة. ولو دققنا النظر في تأريخ أوروبا، نجد أن النهضة الأوروبية بدأت بالتدريج منذ أن بدأت حركة الترجمة من اللغة العربية، من بلاد الشام والعراق ومن ثم بلاد الأندلس، إلى اللغة اللاتينية، بعدة قرون سبقت القرن السادس عشر الميلادي الذي يعتبر قرنا مفصليا في تأريخ الغرب. لقد بدأت النهضة الأوروبية (الرينيسانس) في القرن الرابع عشر الميلادي تحت تأثير مباشر للترجمات من العربية إلى اللاتينية. ولو الـتـفـتـنا إلى الوراء أبعد من ذلك، نجد أن الترجمات اليونانية لعبت دورا مهما أيضا في الحضارة الإسلامية، إلى جانب ما أبدعه المسلمون في حضن الإسلام. وقبل ذلك، استفاد الرومان من ترجمات شتى من الفينيقيين واليونانيين (الإغريق). وبدورهم استفاد الإغريق في نهضتهم وبناء حضارتهم من ترجمات عدة من المصريين القدماء والبابليين، والتي أدت إلى بناء مدرسة آيونيا الفلسفية التي أعطت الولادة للتراث الفلسفي اليوناني. إذن الترجمة كانت مفتاح النهضة بين الأقوام والشعوب.

تعيش الأمة الإسلامية والعربية في الوقت الراهن تخلفا كبيرا على أصعدة شتى. ولو أمعنا النظر نجد أن مصدر هذا التخلف هو تخلف علمي بإمتياز، حيث توقف التراكم المعرفي والعلمي في العالم العربي منذ قرون. وبما أن الغرب أمسى هو المرجع للعلوم المعاصرة، منذ أكثر من ثلاثة قرون، فإن علاقة العالم الإسلامي بهذا المرجع هو علاقة التبعية والدوران في حواشي هذا الفلك، دون التحول إلى جزء فاعل فيه، ودون الإستقلال عنه إستقلالا يؤهله إلى أن يكون هو نفسه مرجعا لنهضته، بإكتفاء ذاتي علمي ومعرفي من عنده ومن لدنه. لذلك، يقتبس العالم الإسلامي والعربي من الغرب إقتباس المُستهلِك، وليس إقتباس الباحث عن المعرفة والعلم، لبناء مشروعه النهضوي، كما فعل اليابانييون والكورييون والصينييون في مدة وجيزة.

يعيش العالم العربي، وهو يُعتبر قلب العالم الإسلامي على كل الأصعدة، فوضى عارمة. هذه الفوضى تشمل ميادين العلم والمعرفة أيضا. فكما هناك فوضى في حركة الترجمة (إن كان هناك في بلاد العرب شئ إسمه حركة الترجمة)، هناك فوضى كبيرة في القطاع العلمي والأكاديمي، بل وتخلف عميق يدمي قلب الفاحص المدقق. فعلى صعيد الترجمة، لا يملك العرب، رغم الإمكانيات المادية الهائلة، مؤسسة ترجمة منتظمة تقوم بالترجمة من العالم الغربي بشكل منتظم و وفق نظام وترتيب منهجي، يمد ويغني روافد المعرفة والعلم في حقول التربية والتعليم والدراسة والبحث الأكاديمي. فكل ما هو موجود لا يتجاوز ترجمات فردية وغير منتظمة لكتاب هنا وكتاب هناك، وفق هوى ورغبات الأفراد والمؤسسات الصغيرة التي ربما تخضع لأيديولوجيات سياسية وثقافية معينة، تجعلها تنتقي الترجمات وفق اعتبارات بعيدة عن مشروع نهضة الأمة، نهوضا صحيحا وذات أسس. ومن هنا تحسن الإشارة إلى مثال بسيط ومؤذ في آن، وهو الفارق بين ترجمة الكتب إلى العربية وبين ترجمة الكتب إلى اليابانية. فحتى يُترجم كتاب إلى اللغة العربية، تتم ترجمة آلاف الكتب إلى اللغة اليابانية. وكل الدول العربية مجتمعة لا تترجم سنويا إلا 4% مما تترجمه ألمانيا إلى لغتها. و وفق بعض المصادر، فإن الكتب التي تترجم إلى اللغة العربية سنويا، لا يتجاوز عددها 300 كتاب أو أكثر بقليل. بينما يُترجم حوالي عشرة آلاف كتاب في العام إلى اللغة اليابانية، وكذلك مثله إلى اللغة الألمانية.

