22 ديسمبر، 2024 9:57 م

مشروع كهرباء الشموع والمولدة الخمسون

مشروع كهرباء الشموع والمولدة الخمسون

في خضم معركة ساخنة جرت أحداثها في ظروف استثنائية من الصعب توصيفها لما كانت تحمله من تحديات كونتها إجراءات الحصار الاقتصادي، الذي فرض على العراق، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى احتلاله سنة ٢٠٠٣ وتبعاتها، كان النزاع قائمًا بين طرفين يحملان إرادتين متقاطعتين، أحد هذين الطرفين هو العاملون في قطاع الكهرباء، على اختلاف مستوياتهم في المسؤولية الوظيفية، ويتصف هذا الطرف بالجرأة والتحدي ويعزز قدراته العمل الدؤوب وإمكانياته الفاعلة في تسخير مهاراته المكتسبة بجدارة، أما الطرف الآخر فكانت تمثله الأطراف الخارجية، التي ناصبت العراق العداء والتي كانت تفرض تعليماتها الخبيثة على لجنة العقوبات الدولية (سيئة الصيت) والمشكلة على وفق القرار الأممي ذي الرقم (٦٦١)، حيث كانت قرارتها مجحفة برفض الكثير من أوامر الشراء الخاص من الخارج.
على وفق العديد من التجارب في التعامل مع لجنة العقوبات (٦٦١) جرى العمل لاستغلال المبالغ المخصصة لقطاع الكهرباء من المرصدة له في مذكرة التفاهم وذلك بتنظيم طلبات شراء جديدة مطابقة لما كانت قد وافقت عليها سابقاً هذه اللجنة في مراحل سابقة من مراحل تنفيذ المذكرة، حيث جرى تنظيم طلبات شراء لمولدات تعمل بوقود الديزل سعة الواحدة منها (١٠٠٠ كي في اي)، وبعد خمسين وحدة، كان هذا في عام ٢٠٠٠، وبعد وصول هذه الطلبية إلى مخازن هيئة الكهرباء.. بدأت هذه المولدات بالتبخر تباعاً حيث جرى توزيعها على العديد من الجهات المختلفة (مباني دواوين المحافظات.. مقرات المنظمات الجماهيرية…. الخ) لكي تعمل هذه المولدات لتغذية المواقع التابعة لها ولم يتبق منها شيء.
في بداية العام ٢٠٠١ تبنت إدارة هيئة الكهرباء مقترحاً لإنشاء محطات ديزل باستخدام عدد محدد من هذه الوحدات وعلى وفق طبيعة المواقع المرشحة لنصبها فيها حيث حددت أماكنها المقترحة وانجزت التصاميم الانشائية والفنية المطلوبة وأطلق على هذا المقترح مسمى (مشروع الشموع)، عند شروع الفريق المكلف بالإشراف على تنفيذ فعاليات هذا المشروع فوجئ بخلو المخازن من المولدات حيث تم التصرف بهذه الشموع وأخرجت من المخازن .
إثر ذلك تم تشكيل لجنة خاصة للتحري وتحديد مواقع المولدات الموزعة وإعادتها الى المخازن وبعد عمل مكثف تمكنت هذه اللجنة من إعادة (٤٩) مولدة كانت منتشرة على مختلف مناطق العراق وأودعت فيها.. الا واحدة فقط ، حيث تبين، فيما بعد، أنها قد نصبت في منزل أحد المسؤولين في الدولة بعد تسديده قيمتها الى هيئة الكهرباء (تم هذا بدافع المجاملة ومحاولة التزلف إلى هذا المسؤول من قبل أحد المعنيين في الهيئة، آنذاك).
كنت حينها الوزير المكلف بإدارة هيئة الكهرباء وعندما اتصلت بالمسؤول شخصياً وأوضحت له عدم جواز بيع المواد المجهزة عن طريق مذكرة التفاهم وما قد تتعرض له الهيئة من مؤشرات مخالفة بفعل الوشاة من المراقبين الدوليين في حالة اكتشافهم ذلك فلن يكون هذا في صالح عمل الهيئة.
أوضح لي المسؤول عدم علمه بهذه الحالة قطعياً، وقد يكون تصرفاً غير مسؤول من أحد العاملين في مكتبه وأعلمني أنه سوف يدقق الحالة لمحاسبة المسؤول عنها (تم ذلك فعلاً وبحضوري) وطلب إرسال رافعة مع الناقلة نفسها، التي أوصلت المولدة إلى منزله لغرض رفعها وتسليمها إلى هيئة الكهرباء مع إلغاء الاجراءات الإدارية والمالية، التي تم بموجبها بيع المولدة له، هنا اكتملت الشمعات الخمسون للمشروع، حيث تم إنجاز العديد من المحطات في بغداد والمحافظات على وفق مقترح مشروع الشموع هذا فكانت محطة ديزلات متنزه الزوراء، التي تصبت فيها عشر مولدات، نموذجاً رائعاً في جوانبه الفنية والتنفيذية والتي كان لها دور في إعادة التغذية الكهربائية للعديد من المرافق الحيوية المهمة في العاصمة أثناء العمليات العسكرية للاحتلال سنة ٢٠٠٣ وبعدها، كذلك محطة الجامعة التكنولوجية، التي كانت مكونة من ثلاثة وحدات حيث عدّت مصدراً للتغذية البديلة لمرافق الجامعة في الحالات الطارئة.
أسهمت هذه المولدات الصغيرة، بغد تجميعها وربطها توافقياً مع الشبكة أو بطريقة عزلها لتغذية مناطق محددة، بإسناد عمل المنظومة الكهربائية بالرغم من قدراتها المتواضعة الا أنها كانت منجزاً شاخصاً باتجاه ما يمكن إضافته من سعات للحاجة الملحة، في حينها.