ونحن نستظل هذه الايام بسحابة ذكرى، ولادة الامام علي بن ابي طالب”عليه السلام” علينا ان نبتل بقطرات تلك السحابة العلوية، وننتفع ببركاتها المستمدة من ذلك الرجل، الذي كان قوله منهج، وفعله دستور، وحياته مسخرة نحو تنفيذ مشروع اسلامي عالمي، يتخطى عقول البعض الضيقة.
كان عليه السلام يمثل صوت اﻷمة، والخط الذي خطه الرسول” صل الله عليه واله وسلم” ولكن من سوء طالع اﻷمة انها لم تفهم هذا الرجل، وتعاملت معه كأنه ند لها، اذ استحكمت العصبية والقبلية، والجهل الذي غلف العقول، فراحوا يحاربون هذا الجبل الشاهق، بدل النهل من ينبوع علمه.
وعندما سئل الخليل بن احمد، عن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب”عليه السلام ” ،قال: ماذا اقول في رجل، اخفى اعداؤه فضائله حسدآ، واخفاها محبوه خوفآ وظهر مابين ذين وذين ما مﻷ الخافقين!
لقد تجلبب الامام علي بنبذ اﻷنا ونكران الذات، ﻷنه تعامل مع الواقع الاسلامي كأب ومسؤول عن اﻷمة، فلم يتدافع مع الاخرين حول كرسي الرئاسة، ولم يستخدم مكر السياسة لتحقيق غايات شخصية، ولم يعلو صوته يوما في المطالبه بمغنمآ، بل سعى دوما الى رص الصفوف، وتوحيد الخطاب، وابراز صورة المجتمع الاسلامي المتماسك، رغم مااحيط به من اهواء معارضة، لا نريد ان نسلط عليها الضوء، ﻷن اﻷمام نفسه لم يكترث لها، ومضى بمشروعه اﻷسﻻمي الوحدوي، فكان يستوعب اعدائه بأفق واسع، فلم يعادي ولم يخاصم يومآ احدآ عداء شخصيا، بل انصهر بالاسلام فقاتل من اجل الاسلام ولﻻسلام .
وحده من اسس منهج الحكم مع احتواء اﻷخر، من باب القوة والحكمة، وليس من باب الضعف، اذ لم يتردد بخوض حروب مع اعدائه عندما وصل معهم الى طريق مسدود.
كان عليه السلام يشكل عنصر الموازنه بالمجتمع الاسلامي، ، اذ كان دفاعه عن المشروع الاسلامي، والاطروحة المحمدية، دفاعا اكبر من ان ينظر الى من ستأول اليه الرئاسة او الخلافة، وهنا يتجلى لنا معنى قولنا انه أميرآ للمؤمنين، ﻷن همه الوحيد ترسيخ العقيدة اﻷسﻻمية في النفوس، خصوصا بعد وفاه الرسول الكريم”صل الله عليه واله وسلم” وما تلتها من احداث كادت ان تزلزل الوجود الاسلامي من جذوره، فكان الراعي للمشروع اﻷسﻻمي، والانموذج المثالي للحكم واﻷدارة الاسلامية.