نبذة عن العملية التشريعية في العراق
ممكن ان تقترح مشاريع القوانين في العراق عن طريق: رئيس الجمهورية, مجلس الوزراء و البرلمان
يحق لمجلس الرئاسة ولمجلس الوزراء مناقشة مشروع قانون ومن ثم تقديمه الى البرلمان العراقي لاقراره (المادة 60 من الدستور العراقي. كما يحق للبرلمان العراقي اقتراح مشاريع القوانين ايضا وذلك استنادا الى الدستور العراقي المادة 63 فان البرلمان العراقي هو الجهة المختصة باقتراح وسن مشاريع القوانين حيث ينص الدستور العراقي في المادة 61 منع على انه “يختص مجلس النواب بما يأتي: اولاً :ـ تشريع القوانين الاتحادية. لكن تبقى هذه القوانين غير صادرة رسميا مالم بصادق عليها مجلس رئاسة الجمهورية المكون من 3 اعضاء وذلك وفقا للمادة 73 من الدستور التي تنص على ما يلي: يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية: ثالثا – يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب
نبذة عن تطور استعمال الانترنت في العراق
فترة الحكم الديكتاتوري
لم يكن استعمال الانترنت مسموح او متاح للمواطنين في ظل فترة الدولة السرية في العراق حتى عام 1999 حيث تم السماح باستخدام الشبكة العالمية ضمن اطار محدود ومراقب من قبل الحكومة, فمثلا فتح حساب بريد الكتروني كان عملية صعبة وتتطلب موافقات امنية. ان خدمة استقبال القنوات الفضائية واستخدام شبكة الهاتف النقال كانت ممنوعة بشكل كامل في ذلك الوقت حيث كانت تفسر هذه الانشطة على انها خرق امني تتراوح درجته بين خطير الى متوسط ويعاقب مرتكبه بعقوبات مختلفة تتراوح ما بين الغرامة والسجن لمدة 3 سنوات. في هذه الفترة لم تشهد اي نشاطات اجرامية ضمن الفضاء الالكتروني لسبب محدودية نطاق الخدمة, قلة المستخدمين, قلة المعلومات بالاضافة الى الرقابة الحكومية المشددة.
فترة الاحتلال الامريكي
بعد احتلال العراق من قبل القوات المتحالفة تم الغاء كل هذه القوانين واصبح استخدام وسائل الاتصال الالكترونية ومتاح ورخيص
الثمن لكن بقيت خدمة الانترنت ضعيفة ومحدودة وخدمة الهاتف النقال ضعيفة, مع ذلك فان عدد المستخدمين في تزايد صاروخي وتبادل المعلومات والرغبة في التعلم في مرحلة ازدهار مستمر. في الفترة التي سادت فيها اوضاع الانفلات الامني وسيطرت الجماعات المتشددة على اجزاء من البلاد لوحظ استخدام الانترنت وشبكات الاتصال بصورة غزيرة من قبل جماعات القاعدة التي قدمت الى البلاد مع خلفية معقولة من المعرفة بتكنولوجيا المعلومات فكانت تستخدم الشبكة العنكبوتية كاداة فاعلة في نشر الفعاليات والانشطة التي تنفذها الجماعات الارهابية سواء ضد القوات الاجنبية و المحلية او ضد المواطنين الابرياء لغرض تحقيق انتصارات معنوية ومكاسب اعلامية.
فترة الحكومات المنتخبة
خلال هذه الفترة استمرت عمليات الترويج للانشطة المتطرفة والانشطة المضادة للحكومة مما جعل الحكومة تشعر بالحاجة لتنظيم وتحديد استخدام هذه الوسائل كسلاح في الحرب ضد الارهاب والميليشيات في العراق بالاضافة الى التقليل من الانتقاد المتزايد لاداء الحكومة خصوصا فيما يتعلق بملفات الفساد الاداري وضعف الخدمات فبدأت الحكومة باتخاذ خطوات جدية لاعداد مشروع قانون لمكافحة جرائم المعلوماتية كأول مشروع قانون من نوعه في تاريخ البلاد.
مشروع القانون
الحالة القانونية
تمت قراءة مشروع القانون مرتين في البرلمان العراقي وحصلت موافقة مجلس الوزراء عليه
اسباب تشريع القانون
انه امر مسلم به ان البلد بحاجة الى اصدار مثل هذا التشريع لايجاد الحماية القانونية لمؤسسات الدولة والافراد ضد مرتكبي الجرائم المتعلقة بالاتصالات الالكترونية ومكونات الحاسوب بما في ذلك البرامج, البيانات والاجهزة. هذا النوع من الجرائم يلحق اضرار مادية ومعنوية بالمجتمع ويضعف ثقة الافراد بتكنولوجيا المعلومات التي تعول الحكومة عليها كثيرا لبناء نظام حكومي متماسك يقدم الخدمات المفيدة للمواطنين والشركات يدعم اسس الديمقراطية ومشاركة المعلومات في المجتمع.