 

فشل البعثات الدراسية:

 

يخسر العرب سنويا وبإستمرار المليارات من الدولارات على البعثات الدراسية إلى العالم الغربي. فمنذ حوالي قرن وأكثر، تبعث الدول العربية طلابها إلى العالم الغربي لنيل التخصصات في حقول المعرفة والعلم. وزاد الإقبال على هذا المجال في العقود الأربعة الماضية بتصاعد مستمر. لكن هذه العملية لم تؤسس لمشروع علمي، ولا ساهمت في تطوير وتقديم المجال العلمي والمعرفي. ما هو السبب؟

الدول العربية، وخصوصا الغنية، تبعث الطلاب المكملين للمرحلة الجامعية إلى الدول الغربية من أجل نيل التخصصات المتنوعة. هذا الأمر محتوم بالفشل مسبقا. لأن الطلاب (معظمهم تقريبا) الذين يذهبون إلى الغرب من أجل الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه، يقضون فترة ستة أشهر أو سنة من أجل تعلم اللغة، ولا شك أن هذه الفترة ليست كافية إطلاقا لتمكين الطالب من الإلمام بدراسته المرجوة. الجامعات الغربية لا تبالي بذلك، لأن ما يهمها هو المال الذي يُدفع لها سلفا.

يُعتبر تعلم اللغة الثانية (أي اللغة التي تأتي بعد لغة الأم) في الفترة التي تلي مرحلة المتوسطة (أي قبل الثانوية) متأخرا، يُفقد الطالب ميزة السيطرة والإحاطة والتمكين في الحقل الذي يود التخصص فيه. لذلك، فإن الأمر يصبح أكثر إحباطا بالنسبة لخريجي الثانوية، ناهيك عن خريجي الجامعة الذين يشكلون النسبة الغالبة في الإرساليات العربية إلى الجامعات الغربية. والسبب يعود إلى قضاء الطالب 18 عاما يتعلم بلغته العربية ويفكر بها، ثم فجأة يدخل عالما غريبا يبدأ فيه من الصفر في تعلم منهج لا سابقة له به وفيه. ولو افترضنا من باب الجدل أن الطالب المبعوث، من قبل الدولة العربية، يتمكن من اللغة وبالتالي يستطيع أن ينال التخصص الذي يريده، فهل يحقق هذا الطالب، كفرد، الهدف المرجو لحمل الأعباء من أجل تطوير وتقديم شعبه؟ الجواب بكل ثقة هو كلا. لماذا؟

مع أن أغلب الطلاب المبعوث من قبل الدول العربية يعود إلى بلده العربي بخفي حنين، لكن الإفتراض يظل قائما حول الذين يقدرون على الحصول على الشهادات، هل يحققون الغرض المرجو. الطالب الذي يقدر الحصول على المرتبة العلمية في الجامعة الغربية، لا يملك المصادر العلمية والمعرفية إلا باللغة الغربية التي بها حصل على التخصص. وبناء على ذلك سيظل مقيدا بهذه المرجعية الغربية لطالما كان حيا. وحين يتحول إلى باحث أو معلم في بلده، فإنه ليس سوى حلقة ضعيفة جدا بين حقول المعرفة والعلوم الغربية وبين الناس في الدول العربية، الذين يراد لهم الإستفادة مما تعلّمه الطالب المبعوث إلى الغرب والذي حصل على درجة التخصص. لأنه ببساطة، فإن المراجع والمصادر غير متاحة للطلاب والدارسين في الدول العربية. و وفق هذا المنوال يظل الدارس العائد من الدول الغربية غريبا ومعزولا، لا يقوى على العمل كجزء من مؤسسة متكاملة ومتناغمة في بلده، لأنه لا توجد هكذا مؤسسة. بل يشبه هذا الباحث أو الدارس الغصن المكسور من الشجرة، لا يقوى على أن يستمد من الجذور ما يمكـّـنه للبقاء، ولا هو يقدر على أن يمد غيره بأسباب البقاء والنمو. لذلك يظل تأثيره ونتاجه محدودا وسطحيا وهزيلا. ولو كانت هذه الطريقة، أي إرسال الطلاب إلى الغرب، تشكل أي ميزة حسنة، لكان العرب قد تفوقوا منذ زمن بعيد، لأن الإرساليات والبعثات الطلابية من العالم العربي إلى الغالم الغربي لم تنقطع منذ آماد طويلة جدا. فأين هي ثمار هذا المشروع القائم منذ زمن بعيد؟

