23 ديسمبر، 2024 1:16 م

مشروع قرار الأحوال الشخصية الجعفرية في العراق ـ ملاحظات تربوية ونفسية !

مشروع قرار الأحوال الشخصية الجعفرية في العراق ـ ملاحظات تربوية ونفسية !

يعتبر مشروع قرار الأحوال الشخصية الجعفرية والذي سيتم بموجبه ” إذا أقر في البرلمان بعد إن قررت الحكومة العراقية أحالته له ” السماح بشرعنة الزواج من الأطفال الإناث من سن التاسعة, بل وفي حالات اقل من التاسعة, انتهاكا خطيرا لجميع لوائح حقوق الإنسان والاتفاقيات الإنسانية الدولية, ومنها بالتحديد اتفاقية حقوق الطفل, واتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة. والعراق من الدول التي صادق على هذه الاتفاقيات, ومن هنا فأن العراق بنقضه لهذه الاتفاقيات من خلال محاولة التشريع بالضد منها كما هو الآن في مشروع قرار الأحوال الشخصية الجعفرية, يعتبر طرفا مسيئا للطفولة والإنسان والمرأة بشكل خاص !!!. 

وتأتي خطورة مثل هذه الإجراءات إلى جانب أبعادها القانونية الدولية في إنها تلعب دورا يشيع العبث النفسي والتربوي والأخلاقي والاجتماعي للطفولة, وخاصة الطفلة العراقية. إن المرحلة العمرية أو سن الزواج الذي يزعم مشروع القرار المذكور للعمل به وهو السنة التاسعة, وهو ليس عمرا لمرحلة نضج عقلي وإدراك لما يقوم به الطفل من ادوار, بل نستطيع القول أنها مرحلة التدريب الأولي على تمثل الأدوار المختلفة إذا اقترنت بالتربية السليمة والوعي الأسري المطلوب لتنميته ايجابيا. كما إن الإشارات الفسيولوجية والجسمية لنضج الطفلة في هذا العمر لا تعني أبدا في المعرفة العلمية السيكولوجية إنها ناضجة عقليا لمشروع ” زوجه “, لان الخبرات الاجتماعية والبيئة الثقافية إلى جانب طلائع نضجها الجسمي لا تزال غير كافية أبدا لصقلها وتحملها دور الزوجة التربوي والنفسي والتحملي, فلازالت الطفلة في هذا العمر والى أكبر من ذلك يمتد حتى الثامنة عشر تحتاج فيه إلى اللعب واللهو والترويح ومختلف النشاطات التربوية الحركية والعقلية, إلى جانب حاجتها للتعليم والدراسة والاستقرار النفسي لبلورة وتهذيب مختلف الاتجاهات والميول لشخصيتها, بما فيه العلاقة مع نظيرها الذكر. ونتذكر هنا الكثير من تجارب الإكراه في الزواج المبكر أن يأتي بالطفلة ” الزوجة ” من ساحة اللعب أو من بيت أهلها إلى يوم الزفاف ” ألدخله ” وهي لا تعرف من الموضوع شيئا !!!. 

أن الزواج في هذا العمر يترك آثاره السلبية على البنت بشكل خاص, لأنها تكون عادة الأصغر سنا في الزواج, بل قد يزيدها الزوج إضعافا في العمر ” وهذا ما حصل ويحصل ” كما هي حالات عموم الزواج المبكر, فكثيرا من الأطفال الزوجات سيدخلن عالم الزواج وهن ما زلن غارقات بأحلام الطفولة, وتحمل الزوجة الطفلة الكثير من تفكير الأطفال وإحساسهم على فراش الزوجية. وتتفتح أعيونهن على الممارسة الجنسية وهن مشبعات بأفكار ومفاهيم خاطئة عن الجنس ومعناه وثقافته, والبنت تنتظر افتراضا الكثير من الثقافة والتدريب على حياة المستقبل, ليست فقط داخل البيت بل هي أيضا من مسؤولية النظام التربوي والتعليمي !!!. 

كما أن الزواج المبكر نذير بالعديد من الإنجاب, وان الإنجاب المبكر الذي يتم في هذه الأعمار وما بعدها إلى تحت الثامنة عشر له مخاطره النفسية والتربوية والطبية, فالبنت الزوجة هنا هي في طور النمو والبلوغ والاكتمال وإحلال التوازن النفسي والجسدي والهرموني, ولابد لإنجاب طفل مبكرا أن يزعزع هذا التوازن ألنمائي المتعدد المظاهر. والى جانب انعدام التخطيط الأسري والإنجاب المتعدد المبكر فأنه يترك الزوجة في نوبات من التوتر, والقلق, والإرهاق, والهستيريا, والاكتئاب ومختلف الإمراض الجسمية, من هشاشة العظام إلى أمراض العضلات والقلب والأعصاب وغيرها !!!.

كما إن الزواج المبكر وتحت مبررات قصور الطفلة الزوجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا يضعها تحت الوصاية المطلقة, ويحولها إلى موضوع متعة كيفما يشاء الوصي عليها ومفرخة إنجاب إلى إشعار آخر. وأن مشروع قانون الأحوال المدنية الجعفرية العراقي كان واضحا بمادته رقم ( 101 ), حيث أكد على أنه ” من حق الزوج على زوجته الاستمتاع بها في أي وقت يشاء وان لا تخرج من بيت الزوجية إلا بأذنه “, وتتعدى هذه الانتهاكات لتشمل حق تعدد الزوجات والإرث والوصاية على الأطفال وغيرها الكثير من المواد الجائرة !!!.

لا نعتقد أن في بلد يعيش حالة ديمقراطية ” على الأقل مكتوبة على الورق ” إن يخطط لمستقبل الطفولة العراقية ليحل بها الكوارث عمدا ويخطط لتشويهها نفسيا وتربويا ويحرمها من طفولة سعيدة في عالم متقدم يتباهى ويعتز ويقدس الطفولة وبراءتها, ولكن الديمقراطية المحاصصاتية الطائفية والاثنية في غمرة صراعاتها المستديمة من أجل البقاء الاسوء لا تستثني الطفولة أيضا لتحل بها الخراب. وفي حالة المصادقة البرلمانية على مشروع القانون هذا فأن السلطات العراقية تكون قد أعلنت رسميا عن تخليها عن مظلة الالتزام و الحماية والرعاية التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية للطفولة  بصورة عامة وللطفلة العراقية بشكل خاص, وإيداعها كليا في رحمة الاجتهاد التعسفي والتسلط الفردي والحرمان وسوء المعاملة الإنسانية !!!.