النصوص العقابية
غطى القانون ضمن نصوص الفصل الثاني منه نطاق واسع من الافعال المرتكبة ضمن الفضاء الالكتروني مما يعد تطور غير مسبوق في التعامل مع هذا النوع من الجرائم في العراق. من ضمن الافعال التي غطاها القانون: الانشطة الهادفة الى الاتجار بالبشر او بالمخدرات, الجرائم المتعلقة بالاستيلاء على اموال الغير او البيانات, البرامج والاجهزة العائدة لهم, الجرائم المتعلقة بالتوقيع الالكتروني, الجرائم المتعلقة ببطاقات الدفع الالكتروني بالاضافة الى الجرائم المرتكبة ضد حقوق الملكية الفكرية وحق المؤلف و برائة الاختراع.
التثقيف والمشاركة
ان القانون لم ينشر في وسائل الاعلام فكان من الصعب الاطلاع على مضمونه وهذا الامر بحد ذاته يشكل خلل في عملية التشريع حيث يفترض ان يحاول المشرع وبكل الوسائل ايصال مسودة المشروع للعامة لغرض اشراك الجمهور, الاعلام والمختصين في عملية صياغة نصوصه. خصوصا اذا نظرنا لهذا الموضوع بالذات حيث الثقافة العامة للمواطنين وحتى بالنسبة للمحامين والقضاة هي محدودة جدا في هذا المجال مما يتطلب من الحكومة التهيئة المسبقة علما ان مادة قانون تكنولوجيا المعلومات لا تدرس في جامعات القانون في البلاد.
حرية التعبير عن الرأي
ان القانون وبلا شك يمثل تحديد واضح لحرية العبير المضمونة للمواطنين في نص المادة 38 من الدستور العراقي وربما تكمن وراء اصدار هذا التشريع الارادة السياسية للاحزاب المشاركة في العملية السياسية اليوم في العراق ومن المعروف ان هنالك انتقادات واسعة ومتزايدة ضد الاداء الحكومي والبرلماني والقضائي تمت ترجمته الى مظاهرات واحتجاجات واسعة شملت اكثر من نصف المحافظات العراقية ضد تدهور الوضع الامني وتردي الخدمات المقدمة لمواطنين وشيوع الفساد في اجهزة ومؤسسات الدولة, هذه التظاهرات وكما هو الحال في الهياج الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية مؤخرا, كان لاستخدام تكنولوجيا المعلومات من اجهزة اتصال و شبكات التواصل الاجتماعي دور كبير فيها. الامر الذي يدعو الكثيرين للاعتقاد ان اقتراح هذا القانون هو محاولة لمنع تدفق المعلومات الى المواطنين من خلال فرض رقابة وسيطرة على الانترنت والاتصالات هموما في البلاد.
المبالغة في فرض العقوبات
اذا نظرنا الى نص المادة 4 من مشروع قانون المعلوماتية في العراق التي تنص على ما يلي: يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن (25000000) خمسة وعشرين مليون دينار ولاتزيد على (50000000) خمسين مليون دينار كل من أنشأ او أدار موقعا على شبكة المعلومات بقصد ارتكاب احدى الافعال الاتية: أولاـ تنفيذ برامج او افكار مخالفة للنظام العام او الترويج لها أو تسهيل تنفيذها.
نستطيع ان نلاحظ ان العقوبة المحددة هي عقوبة شديدة جدا ولا تتناسب مع خطورة الافعال المجرمة خصوصا ان القانون لم يوضح المقصود بمصطلح النظام العام والاداب وهو مصطلح مرن ومطاط وممكن ان يتسع ليغطي اي فعل تعتقد الحكومة انه يمثل لا يصب في مصلحتها. عموما ان العقوبات المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون و المفروضة على مرتكبي جرائم المعلوماتية والتي تراوحت ما بين الغرامة تصل الى 50,000 دولار امريكي والسجن لمدى الحياة هي عقوبات مبالغ فيها.
الاستنتاجات
ان اصدار قانون يتعامل مع جرائم المعلوماتية هو امر ايجابي يفتح باب لتطور فقهي وقضائي في هذا المجال خصوصا بعد الانفتاح الذي شهده البلد على العالم الخارجي وسرعة انتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات. ان مشروع القانون لازال بحاجة الى تطوير في جوانب متعددة منها مراعاة ايجاد موازنة ما بين مراقبة الفضاء الالكتروني و صيانة حق المواطن في التعبير عن الرأي بالاضافة الى الالتفات الى الجانب الفني في وضع بعض التعاريف التي وردت في القانون مثلا ورد في تعريف التوقيع الالكتروني انه (علامة شخصية) في حين كان من الممكن استخدم مصطلح (بيانات الكتروني) بدلا من ذلك. لاحظنا ايضا ان العقوبات المفروضة تستدعي اعادة النظر فيها وان عميلة التثقيف والاشراك للجماهير ضرورية قبل اصدار هذا القانون.