يعلم الغرب هذا الواقع ويشجعه، ويسهل استمراريته و تكاثره. الغرب يستفيد من هذا الواقع استفادة مالية كبيرة جدا. وعلى صعيد آخر، يتحكم الغرب بالأمر الذي يشبه صمام أمان بيده، وهو معرفته التامة بأن هذه العملية لا تساهم في تطوير العرب قطعا، بل وتسبب في تخلفهم أكثر فأكثر، لأن واقع عقود طويلة من إرسال الطلاب العرب إلى الغرب لم يكن سوى استنبات البذور فوق سطح البحر، لم يثمر إلا الفراغ المغلف بديكورات الدرجة العلمية والشهادة وما إلى ذلك. ومعلوم للعالِمين بالتأريخ، أن الغرب حريص على أن لا يتطور العرب والمسلمون. فأي شئ أفضل للغرب من كسب مال وفير من العرب، بحجة تعليم أولادهم، بينما جامعات الغرب تعيد أبناءهم القادمين للحصول على العلم بقشور هشة مغلفة بشهادات برّاقة؟

 

واقع و حال الطالب العربي القادم إلى الغرب:

 

ولكن حقا كيف هو واقع الطالب العربي القادم من الدول العربية إلى الغرب، من أجل الحصول على التخصص؟ بما أنني قضيت سنوات طويلة في الدراسة هنا في أستراليا، لاحظت عن قرب حال الطالب العربي. الطالب العربي يبدأ تعلم اللغة الأجنبية (الإنجليزية هنا)، وهي صعبة للذين تفوق أعمارهم 18 عاما، ثم يدخل سريعا مجال تخصصه. ويظل فيه غريبا ومحبطا لا يقوى على التمكن من المحتوى العلمي والأكاديمي. ويظل بمرور الأيام محبطا يبحث عن وسائل العبور إلى نيل الشهادة بطرق شتى، منها الإستعانة بالطلاب الغربيين من أهل البلد الذين يقومون بتنفيذ الواجبات البحثية بدلا عنه، مقابل مردود مادي، ثم تجري الأمور على هذا النحو إلى أن تعطيهم الجامعة الوثيقة (الشهادة) التي تثبت حصولهم على الدرجة العلمية. مع أن الجامعة نفسها لا تقبل أن توظف حاملها (الطالب العربي) في المجال الذي تخصص فيه، ببساطة لأنها تعلم أن حدود معرفة الطالب العربي وتمكنه لا يتجاوزان الشهادة التي حصل عليها. وعليه، يجب أن يعود هذا الطالب إلى بلده ليشغل وظيفة لا يزيد فيها سوى الفراغ المحبط حقا، ويظل دون أي إنتاج معرفي أو علمي. بل ويشكل رقما إضافيا يشغل البطالة المقنعة.

ليس مدعاة للسرور ذكر مثال واحد من بين الآلاف من الأمثلة المحزنة. ففي أستراليا كان هناك طالب عربي من مملكة عربية غنية، قادما إلى جامعة راقية فيها، للتخصص في الأدب الإنجليزي، ونال فعلا شهادة الدكتوراه في التخصص المذكور. ولكن الغريب حقا، أن هذا الدكتور المتخصص في الأدب الإنجليزي استعان بشخص مهاجر وهو عامل بسيط يعيش في أستراليا، من أجل ترجمة محادثة بسيطة حدثت بينه وبين موظفي مطار مدينة سيدني. وما زال هذا المهاجر (وهو غير عربي وتعلّم العربية هنا في أستراليا ولم يكمل حتى مرحلة المتوسطة من الدراسة)، يذكر هذه الواقعة بإستغراب شديد.

 

خلاصة ما ذكرته سابقا:

 

البعثات الدراسية لا تحقق الغرض المرجو لرفع أعباء الأمة والنهوض بها. الطلاب المبعوثون يتعلمون اللغة الأجنبية التي يدرسون بها في مرحلة متأخرة جدا، تمنعهم من الإلمام بدراستهم والإحاطة بها والتفوق فيها. حتى ولو حققوا هذا المراد وأزالوا عقبة اللغة، فإنهم لن يتحولوا إلى باحثين حيويين ينتمون إلى مؤسسات أكاديمية وبحثية تحتضنهم وتهيئ لهم أسباب الإستمرار والنمو والتطور، بسبب أن مرجعيتهم العلمية هي مرجعية أجنبية تتطور بإستمرار، لا طاقة للدارس العربي اللحاق بجريانها وعظيم تطورها، وبالتالي ستظل طاقاته محدودة جدا على طريق التحول إلى حلقة وصل بين مواطنيه العرب، وبين المرجعية العلمية والأكاديمية الغربية المتطورة بإستمرار. الطالب المسلم والعربي المبعوث إلى دول الغرب يعود إما خالي الجعبة، أو إذا حصل على شئ فليست له حاضنة أو بيئة تحتضن محصوله ليزرع الطالب بذور محصوله مضافا إلى محاصيل أخرى متراكمة، ليكون هناك حصاد محمود. يعني هناك إنسلاخ للأسباب وإنعدام للتناغم وإفتقار للوسائل، لتأمين حاجة العرب من أجل التطور والنهوض والتأهل لمسابقة الأمم المتقدمة.

 

مقترح مشروع للنهضة العربية والإسلامية:

 

اللغة العربية هي اللغة الجامعة بين أبناء المسلمين على إختلاف أعراقهم وجنسياتهم. هي لغة الدين والتواصل الثقافي. للأسف، بعد أن كانت العربية هي اللغة الأولى عالميا ولقرون عدة، أمست اليوم عاجزة عن آداء دورها الحضاري بين أبناء المسلمين عامة والعرب خاصة. ولكي نعيد الدور الريادي للغة العربية التي فعلا تستحق هذا الدور، ليس على مستوى المسلمين والعرب خاصة بل على المستوى العالمي، نحتاج إلى ثلاث طرق أو إنشاء ثلاث مؤسسات وهي:

أولا: إنشاء مؤسسة للترجمة، ليست كمؤسسة عادية، بل كمؤسسة ضخمة تكون بمستوى الطموح للنهضة المنشودة.

ثانيا: إنشاء مدرسة ومعهد للترجمة، مهمتهما هي بناء كوادر متميزين للترجمة ليكونوا في المستقبل الجزء المهم لمؤسسة الترجمة التي ذكرت في النقطة الأولى.

ثالثا: توحيد مناهج الدراسة في الدول العربية أو تقريب المناهج والتنسيق بينها.

 

 

تفاصيل المشروع:

 

إن تحقيق هذا المشروع ممكن وليس مستحيلا. كما أن الحصول على نتائجه الملموسة يحتاج إلى حوالي عقد أو عقدين من الزمن (عشرة إلى عشرين عاما).

 

مؤسسة الترجمة:

 

الشروع في تأسيس مؤسسة الترجمة، يحتاج إلى لجنة من الخبراء والكوادر للقيام به ومتابعته. ومن هنا تتأسس القاعدة أو مركز القيادة والإدارة، لتسيير المؤسسة والإشراف على أعمالها. بعد إكمال الإجراءات الإدارية والتخطيطية للمؤسسة، من الممكن الإعلان عن فرص العمل في العالم العربي وفي الدول الأخرى للمتمكنين في اللغة العربية ولغة أجنبية وتحديدا (الإنجليزية والفرنسية والألمانية)، بهدف إستقطاب أكبر عدد من كوادر الترجمة للعمل في المؤسسة المذكورة. ليس ضروريا تواجد هذا العدد الكبير في جغرافية معينة، وفي أبنية معينة. من الممكن بقاء الكوادر في مدنهم وأماكن عيشهم، والعمل للمؤسسة بدوام كامل، على أن تتكفل المؤسسة رواتبهم وإمتيازاتهم المالية وكلفة جهاز كومبيوتر مخصص لعملهم. يجب خضوع المتقدمين للعمل في المؤسسة لإختبار جدي وقوي، للتأكد من إمكانياتهم في ترجمة الكتب من اللغات الثلاث المذكورة إلى اللغة العربية. ومن هنا يجب إستحداث الأقسام المختلفة في الترجمة ومن الممكن فرز المترجمين وتوزيعهم على هذه الأقسام، كل حسب رغبته وميوله في الترجمة. الأقسام تتوزع على الفلسفة، التأريخ، القانون، الإقتصاد، السياسة، ومناهج التعليم…الخ. على أن تكون للعلوم (الطب، الفيزياء، الكيمياء، الهندسة…الخ) أقسامها أيضا. وكذلك قسم خاص بالتكنلوجيا والصناعة.

يقوم كل قسم من هذه الأقسام، عبر المئات من الكوادر، بالبدء في ترجمة أمهات المصادر والكتب الأساسية للقسم المخصوص به إلى اللغة العربية. مثلا يبدأ قسم الفلسفة بترجمة كل الكتب الفلسفية منذ القدم وإلى يومنا الحاضر بدءا بالفلسفة اليونانية وإنتهاء بالمدارس الفلسفية الثلاث: القارية والتحليلية والبراجماتية. إن كانت هناك كتب مترجمة سلفا، فليس من الضروري إعادة ترجمتها بل الإستمرار في ما هو غير مترجم لترجمته. يجب أن يكون لهذا القسم والأقسام الأخرى خبراء وأكاديمييون، يعرفون المصادر والكتب ويقتنونها من أسواق الكتب العالمية. بموازاة ترجمة الكتب، من الممكن تخصيص كادر معين للعمل على ترجمة المجلات العلمية الخاصة بهذا القسم، كما في كل قسم آخر. كلما تقدم هذا الكادر في ترجمة ما هو معني به، كلما استغنت المكتبة العربية عن الحاجة إلى المزيد من الترجمة لما هو جديد (مع أنه سيتحول إلى إجراء روتيني بمرور الوقت)، لأن المدارس والجامعات والمكتبات العربية ستزدخر مستقبلا بالكتب والأبحاث باللغة العربية التي ستسد حاجة الباحث والدارس والطالب. هذا الأمر سيؤدي إلى بناء متخصصين كبار بين العرب، سيقدمون هم أيضا نتاجاتهم العلمية والفكرية والأكاديمية بمستوى ما لدى العالم المتقدم، والسبب الأهم في هذا الإنجاز هو أن جيلا قد تربى في حقول العلم والمعرفة بلغته الأم. وحينئذ، تستطيع الجامعات العربية من حجز المراكز المتقدمة في التصنيف العالمي للجامعات. وآنئذ لا يحتاج العرب إلى إهدار المليارات من الدولارات سنويا، لإرسال أبنائهم للتعلم في الجامعات الغربية. وحين نصل إلى هذه المرحلة، نكون قد وصلنا إلى ماهو موحد ومتناغم ومنسجم في مناهج التربية والتعليم، في مدارس ومعاهد وجامعات العرب. ستزدخر الجامعات العربية آنئذ بالمصادر الوفيرة باللغة العربية ويستغني القارئ والطالب والدارس عن البحث عن المصادر باللغة الأجنبية. هذه المرحلة تسمى النهضة الحقيقية للعرب والمسلمين، ونحتاج فيها إلى عقد أو عقدين من الزمن.

 

مدرسة ومعهد للترجمة:

 

إن إنشاء مدرسة ومعهد خاصين بالترجمة من الضروريات، لتوفير كادر متخصص بالترجمة لشتى حقول المعرفة. إن مؤسسة الترجمة قد تستطيع الحصول على مترجمين في بداية عملها، لكنها ستبقى تحتاج إلى مترجمين بشكل مستمر. لا بد من تشكيل لجنة من الخبراء والأكاديميين للشروع في التخطيط لهكذا مدرسة ومعهد للترجمة، وكذلك لبناء قواعدهما ومنهجهما وإدارتهما. الطلاب الذين يدرسون في مدرسة ومعهد الترجمة، ستكون فرصة العمل لهم بعد التخرج مضمونة 100% في مؤسسة الترجمة. يجب إختيار الطلاب المثابرين والمجتهدين والصابرين، للقبول في المدرسة والمعهد المذكورين.

 

مناهج الدراسة في العالم العربي:

 

إن العمل على إيجاد التناغم والإنسجام والتقارب في مناهج الدراسة والتعليم، في كل الدول العربية أمر ضروري وحيوي، لتحفيز ابناء الأمة وتنمية الشعور بالعمل من أجل مستقبل واعد وأرقى لأمتهم. كلما كانت مناهج التدريس والتعليم في الدول العربية أكثر تقاربا وإنسجاما وتناغما، كلما كانت المنافسة في مضمار السبق والتقدم أكثر قوة وحيوية بين أبناء العرب. فضلا عن ذلك، فإن تضافر وتراكم الجهود بين أبناء الأمة سيكون عظيما ومثمرا وواعدا للأجيال القادمة بإذن الله. و الأهم من ذلك، هو خلق بيئة الإنتماء القوي و الشعور الموحد إلى الهوية المشتركة التي تتبلور و تتطور بإستمرار بأدوات العلم و التربية بين أبناء العرب و المسلمين. إن البدء ثم الإستمرار في ترجمة العلوم والمعرفة من بلاد الغرب المتقدم، سيبني لا شك لمكتبة عربية مزدهرة، وجامعة متقدمة ومتفوقة، وباحث مجتهد، وعالم متبحر، وطالب طموح ومثابر، وبالتالي مستقبل مزدهر ومتقدم. وهكذا ستعود اللغة العربية مزدهرة وجامعة بين أبناء المسلمين، وستتحول فعلا إلى لغة الثقافة والعلم، يؤتى إليها من بقاع الأرض، وليس العكس، أن يهجرها ناطقها وإبنها ليذهب ويستمد العلوم بلغات الأجانب.

 

 

خاتمة:

 

 

إن هذا المشروع ليس خياليا، بل هو واقعي جدا. للعرب أموال كثيرة، قلما أجادوا حسن التصرف بها. قبل مدة أتحفنا الإعلام، أن رجلا عربيا من دولة عربية غنية قد انفصل عن زوجته الغربية التي هي مغنية مشهورة. وبما أن الإنفصال قد وقع، فعلى هذا الرجل العربي دفع مبلغ 500 مليون دولار أمريكي لهذه السيدة حسب المصادر الإعلامية. إن ألوف المبالغ مثل هذا المبلغ تم أهدارها في أمور تافهة، مع أن مبلغا كهذا أو ضعفه كفيل بالبدء في هذا المشروع وإنتصاره، لتحقيق غاية النهضة العربية والإسلامية إن شاء الله تعالى. أجزم صادقا أنه ليس هناك طريق آخر لنهضة أمتنا بغير هذا الطريق، اللهم إلا إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أراد النهوض بنا بغير السنن والأسباب التي جعلها في هذه الحياة. وأخيرا لدي مقترحات أخرى، لا تقل أهمية من هذا المقترح، بل وتبلغ أهميتها أهمية هذا المقترح و زيادة. إذا كانت لدى دولة … و قيادتها الحكيمة رغبة في قبول هذا المقترح، و وجدت إستجابة محمودة، سأقدم الخطط المفصلة عن المقترحات الأخرى و كيفية إنجازها. و لدي استعداد للمشاركة في تنفيذها بكل فخر و سرور.

والله تعالى يتولى السرائر وبه التوفيق وعليه التكلان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نسخة منه إلى:

– بعض الشخصيات العلمية والأكاديمية في العالمين العربي والإسلامي.

– بعض المواقع الإعلامية.